الحمد لله وصل اللهم على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم أفصح الناطقين لسانا و أبدعهم بيانا و أحسنهم خلقا و خلقا الذي بعث رحمة للعالمين و خاتم الأنبياء و المرسلين وعلى آله و صحبه و كل من سار على دربه و نهج نهجه و حمل راية القرآن وذاد عنها بكل جوارحه فجزاه الله بكريم الجنان
إن معجزة القرآن التي أيد بها الله رسوله الكريم هي وسيلة لدحض المشركين أمامها و إعجازهم على الإتيان بمثله و صدق تعالى حين قال ( و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) فكان سلاحا في قلب كل مؤمن يدفع به كيد الأعداء لما فيه من الحجة البالغة و البلاغة البينة الواضحة .
ان كل من يقرأ آيات الذكر الحكيم يمر ولا شك بمراحل الفهم التي تنتابه وضوحا و تأويلا و رمزا ، من هنا جاء البحث ليستقرئ بعض هذه المحطات القرآنية و يتخذ من الرمز دراسته فكان موضوع البحث ( الرمز في القرآن ) ، وسبب الاختيار راجع إلى محاولة لفهم بعض الأساليب الغير المباشرة التي جاءت بها بعض السور التي نقرأها في حياتنا اليومية.
و اعتمد البحث في إبراز هذه الصورة الفنية خطة رسمت كالتالي :
مقدمة وثلاثة فصول و خاتمة ففي الفصل الأول تناولت المفهوم اللغوي والاصطلاحي للرمز ثم تطرقت إلى نوعيه بنماذج في كل نوع و الفصل الثاني تعرضت فيه إلى لمحة موجزة عن رحلة المعجزة القرآنية عبر التاريخ ثم تطرقت على شكل من الأشكال التي ورد بها القرآن الكريم ( التشبيه ) أما الفصل الثالث و الأخير تناولت فيه الدراسة الفنية من خلال الأسلوب ، أنهيت البحث بخاتمة جاءت فيها أهم النتائج التي خلص إليها البحث و قد فرضت هذه الدراسة تطبيق منهجين الأول تاريخي وذلك لتتبع و اقتفاء اثر هذه الصورة الفنية ( الرمز ) ، عبر العصور و الثاني تحليلي يعرض الشواهد و تحليلها مبينا معانيها الحقيقية وضفت مجموعة من المصادر أهمها بالدرجة الأولى القرآن الكريم الذي هو دستور الأمة ، صفوة التفاسير للصابوني و البرهان في علوم القرآن للزركشي و التعبير الفني في القرآن الكريم للدكتور بكري شيخ أمين ولا احسب ان البحث قد الم بجميع جوانبه ليفسح المجال أمام الطلبة لتوسيع مثل هذه الدراسات و أتقدم بشكري
لأستاذي الذي قادني إلى هذه الرحلة من أجل العلم
وفي الأخير احمد الله ان وفقنا إلى ما يحبه و يرضاه
الرمـــــــــز وأنواعــــــــــــه
أ – الرمــــــز لغـــــــــة
ب– الرمـــــــز اصطلاحـــا
ج – أنـــــــواع الرمـــــز :
1 – الرمـــــــــز التراثـــــــــي
2 – الرمــــــــز الطبيعـــــــي
1 – الرمـــــز لغــــــــــة :
- يكاد يكون المدلول اللغوي لكلمة الرمز يكاد يكون واحدا في سائر و مختلف قواميس اللغة العربية .
- إذ جاءت تتفق على أن الرمز ( مجموعة الحركات الصادرة العين و الشفة و ذلك للتعبير عن شيء يعسر التعبير عنه باللفظ الصريح المباشر و الرمز انسب للشفة من العين ، الشفة ترمز و العين تغمز .... و الرمز تصويت خفي باللسان كالهمس و يكون بتحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ من غير إبانة بصوت انما هو إشارة بالشفتين ) .
- أما بالنسبة للخطاب القرآني فلقد حفظ له في متون آياته، و ذلك قوله تعالى في محكم تنزيله ، في قصة زكريا عليه السلام قال ربي اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ، واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي و الإبكار ) .
- وقد حدد معجم اللغة الفرنسية الرمز لغة بقوله شكل أو رسم أو إشارة ، أو شيء حسن يحمل معنى اصطلاحيا ، من ذلك نرمز للأمانة بالكتاب فالرمز إذن لغة الإشارة أو الإيحاء ، و هو لن يكون غير ذلك لان البشر لم يصطلحوا على تلك الرموز إلا لوجود رابطة أو قرينة معنوية بين الدلالة و المدلول ) .
منها اللسان لابن منظور – المحيط للفيروز ابادي – المزهر للسيوطي – الكشاف للزمخشري ....
- سورة آل عمران الاية 41
- قاموس فرنسي عربي – لاروس ( Larousse ) باريس ص 82
2 – الرمـــز فــــي الإصطـــــلاح :
فكلمة الرمز ترجع إلى الزمان القديم إذ حملت هذه اللفظة في العصور الوسطى معان كثيرة ، فهي في اليونانية كانت تعني ( قطعة من خزف أو من إناء ضيافة دلالة على الاهتمام بالضيف و الكلمة في أصلها مشتقة من الفعل اليوناني الذي يعني الجمع في حركة واحدة بين المشار و المشار إليه ) .
و الرمز بالنسبة للناقد إيليا الحاوي كالنبوءة الشعرية التي تظهر على النبوغ الشعري في اللحظة التي يمارس فيها الأديب فنه الأدبي ( فالرمز ليس أداة تقرير و مقابلة فهو لا يقابل واقعا بواقع آخر ، و يطلع من قلب المادة الصماء أرواح الحقائق الكامنة بها ، و لذلك فالرمز الفعلي أشبه ما يكون بلحظة من النبوءة الشعرية ، به يتصل بما وراء الأشياء و ما وراء جدار الحس و العقل ، و هي قد تدركها النفس حين تستقل و تتحرر من جسدها .
- و من النقاد الذين أولوا اهتماما بالغا بالرمز إبراهيم رماني فالرمز عنده مرهون بالإيحاء الذي هو تمثيل للواقع والأفكار ، و مشاعر ، وصور و أوضاع ذات أصل مادي
أما البعد الآخر فهو كل ما يتضمنه الرمز من دلالات مختلفة
و يعد الناقد إيليا الحاوي أن الحروف هي أيضا رموز ، وكل حرف يرمز لشيء ما و يضرب لنا أمثلة على ذلك : ( حتى الحرف فانه يرمز إلى شيء ، فالراء يحمل صفة التكرار و الاستمرار في السقوط و السين يتضمن أصولا تدخل فيها الليونة و السهولة و النقص و الياء تناسب معاني النفس الداخلية ، وسوف تستخدم للمستقبل و فيها معنى الانتظار ، و التواكل ، وتاء التأنيث التي تقتضي على رجولة الفعل )
- هنري بيير – الأدب الرمزي – ترجمة هنري زغيب - منشورات عويدات بيروت ص 07
- إيليا الحاوي – الرمزية و السريالية في الشعر المعاصر – دار الثقافة بيروت ص 142
ص 263
- أوراق النقد الأدبي – دار الشهاب باتنة ص 228
أما الرمز عند الدكتور ياسين أيوبي فهو : ( ليس أداة مصطنعة تصدر عن تقصد ارادي بل رؤيا تنفذ عبر الواقع إلى الحقائق الخفية التي تكمن وراءه ) ، فالرمز عنده ليس من وضع الإنسان بل هو عبارة عن رؤيا تطلعية تنفذ إلى الحقائق الخفية عبر الواقع ، بمعنى آخر لم يظهر عن قصد ، أو لغرض ما بل صدر عفويا ، فالرمز وجد عنده لأجل أن يؤدي شيئا ما في العمل الأدبي .
فللرمز أهمية كبيرة في حياتنا فهو : ( تجسيد لما في حياتنا كلها من أشياء ملموسة و معنويات مجردة ... و هو أداة عظيمة للوصول إلى المعاني و الإحساسات التي تفجر اللغة التقديرية المباشرة عن إدراكها ، و إخراجها إلى دائرة النور ) .
و عرف أحد الباحثين الرمز بأنه ( شيء حسي يعتبر كإشارة إلى شيء معنوي لا يقع تحت الحواس و هذا الاعتبار قائم على وجود مشابهة بين شيئين أحست بهما مخيلة الرامز ) .
و يختلط علينا الأمر في بعض الأحيان ، و نعتقد أن الرمز إشارة ، فهناك فرق بين الإشارة و الرمز ( فالإشارة مقيدة بشكل واحد ، وقد تتضمن رمزا أو توحي في طياتها لمعنى رمزي أما الرمز فهو إشارة إلى شيء غير محدود ، و يحتوي في تضميناته ، على معني الإشارة ، و بالإضافة إلى هذا يخفي الرمز و يحجب جانبا كبيرا من معانيه ، و يتحدى محاولاتنا لتفسيره كاملا )
- مذاهب الأدب معالم و انعكاسات - ص 122
- د / نسيب نشاوي - المدارس الأدبية في الشعر المعاصر – ص 464
- محمد فتوح أحمد – الرمز و الرمزية في الشعر المعاصر – ص 40
أنـــواعـــه :
أما الرمز كمدرسة فنية ، فإنها ازدهرت و ترعرعت في فرنسا ولذلك سميت باسمه فقد اصدر عشرون كاتبا مقالا نشر في جريدة ( الفيجارو ) الفرنسية يعلن عن الميلاد الرسمي للمدرسة الرمزية وكان هدفهم من الرمزية في المقام على حد قولهم : ( تقديم نوع من التجربة الأدبية ، تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية شعورية أو لا شعورية ، بصرف النظر عن الماديات الملموسة التي تمر إليها الكلمات ) .
يتخذ الشعراء من المز أداة للتعبير لان اللغة العادية عاجزة عن توصيل الرسالة للطرف الآخر و عن احتواء التجربة الشعورية ، فعن طريق الرمز يتم نقل التجربة من الواقع إلى ذهن القارئ ، فمثل هذه الرموز في طبيعتها فنية و مثيرة و هي تأتي مرتبطة كل الارتباط بالحالة الشعورية التي يعانيها الشاعر أو الأديب فالشاعر يستخدم رموزا متنوعة حسب كل مقام ، يستقيها من التراث الحافل بالذكريات أو من الطبيعة التي يعتبرها في نفس الوقت كملجأ يلتجئ إليه لانتقاء مختلف الرموز .
( فبالرمز تستطيع اللغة نقل هذه التجربة ، و اجتياز عالم الوعي إلى اللاوعي فتلد و توحي و يتأثر لؤلؤها و وميضها في معان تتساقط على ذهن القارئ ، وقد تؤخذ الرموز من الطبيعة و الأشياء و الشخصيات ) .
د / نسيب نشاوي – المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر – ص (646-471)
فمن التعريف السابق نستنتج نوعين من الرمز ، الرمز التراثي و الرمز الطبيعي :
1 / الرمـــــز التراثـــــــــي :
فالرمز التراثي يؤخذ من التراث أو البيئة التي تمثل الماضي الذي تتوقف بسببه حركة الإبداع و الكتابة ، ففي التراث لغة مشتركة ، و قيم متفق عليها ، فالشاعر يمثل التجربة الواقعية و الحضارية التي يعيشها ، فينقلها إلى ذهن السامع أو القارئ بطريقة غير مباشرة عن طريق الرموز ، فبالرمز يقرب الصورة أكثر فيكشف القناع أمام ظواهر تبدو غامضة و مبهمة ، فالتراث الشعبي يلعب دورا أساسيا في حياة المجتمعات : ( والماضي لدى المجددين جذر و منبت ، جذر تستمد منها اللغة طاقتها ، ويشهد الإبداع عصارة الديمومة ..... ).
إن الرمز التراثي لدى الشعراء الجاهليين يتمثل في تلك الآثار أو الأماكن التي ينزل بها الشاعر في رحلته ، فيرى الأطلال و الديار و الأوطان ، ذلك لان هذه الذكريات تشكل صفحة من صفحات ماضيه .
فهي سجل تاريخي دون فيه سيرة الشاعر من مولده إلى وفاته ومن بين الشعراء الذين عنوا عناية كبيرة بالتراث و الآثار القديمة أمرؤ القيس فقد كان الطلل عنده وسيلة مادية يفصح من خلالها عما يختلج في نفسه ، فقد يحوله الزمن الذي ينقاد إليه إلى رماد ، اشتدت به الريح في يوم عاصف فمفيده هو الخضوع له أو الصبر عليه إذ يقول :
قفا نبتك من ذكرى حبيب و منزل بسقط اللوى بين الدخول فهو مل .
فالطلل عنده يرمز إلى الزمن الذي يريدنا أن نشعر به و فاجعة الإنسان الذي وقع بين فكي هذا الزمن و المتمثلان في الليل و النهار فهو يشعر بأنه مسير باقدار هذه الحياة فلا تدعه يهنأ بلحظة من السعادة في منزله .
فالرموز التراثية هي من الآثار التي وظفها الشعراء الجاهليين في أشعارهم نظرا لما تحمله من دلالات و صور فنية تتجلى من خلال تجاربها اليومية هذا من جهة و من جهة أخرى كون التراث المنبع الذي يعود إليه جل الشعراء القدامى نظرا لغناه بمختلف الصور الطبيعية منها و التراثية .
- عثمان حشلاف – التراث و التجديد في شعر السياب – ص 12
- إيليا الحاوي – أمرؤ القيس شاعر المرأة و الطبيعة - ص 74
2 / الرمز الطبيعي :
إن الطبيعة وما فيها من مظاهر طبيعية مختلفة كالبرق و المطر و السحاب و الشجر ...
هي التي تقف أمام الإنسان فتجعله يستفسر عن كيفية حدوث هذه القوى وما الفائدة من وجودها في الطبيعة ، فبالتفكير و التأمل العميق ، يتوصل إلى ابتكار رموز هذه الظواهر فيدرك بواسطتها أن من ورائها قوى غيبية خفية تقوم بالسيطرة المطلقة عليها إما بتحريكها أو إسكانها ، إن الشاعر لا يجد ما يستأنس به في وحدته أو في سفره إلا الطبيعة بكل ما فيها من الوديان و الأزهار و الطيور فهي التي ألهمته فنون القول :
( فمن الطبيعة استعار جمال وديانها و سحر رياضها و للإنسان فرشن الدروب بالرياحين ، وزين الرياض بالألوان ) .
إن الرمز الطبيعي يعد تعبيرا آخر للشعراء لتوحيد الذات بالعالم الخارجي من جهة و التعبير عن دلالات تجاربهم باستنباطهم لطاقات هذا الرمز ، وشحنه بحمولات شعرية و فكرية جديدة ، فالرمز الطبيعي مصدره الأصلي هو الطبيعة ويستطيع الشعراء التخلي عنها ، فهو بأمس الحاجة إليها كما هي في أمس الحاجة إليه فهما متكاملان و بذلك :
( قامت حياة العربي على الرحلة و الانتقال سعيا وراء الكلأ ، و بحثا عن الماء يقيم حيث يري الرزق ، فيحل بخيمته ، و يعيش بذلك في مساس منع الطبيعة و تجاوز مستمر ، يرى النجوم في أفلاكها ، و ينظر إلى السماء و كواكبها و يراقب السحب و الغيوم و الرعد و البرق ) .
- د/ نسيب نشاوي – المدارس الأدبية في الشعر العربي المعاصر – ص 195
- فنون الأدب العربي ( الوصف) – ص 29
و من مظاهر الطبيعة التي لفتت أنظار معظم الشعراء الجاهليين " الليل " فلقد وصفه الشاعر وصفا صادقا صدق معاناته ، رمز لليل بالثقل في أيام الحزن حين يزجي ستائره على الكون فيعم الظلام بصورة البحر حين يغمر السابحين ، فذلك كتابة عن أطواله ، و إن النجوم المتلألئة في السماء لا تعرف الحركة رمز لها بأنها مربوطة بأمر سفق الجبل ، فكان الليل يختبر الشاعر في مدى قوته و شجاعته على التصدي لهذا الحزن الذي يسيطر على كامل جسده حين يقول :
وليل كموج البحر ارخى سدوله علـــي بانواع الهمــوم ليبتــــلي .
ألا أيها الليل الطويل ألا انجــل بصبح وما الاصباح منك بأمثل .
ومن الظواهر الطبيعية التي وصفها الشعراء القدامى و ألبسوها رموزا مختلفة المطر و البرق ، فالمطر عندهم رمز الخير و النعم ، فلقد رمز للمطر حين يغمر الأرض ، فيخفي أوتاد الخيم و الأشجار ، فما يظهر منها إلا الرؤوس يعلوها الزبد بالرؤوس المفصولة عن أعناقها تسبح في الماء تتحرك في طلاقة و حرية تارة إلى اليمين وأخرى للشمال ، فلقد بالغ الشاعر في وصفه .
أما عبيد بن الأبرص فقد رمز للبرق في قوة معانيه بالصبح حين يضيء الكون أما السحاب عندهم فهو رمز للبشارة بالخير ( المطر ) ، فالشاعر يرمز للسحاب وكأنه شيء ملموس حين يدنو من الأرض حتى ليصيب الإنسان بأنه يمس خطوط بيديه إذ يقول :
يا من لبرق أبيت الليل أرقبــــه في عارض كمضي الصبح لماح
دان مسف فويق الأرض هيد به يكـــاد يدفعـــه من قام بالـــــراح
أما شعر الطبيعة عند بعض الشعراء فينحصر في الفرس والناقة ، فلقد كان للخيل عند العرب مكانة التجلة و الاحترام
الرمز في القرآن
أ – معجزة القرآن
ب – الرمز في القرآن من خلال
1 / الاستعـــــــــــــارة
2 / التشبيــــــــــــــــه
أ – معجزة القرآن :
إن القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز المنزل على سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن طريق الوحي جبريل عليه السلام ، لقد حاول أرباب الفصاحة و البيان و وصفه فما بلغه احدهم بما وصفه به من نزل عليه ، فهو أرقى من فكر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) و من مستوى مجتمعه و عصره ، فهذه الرسالة الربانية التي تشع بالنور الإلهي فهو البحر الزاخر بالمعارف و العلوم الفياض بالتشريعات و القوانين فهو الحجة و البرهان القاطع على انه ليس من كلام البشر من جهة ومن جهة أخرى آية في هذا الكون فلم يأت به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مصداقا لقوله تعالى : ( وما كنت تتلو من قبل من كتاب ولا تخطه بيمينك................................................
إن القرآن الكريم إعجاز علمي و شرعي و تاريخي فهو الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) بحيث أصبح هذا الكتاب منهل الدراسات اللغوية منها و البلاغية و ذلك بوصفة تضامن أرقى نصوص الكلام العربي لما فيه من الفصاحة و البيان ( بلسان عربي مبين )
فالقرآن الكريم بما فيه معجز للناس كافة و العرب بصفة خاصة و أن الحكمة من هذا التحدي، أن يشهد العرب التاريخ في كل عصر بعجز العرب على الإتيان بمثله و هؤلاء هم الخطباء و الفصحاء منهم
فلقد تحدى في البداية الإنس و الجن على أن يأتوا بمثلها ( قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) و أما نهاية التحدي و ظهور علامات تتجلى في قوله تعالى : ( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بصورة من مثله و ادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين )
للقرآن طاقة روحية ذات تأثير بالغ الشأن في النفس فهو بهذا الجدان و يرهف الأحاسيس و المشاعر و يطرب الأذن لسماعه فهو يصقل روحه و يوقظ إدراكه و تفكيره ويجلي بصيرته فإذا بالإنسان نتيجة لتأثير القرآن يصبح إنسانا جديدا كأنه خلق خلقا جديدا
- المعجزة القرآنية – بغدادي بلقاسم ص 13
- سورة العنكبوت – الآية 48
- سورة الإسراء الآية 88
- سورة البقرة الآية 23
وإن الطريقة الأفضل لإدراك أسرار هذا الإعجاز البياني هو التحاور والتفاعل مع القرآن الكريم وذلك محاولة التدبير في آياته وتذوق جماليته وكشف بعض أسراره وخباياه ،وهذا كله يكمن في اعتمادنا على البلاغة التي بواسطتها يتم تفسير الهدف في المقصد والمتوخاه من هذا الإعجاز البلاغي أو البياني على السواء ،يقول أبو هلال العسكري : " وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما ،لله به من حسن التأليف ،وبراعة التركيب وما شحنه من الإيجاز والبديع والاختصار اللطيف ، وضمنه من الحلاوة وجلله من رونق الطلاوة ،مع سهولة كلمة وجزالتها وعذوبتها وسلاستها إلى غير ذلك من محاسنه ،التي عجز الخلق عنها ،وتحيرت عقولهم فيها ،وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب وقصرهم من بلوغ غايته في حسنه وبراعته وسلامته ونصاعته وكمال معانيه وصفاء ألفاضه " .
إن القرآن الكريم فيه من الرموز والإيحاءات المتعددة من استعارة وكناية ومجاز وتشبيه وأمثال .... وكذا من الأشكال الفنية والجمالية كالتقديم والتأخير والتلاؤم والفواصل ......وهو المبلغ الذي يجعل الباحث يقطع السبيل للوصول إلى معرفة هذه الكنوز المتعددة والألوان والأصناف والثمار ، مما يجعل الدراسة يافعة مع المشقة والجهد والبذل .
د – عبد العزيز عتيق – في تاريخ البلاغة ص 15 .
قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً
صـدق الله العظيــم
الإسراء 88
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
صــدق الله العظيــم
الأحد فبراير 14, 2010 4:10 pm من طرف nadiro*love