منتدى نجوم الونشريس
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
منتدى نجوم الونشريس
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
منتدى نجوم الونشريس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
المساهمة برقي المنتدى
اهلا وسهلا بزوار واعضاء منتدى نجوم الونشريس ******المنتدى بكم ولكم ****** ******المنتدى بحاجة الى مشرفين ولمن يخدمه******

 

 المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:19 am

المقاومة المسلحة
ضد المشروع الصهيوني في فلسطين
1920 - 2001

د. محسن محمد صالح
الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية
وتاريخ العرب الحديث



الفصل الأول
المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني
والكيان الإسرائيلي

يستعرض هذا الفصل مجمل الانتفاضات والثورات والحروب ضد إقامة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. وقبل أن نشرع في ذكر التفصيلات، نضع للقارئ بعض الملامح العامة المتعلقة بالموضوع:
1. كان هناك وعي مبكر بخطورة المشروع الصهيوني، وكانت مقاومة هذا المشروع سياسياً أو عسكرياً قديمة قِدَم هذا الوعي، وقِدَم المشروع الصهيوني نفسه.
2. تدرجت مقاومة المشروع الصهيوني قوة (في أثناء الاحتلال البريطاني 1917 ـ 1948)، بحسب ازدياد الخطورة العملية لهذا المشروع من هجرةٍ يهودية واستيطان وبناءٍ للمؤسسات.
3. أثبت شعب فلسطين استعداده للتضحية والمبادرة والعطاء، بل وفي أحيان عديدة كانت المبادرة الشعبية تفرض نفسها على القيادة السياسية، وتدفعها للجهاد، وبعبارة أخرى فإن شعب فلسطين كان يقود قيادته نحو الثورة والمقاومة.
4. إن المشاركة العربية والإسلامية في الدفاع عن فلسطين كانت محدودة وضعيفة، وارتبطت أساسا بثلاثة حروب كبيرة، أدّت اثنتان منها إلى كوارث حقيقية. ذلك أن البلاد العربية والإسلامية كانت تعاني من الاستعمار ونفوذه،كما عانت بعد ذلك من قياداتها السياسية، ومن السياسات الإقليمية المحلية التي لا تعطي أولوية كبرى للقضية الفلسطينية، فضلا عن الخلافات والصراعات بين بلدان العرب والمسلمين.
5. إنه لم يحدث - حتى الآن - أن عُبِّئت طاقات الأمة العربية والإسلامية بشكل وحدوي منهجي جاد متكامل، متسم بالاستمرارية، في مواجهة المشروع الصهيوني.
6. إنه منذ زيارة أنور السادات للكيان الصهيوني في نوفمبر 1977، وتوقيع اتفاقية تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد سبتمبر 1978)، فإن محاربة الدول العربية والإسلامية ومقاومتها للمشروع الصهيوني قد فقدت زخمها، وأخذت تعاني من التفسخ والضعف.
7. إن الاتجاهات والحركات الإسلامية التي كان لها دور مشهود في المقاومة في النصف الأول من القرن العشرين، عادت لتلعب دورها المتميز من جديد في عقدي الثمانينات والتسعينيات. لكن دورها ظل شعبياً بشكل أساسي، لأنها لم تنجح في الوصول إلى القيادة السياسية، وخصوصا على الساحة الفلسطينية، وفي دول الطوق.
8. إن جذوة المقاومة المسلحة لم تنقطع على الإطلاق منذ البداية وحتى الآن، وإن اتخذت أشكالاً وحركاتٍ واتجاهاتٍ مختلفة. وكان هناك دائما من يصوب البندقية على المشروع الصهيوني، أو على الأقل من يعد بندقيته لذلك.

المقاومة في أثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين 1917 - 1948
ترجع أولى علامات المقاومة الفلسطينية المسلّحة إلى سنة 1886 (أي قبل الاحتلال البريطاني بـ31 عاماً)، عندما هاجم الفلاحون المطرودون من الخضيرة وملبس (بتاح تكفا) اليهود في قراهم المغتصبة التي أُجْلُوا عنها رغماً عنهم، بعد أن اشتراها المستوطنون اليهود من ملاك كبار. وقد دفع ذلك السلطات العثمانية إلى فرض قيود مشددة على الهجرة والاستيطان اليهودي. وتزايد بعد ذلك الوعي بمخاطر المشروع الصهيوني، فقد احتج وجهاء القدس المسلمين ضد رشاد باشا متصرف القدس في مايو 1890 عندما أبدى محاباة للصهاينة، وقدموا عريضة لرئيس وزراء الدولة العثمانية في 24 يونيو 1891 طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين، وتحريم استملاكهم للأراضي فيها. وكان لكتابات وأنشطة المصلح الإسلامي الشيخ محمد رشيد رضا والسياسي الفلسطيني يوسف الخالدي ومفتي القدس محمد طاهر الحسيني، وممثلي مناطق فلسطين في البرلمان العثماني أمثال روحي الخالدي وسعيد الحسيني، وصحف الكرمل وفلسطين والمنادي وغيرها، كان لها أدوار في زيادة الوعي، وتعبئة الجماهير ضد المشروع الصهيوني، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914.[1]
احتل البريطانيون سنجق القدس (جنوب ووسط فلسطين) في ديسمبر 1917، وأكملوا احتلال شمال فلسطين في سبتمبر 1918. ولكنهم دخلوا فلسطين كقوة حليفة للثورة العربية التي قادها الشريف حسين، ولذلك لم يَلْقوا مقاومةً من أبناء فلسطين، على اعتبار وعودهم للعرب بالحرية والاستقلال. لكن تَنكُّرِ بريطانيا لعهودها، وإعطائها وعد "بلفور" لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، فَتحَ الباب عريضاً لمقاومة المشروع الصهيوني والاستعمار البريطاني. غير أن الفترة 1917 ـ 1929 اتسمت بتبنِّي قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية للمقاومة السياسية السلمية، لأن المشروع الصهيوني لم يأخذ أبعاداً خطيرة بَعدُ (كان اليهود 8% من السكان سنة 1918، ويملكون 2% فقط من أرض فلسطين)، ولأنه كان لا يزال هناك أمل بأن تَعدِل بريطانيا عن موقفها (أقرت عصبة الأمم رسميا الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1922)، فضلا عن ضعف الفلسطينيين، وقلة خبرتهم في مواجهة بريطانيا "العظمي"، التي كانت أكبر قوة استعمارية في العالم.

كانت أولى بوادر مقاومة المشروع الصهيوني إنشاء جمعية "الفدائية" أوائل 1919 وقد تكونت لها فروع في يافا والقدس وغزة ونابلس وطولكرم والرملة والخليل، وتولى زعامتها في البداية محمد الدباغ، ثم محمود عزيز الخالدي، واستمرت بأشكالَ مختلفةٍ حتى سنة 1923. وكان من الشخصيات الموجهة لها في الخفاء الشيخ سعيد الخطيب، والحاج أمين الحسيني، والشيخ حسن أبو السعود، والشيخ محمد يوسف العلمي. ونشطت في تجنيد الأعضاء وسط الجندرمة والشرطة الفلسطينية. ورغم أنه تم القبض على كثير من عناصرها، إلا أنه يظهر أن أفرادها شكَّلوا عناصر تحريض مهمة في انتفاضة موسم النبي موسى في القدس في أبريل سنة 1920.[2]
وخلال الفترة ديسمبر 1919 ـ مارس1920، وقعت هجمات عربية على المستعمرات اليهودية في الجليل الأعلى حيث دُمِّرت مستعمرات المطلة وتل حاي وكفر جلعادي، واضطر اليهود للفرار.[3]
انتفاضة موسم النبي موسى، القدس أبريل 1920:
تعد هذه الانتفاضة أولى الانتفاضات الشعبية في فلسطين، وقد حدثت الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة بينما كانت وفود القرى محتشدة في القدس يوم 4 أبريل 1920 للمشاركة في هذا الموسم الديني السنوي.وقد خطب في هذه الحشود عدد من رجالات فلسطين مثل موسى كاظم الحسيني والحاج أمين الحسيني وعارف العارف ... فألهبوا حماس الجماهير. وفي هذه الأثناء، يظهر أن أحد اليهود قد أهان العلم الإسلامي لأهل الخليل، وقام بتلويثه، فهاجمه المتظاهرون وضربوه. ثم تفجر الموقف واتسعت الاشتباكات لتشمل مدينة القدس، وفرضت السلطات البريطانية الأحكام العرفية، وحاولت السيطرة على الوضع،لكن ذيول الأحدث استمرت حتى 10 أبريل 1920.[4]
أسفرت هذه الانتفاضة عن مقتل خمسة يهود وجرح 211 آخرين بينهم 18 إصابة خطيرة. أما من العرب فقد استشهد أربعة وجرح 24 آخرين، كما جرح سبعة جنود بريطانيين.[5]
ورغم أن هذه الانتفاضة بدت انفعالاً عفوياً، إلا أنه من الواضح أن عدداً من القيادات الوطنية والجمعيات والمنظمات التي يقودونها قد قامت بدور تحريضي، ونسّقت بشكل منظم الهجمات ضد اليهود. وكان للحاج أمين الحسيني دور بارز في ذلك، حيث ذكر أحد معاصريه (عجاج نويهض) أنه "في موسم النبي موسى كان للحاج أمين اليد المدبرة الحكيمة في إعطاء اليهود أول درس"؛ وقد حُكم على الحاج أمين وعلى عارف العارف، بعد أن استطاعا الهرب، بالسجن غيابياً لمدة عشر سنوات، لكن المندوب "السامي" البريطاني أصدر عفواً عنهما بعد ذلك، في محاولة لتهدئة الأوضاع. وإثر هذه الانتفاضة قامت السلطات البريطانية بإقالة موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس، حيث تفرغ لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية حتى وفاته سنة 1934، وقد عيَّنت مكانه راغب النشاشيبي في رئاسة البلدية، لتلعب منذ ذلك الوقت ورقة الصراع العائلي (حسينية ونشاشيبية)، والتي انعكست سلباً على حركة المقاومة طوال الاحتلال البريطاني.[6]
انتفاضة يافا: مايو 1921
عاش شعب فلسطين أجواء من الغضب وخيبة الأمل إثر زيارة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل إلى فلسطين في 28 مارس 1921، والذي أكد بشكل قاطع دعم بريطانيا للوطن القومي اليهودي، وكان لقاؤه بالوفد العربي الفلسطيني في القاهرة في 22 مارس، وفي القدس في 28 مارس مخيباً للآمال. كما قمعت الشرطة بعنف مظاهرة قامت في حيفا في 28 مارس وقتلت اثنين من العرب، ومنعت المظاهرات ... مما أثار جواً من التوتر.[7]
وقد وقعت شرارة الانتفاضة عندما اعتدت مجموعة من الشيوعيين اليهود ـ المحتفلين بعيد العمال في أول مايو1921 على المسلمين القاطنين في حي المنشية في يافا وحدث إطلاق نار على المارة العرب، صدر - على ما يبدو - من منـزل للمهاجرين اليهود شرقي شارع العجمي. فهاجم العرب منـزل المهاجرين اليهود وقتلوا 13 يهودياً وجرحوا 24 آخرين من أصل مائة يقيمون فيه معظمهم من الشباب. ثم اتسعت الاشتباكات والأحداث لتغطي أجزاء عديدة من شمال فلسطين، ولتستمر جذوتها حتى منتصف مايو1921.[8]
واستفاد اليهود من وجود أفراد الكتيبة اليهودية الذين تسلموا البنادق بحجة الدفاع عن تل أبيب، لكنهم ما لبثوا أن تسرّبوا منها إلى شوارع وأسواق يافا وأخذوا يطلقون النار على العرب وهم يلبسون الزي العسكري البريطاني. وتظاهر أهل يافا مطالبين السلطات بإحلال جنود هنود مكان البريطانيين لأن العرب لا يستطيعون التفريق بينهم وبين اليهود، وقد استجابت السلطات جُزئياً لطلبهم.[9]
ومع اتساع الانتفاضة خارج يافا، قام ثلاثة آلاف عربي بمهاجمة مستعمرة بتاح تكفا، وقد تصدت لهم قوة بريطانية من فوج الفرسان الهندي الثامن وساعدها الطيران البريطاني الذي قام بقصف المهاجمين وقد فقد العرب في هذا الهجوم 28 شهيداً و15 جريحاً وفقد اليهود 4 قتلى و12 جريحا.[10] وفي يوم 6 مايو هاجم حوالي 400 عربي مستعمرة الخضيرة وأحرقوا منـزلين، وكان يمكن أن تدمر المستعمرة لولا تدخل الطيران البريطاني، الذي قصفهم وأجبرهم على الانسحاب.[11] وفي اليوم نفسه، هاجم حوالي 600 عربي مستعمرة رحوبوت، لكن الجيش البريطاني استطاع الوصول في الوقت المناسب، والدفاع عنها. كما هاجم العرب مستعمرتي كفر سابا وعين حاي (اللتين هرب أهلهما إلى بتاح تكفا)، وأوقعوا فيهما الكثير من الدمار.[12]
ومن جهة أخرى، قام اليهود بأسر العرب الموجودين عندهم في مستعمرة بتاح تكفا وقتلوا خمسين مسلماً. ووجد بين القتلى المسلمين من قُتل حرقاً بماء الفضة، وبالآلات القاطعة، ومن شُوِّه وعذب قبل قتله، وكان بين الشهداء أطفال ونساء وبنات هتكت أعراضهن وبقرت بطونهن، وجُرِّدن من ملابسهن، وبلغت هذه الأخبار حد التواتر وثبتت بتقارير الأطباء.[13]
وحسب الإحصاءات الرسمية البريطانية قتل من اليهود 47 وجرح 146، وقتل من العرب 48 وجرح 73.[14] ويبدو أن هذه الأرقام أقل من العدد الحقيقي، ففي اليومين الأولين فقط قُتل من اليهود 40 وجرح 130، كما يظهر أن الإحصائية لم تشمل الشهداء العرب الخمسين الذين قُتلوا في مستعمرة بتاح تكفا. وربما انفرد سامي الجندي بذكر أن شهداء العرب بلغوا 157 وأن جرحاهم وصلوا إلى 705، وأن قتلى اليهود وجرحاهم يزيد عن ذلك.[15] وقد اعترف تقرير اللجنة الملكية البريطانية أن معظم الإصابات وسط العرب كانت على أيدي القوات البريطانية.[16] وذكر تقرير بريطاني آخر أن معظم إصاباتهم كانت برصاص البريطانيين أو اليهود، وأن معظم إصابات اليهود كانت بالسكاكين والعصي على أيدي العرب.[17]
وقد ظهر أيضاً الأداء المتحيز للسلطات البريطانية من خلال الإجراءات القضائية التي اتخذها النائب العام "نورمان بنتويش" - وهو بريطاني يهودي صهيوني كان يتولى أمور القضاء والعدالة في فلسطين - حيث أحال القضايا المتعلقة بالفظائع التي ارتكبها الصهاينة إلى المحاكم كقضايا شخصية بسيطة.[18]
وكان يمكن لهذه الانتفاضة أن تتفاعل وتتسع لولا أن موقف الزعامات السياسية الفلسطينية مال إلى تهدئة الوضع. وقام عدد من الوجهاء ورؤساء البلديات بتهدئة الجماهير. وقدَّرت السلطات البريطانية "خدمات" رؤساء بلديات القدس وطولكرم ويافا وقاضي القدس ومفتيا عكا وصفد فمنحتهم وسام عضو الإمبراطورية M.B.E. وحتى موسى كاظم - رئيس اللجنة التنفيذية التي تُمثل قيادة الحركة الوطنية- قام بنفسه بجولة لتهدئة الوضع، لأن القيادة كانت لا تزال تأمل بحل سياسي، ولم تكن في وضع يؤهلها لأي عمل ثوري.[19]
ومن جهتها، قامت السلطات بعمل استرضائي، إذ أوقفت الهجرة اليهودية مؤقتاً اعتباراً من 14مايو1921. وألقى المندوب السامي هربرت صمويل بيانا في 3 يونيو 1921 ذكر فيه أن بريطانيا لن تفرض على شعب فلسطين سياسة تجعلهم يعتقدون أنها مناقضة لمصالحهم الدينية والسياسية والاقتصادية.[20] وقد نشر هذا جواً من الارتياح في الوسط العربي، غير أنه لم يكن عملياً سوى وسيلة لتهدئة الأمور وترتيب الأوضاع، ليمضي المشروع الصهيوني بوسائل أكثر احترافاً ونجاحاً. وقد اعترف السكرتير العام للحكومة "ديدز" أن الغالبية العربية شعرت بعد ذلك بأشهر بأن الحكومة البريطانية "مقيدة اليد والقدم"، وأن هذا البيان مجرد ذرٍّ للرماد في العيون، وأن الشقة قد اتسعت بين العرب والإدارة البريطانية، التي أصبحوا يرونها والصهيونية شيئاً واحداً.[21]
ثورة البراق: أغسطس 1929
لم تحدث ثورات على مدى واسع بعد ثورة يافا وحتى ثورة البراق. ولكن حدثت بعض الأحداث المتفرقة مثل مظاهرة القدس في ذكرى وعد بلفور في 2نوفمبر1921، التي أدت إلى مقتل خمسة يهود واستشهاد ثلاثة من العرب وإصابة 36 من الطرفين.[22] وفي 20 مارس 1924، كان اليهود يحتفلون بعيد المساخر، وأشركوا في مساخرهم زي العلماء المسلمين مما أثار حفيظة المسلمين، فقُتل يهودي وآخر مسلم، وجرح يهودي واثنان من المسلمين.[23] وفي 25 مارس 1925 أضربت فلسطين إضرابا شاملا بمناسبة زيارة بلفور إلى فلسطين.[24] وكان من أسباب حالة الهدوء خلال 1922-1928 تراجع معدلات الهجرة اليهودية، وحالة الانقسام والتفكك التي شهدتها الحركة الوطنية الفلسطينية.

وحائط البراق هو الحائط الغربي للمسجد الأقصى، ويسميه اليهود حائط المبكى، وكان المسلمون يسمحون لليهود بزيارة المكان الذي هو وقف إسلامي من باب التسامح الديني. وقد حدث أول تصعيد خطير بشأن حائط البراق في 23 سبتمبر 1928 عندما حاول اليهود تغيير حالة الأمر الواقع، وتحويل المكان إلى ما يشبه الكنيس اليهودي. فأسس المسلمون في 30 سبتمبر "لجنة الدفاع عن البراق الشريف". وعقدوا في القدس مؤتمراً إسلامياً في الأول من نوفمبر 1928، حضرته وفود من الأردن والعراق ولبنان وسوريا والهند، وقرر المؤتمر تشكيل "جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة".[25]
ثم حدث تصعيد يهودي آخر في 15أغسطس1929 حيث نظم اليهود مظاهرات في القدس اتجهت إلى حائط البراق وهناك رفعوا العلم الصهيوني، وأنشدوا نشيدهم الوطني، وشتم خطباؤهم رسول الله r والإسلام والمسلمين. وقام المسلمون في اليوم التالي بمظاهرة مضادة من المسجد الأقصى. وحدث شجار بين العرب واليهود في 17 أغسطس زاد الأوضاع توتراً. ثم وقعت صدامات واسعة بعد صلاة الجمعة يوم 22 أغسطس في القدس. ولم تكد أخبار هذه الصدامات تصل إلى الناس حتى عمت المظاهرات والصدامات جميع أنحاء فلسطين واستمرت بشكل عنيف أسبوعاً كاملا، غير أن جذوتها لم تنطفئ إلاّ بعد أيام أخرى تالية.[26]
وفي 24 أغسطس قام العرب في الخليل بمهاجمة الحي اليهودي فقتلوا أكثر من ستين يهودياً وجرحوا أكثر من خمسين آخرين، وتمكنت الشرطة من الحؤول دون وقوع مذبحة هائلة لليهود، فاصطدمت بالمتظاهرين،[27] وذُكر أنها قتلت عشرة منهم وجرحت آخرين.[28] وفي يوم 29 أغسطس هاجم العرب الحي اليهودي في صفد فقتلوا عشرين وجرحوا 25 آخرين.[29] وفي الفترة من 24 أغسطس وحتى 2 سبتمبر هاجم العرب الكثير من المستعمرات اليهودية، ودمروا ستة منها تدميراً كاملاً. وهوجم اليهود في يافا وبيسان. وتحولت فلسطين إلى ساحة قتال، ولم تستطع السلطات البريطانية الإمساك بزمام الأمور إلاّ في 28 أغسطس، عندما اكتملت التعزيزات العسكرية.[30]
أسفرت هذه الثورة عن مقتل 133 يهودياً وجرح 339 آخرين، معظمهم أصيب على أيدي العرب. واستشهد من العرب 116 وجرح 232 معظمهم على يد الشرطة والجيش البريطاني.[31] وكانت الإصابات بين البريطانيين نادرة جداً، لأن الثورة كانت موجهة ضد اليهود فقط. وقد سِيق إلى المحاكمة حوالي 1300 شخص 90% منهم من العرب.[32] واتهم العرب مرة أخرى مسؤول "العدالة" في فلسطين اليهودي "بنتويش" بالظلم والتحيز الفاضح. وذكروا أنه أخذ يتهم العرب بالعشرات، ويُفرج عن اليهود حتى القتلة بكفالة وبدون كفالة، وأنه أفرج عن مجرم يهودي متهم بقتل أربعة من العرب، أحرق أحدهم حرقاً.[33] وقد جرت محاولة لاغتيال بنتويش، أصيب على إثرها في فخذه، ثم إن السلطات البريطانية أعفته من منصبه سنة 1931.[34] وقد نفذت السلطات البريطانية ثلاثة أحكام بالإعدام على ثلاثة من العرب هم عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي. وكان استشهادهم في 17يونيو1930، يوماً مشهوداً في تاريخ فلسطين عرف بـ"الثلاثاء الحمراء". وقد أبدى الثلاثة ضروباً من الشجاعة والثبات عند التقدم إلى حبل المشنقة، وطلب الزير وجمجوم "حناء" ليخضبوا أيديهما، وهي عادة عربية في منطقتهما للدلالة على الاغتباط بالموت، وأنشدوا وأنشد أهل فلسطين معهم:
إننا نهوى الظلاما
نور فجر يتسامى[35]
يا ظلام السجن خيِّم
ليس بعد الليل إلاّ

كانت هذه الثورة أولى الثورات التي تشمل كل فلسطين، لكنها استهدفت كسابقتيها اليهود فقط وليس البريطانيين، حيث كان لا يزال بعض الأمل في أن يغير البريطانيون مواقفهم. ولكن الفلسطينيين أدركوا تماماً بعد هذه الثورة أن المشروع الصهيوني تحميه الحراب البريطانية، وأن صراعهم يجب أن يوجه بالدرجة الأولى ضد بريطانيا نفسها.
وقد اتخذت هذه الثورة بُعداً إسلامياً واضحاً من خلال سعي المسلمين للدفاع عن حرمة المسجد الأقصى وحقهم في حائط البراق. كما ثبت بعد ذلك أن الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى) كان وراء التخطيط والإعداد السري لهذه الثورة.[36]
ثورة الكف الأخضر: 1929 ـ 1930
كانت الكف الأخضر هي أولى المجموعات الثورية ظهوراً بعد ثورة البراق. وقد تركز نشاطها في شمال فلسطين وخصوصاً في قضاءي صفد وعكا. وبدأت هذه المجموعة بـ 27 رجلاً من الثوار الذين شاركوا في ثورة البراق، والذين هربوا من قبضة السلطات الأمنية. وقد انضم إليهم عشرات آخرين ليصل عددهم إلى نحو ثمانين رجلاً، وقد لاقوا تعاطفا واسعا من السكان. وقامت هذه المجموعة بهجمات على اليهود وضد الشرطة، ونشطت خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 1929. وقد تولى قيادتها أحمد طافش.

وقد قامت السلطات البريطانية بعمليات مسح شاملة، وبتسيير الدوريات الراجلة، وتفتيش القرى، وقام الطيران البريطاني بالمساعدة في عمليات المسح الجوي. كما تم التعاون مع السلطات الفرنسية وقوات حدود شرق الأردن في عمليات الملاحقة، التي استمرت بشكل مكثف طوال شهري يناير وفبراير 1935. وتمكنت من القبض على أحمد طافش في شرق الأردن في 27 يناير 1930.

ولم تستطع هذه المجموعة الثورية من الاستمرار بسبب ما تعرضت له من حملات، ولأن الزعامات السياسية الفلسطينية لم تتبن أسلوبها في العمل، ولم تدعمها، ولم تتعاون معها.[37]
انتفاضة أكتوبر 1933:
أخذت الهجرة اليهودية تتزايد بشكل خطير منذ مطلع الثلاثينيات، ونشطت الحركة السياسية الفلسطينية، وتزايد الوعي بأن بريطانيا هي "أصل الداء وسبب البلاء"، حيث تأكد للفلسطينيين أن مشكلتهم هي أساساً مع بريطانيا، وركَّزت على ذلك حملات حزب الاستقلال وجمعيات الشبان المسلمين. وطالبت اللجنة التنفيذية العربية-التي تمثل العرب الفلسطينيين سياسياً - بوقف الهجرة، وهدّدت بتبني سياسة اللاتعاون مع السلطات. وعندما رفضت السلطات البريطانية الطلب، قررت اللجنة تصعيد الموقف بتسيير المظاهرات دون إذن السلطات. وقررت الإضراب العام في فلسطين يوم 13 أكتوبر 1933، وإقامة مظاهرة كبرى في القدس، بحيث تتوالى بعد ذلك المظاهرات في مدن وقرى فلسطين، وتُضرب البلاد في كل مرة تحدث فيها المظاهرات. وألزمت اللجنة التنفيذية أعضاءها بتقدم المسيرات، وأصدرت بياناً أكدت فيه أن"عرب فلسطين قد يئسوا يأسا تاماً من الحكومة، فهم لا يخاطبونها في شيء، ولا يطلبون منها شيئاً".[38]
وفي يوم 13 أكتوبر أضربت فلسطين وخرجت مظاهرة كبيرة من المسجد الأقصى بقيادة اللجنة التنفيذية، وقامت الشرطة بتفريق المتظاهرين بالقوة مما أدى إلى وقوع 11 جريحاً بينهم خمسة من الشرطة.[39]
وفي يوم 27 أكتوبر عمّ الإضراب فلسطين، وخرجت مظاهرة كبيرة في يافا بعد صلاة الجمعة بقيادة اللجنة التنفيذية، وحاولت الشرطة تفريق المتظاهرين، إلا أن الأمر تحوّل إلى مواجهاتٍ عنيفةٍ، أدّت - حسب المصادر البريطانية - إلى مقتل 14 عربياً بالرصاص وجرح العشرات. بينما ذكر بيان اللجنة التنفيذية أن ثلاثين قد قتلوا وجرح مائتين. واعتقلت السلطات 12 من القادة الفلسطينيين، بينهم ثلاث أعضاء في اللجنة التنفيذية، وأصيب موسى كاظم الحسيني -رئيس اللجنة- بكدمات، وذُكر أنه تُوفي متأثراً بهذه الإصابة في مارس 1934.[40]
وقد أحدثت "مجزرة يافا" ردود فعل غاضبة، فقامت مظاهرات عنيفة في مدن فلسطين، واستمر الإضراب العام أسبوعاً كاملاً. وحدثت مواجهات مع الشرطة في حيفا ونابلس والقدس. وحسب الإحصاءات العربية فقد استشهد في القدس ويافا وحدهما 35 وجرح 255.[41] أما المصادر البريطانية فأشارت إلى استشهاد ما مجموعه 26 عربياً وجرح 187 آخرين، بينما قتل شرطي واحد.[42]
وكان من الواضح أن مشاعر العداء ضد بريطانيا قد وصلت حداً كبيراً، وكانت هذه أولى المواجهات العامة الموجهة مباشرة ضد بريطانيا وسياستها. وقد حاول المندوب "السامي" البريطاني تهدئة الوضع قُبيل أحداث يافا عندما اجتمع باللجنة التنفيذية في 25 أكتوبر، لكن أحد أعضائها نقل له طلب كثير من الناس أن يخبروه أنه "ليس لدينا ما نخسره، لقد فقدنا الثقة بالحكومة، لقد فقدنا أرضنا، فقدنا كل شيء، ولن نبالي بما سيحدث لنا".[43]




عبد القادر الحسيني الشيخ عز الدين القسام


الحاج أمين الحسيني


استشهاد الشيخ عز الدين القسام: نوفمبر 1935
نتحدث في مكان آخر من هذا الكتاب عن جماعة القسام"الجهادية" ودورها، غير أننا نكتفي هنا بالتركيز على إعلان الشيخ القسام الثورة في فلسطين. فبعد نحو عشر سنوات من التنظيم والإعداد السري الجهادي، قرر الشيخ القسام إعلان الثورة في نوفمبر 1935. وقد توافق ذلك مع الازدياد الهائل في الهجرة اليهودية والاستيطان، وتهريب اليهود للسلاح بكميات ضخمة، فضلاً عن ازدياد الرقابة على القسام ورفاقه. وتلخصت خطة القسام في الخروج إلى القرى، وحضّ الناس على شراء السلاح، والاستعداد للثورة. وقد خرج القسام مجاهداً في الجبال في شمال فلسطين مع نفر من أصحابه، بعد أن باع بيته، وبعد أن باع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم، ليشتروا بها البنادق والرصاص.
وقد فقد القسام وإخوانه عنصر المباغتة عندما كُشف أمرهم ومكانهم قبل أوانه، حيث كانوا يخططون للهجوم على إحدى المستعمرات اليهودية "بيت ألفا". وبعد فجر يوم20نوفمبر1935، طَوّقت قوات كبيرة من الشرطة تقدر ب400 رجل - مُعظمُهم من الإنجليز - القسامَ وعشرةً من إخوانه، في أحراش بلدة يعبد، واستمرت المعركة أربع ساعات ونصف. وحسب المصادر العربية فإن البريطانيين خسروا 15 رجلاً، لكن التقارير البريطانية تشير إلى مقتل شرطي واحد وجرح آخر. وقد استشهد في هذه المعركة الشيخ القسام نفسه واثنان من رفاقه، كما قُبض على ستة آخرين.[44]
ولا تنبع أهمية الحادثة من الاشتباك نفسه أو من عدد القتلى والجرحى، وإنما من أن استشهاد القسام قدم نموذجاً عملياً في التضحية والفداء لأحد كبار العلماء في فلسطين. وكان استشهاده علامة فارقة في تاريخ فلسطين الحديث، وأحدث تَغيّراً أساسياً في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية. إذ أنه كرس البديل الجهادي بعد سنوات من العمل السياسي غير المجدي. وألهبت حركته وتضحيته الحماس "وصارت مثلاً رائعاً للجرأة والجهاد العلني ضد الإنجليز"،[45] "وقامت البلد وقعدت، واهتزت أيما اهتزاز، وزُلزلت أيما زلزال".[46] وأطلق شعب فلسطين على القسام لقب "أبو الوطنية".[47] وكان القسام محقاً قبل استشهاده، عندما قال قبل ابتداء المعركة أنه وإخوانه عبارة عن عود ثقاب "كبريت" سيشعل الثورة في البلاد. فاستشهاد القسام لم يكن نهاية حركته، بل بداية الثورة.[48] وقد شارك في جنازة القسام ثلاثون ألفا من مختلف أرجاء فلسطين، وبلغ حماس الجماهير مداه وترددت صيحاتها بالانتقام.[49]
الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939:
تعد هذه الثورة من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين في القرن العشرين وقد عبّرت عن روح التضحية والفداء والمصابرة والإصرار على الحقوق التي تميز بها أبناء فلسطين. وتمكنت هذه الثورة في بعض مراحلها من السيطرة على كل الريف الفلسطيني، بل والسيطرة على عدد من المدن، بينما انكفأت السلطات البريطانية في بعض المدن المهمة. وقدّمت هذه الثورة نموذجاً عالمياً هو أطول إضراب يقوم به شعب كامل عبر التاريخ حيث استمر 178 يوما. وربما لو كان الأمر مقتصرا على الصراع بين شعب فلسطين وبين الاستعمار البريطاني لنالت فلسطين حريتها واستقلالها منذ تلك الثورة، إذا ما قارنا هذه الثورة بثورات الشعوب التي نالت استقلالها. ولكن وجود العامل اليهودي-الصهيوني وتأثيره القوي داخل فلسطين وفي بريطانيا والدول الكبرى جعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، وفرض أن تتسع دائرة مشروع التحرير إلى الدائرة العربية والإسلامية.

وتنقسم الثورة إلى مرحلتين، كانت بينهما مرحلة توقف أشبه "بالهدنة المسلحة" المشوبة بالتوتر.

المرحلة الأولى من الثورة: أبريل - أكتوبر 1936
لم تُلق جماعة "الجهادية" (القساميون) السلاح بعد استشهاد قائدها، فقامت باختيار قائد جديد هو الشيخ فرحان السعدي - على الرغم من كونه في الخامسة والسبعين من عمره - إلا أنه كان لا يزال مقاتلاً صلباً نشطاً مشهوراً بدقته في إصابة الهدف. وقد عملت هذه الجماعة على تهيئة الظروف لانطلاقة أقوى وأوسع.

وقد تفجّرت الشرارة الأولى للثورة الكبرى في فلسطين يوم 15 أبريل 1936، عندما قامت مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي بقتل اثنين من اليهود وجرح ثالث على طريق نابلس-طولكرم. وقد ردّ اليهود باغتيال اثنين من العرب في اليوم التالي، ثم حدثت صدامات واسعة بين العرب واليهود في منطقة يافا يوم 19أبريل أدت إلى مقتل تسعة يهود وجرح 45 آخرين،وقتل من العرب اثنان وجرح 28.[50] وساد البلاد جو شديد من التوتر، أعلنت الحكومة على إثره منع التجول في يافا وتل أبيب كما أعلنت حالة الطوارئ في كل فلسطين.[51]
وفي 20 أبريل شُكِّلت في نابلس لجنة قومية غير حزبية، كان وقودها الدافع مجموعة من الشبان المثقفين في مقدمتهم أكرم زعيتر. وقد دعت اللجنة إلى الإضراب العام في فلسطين، على أن يستمر إلى أن تعلن الحكومة البريطانية استجابتها للمطالب الوطنية.[52] وقد لقي الإضراب استجابة واسعة، وتشكلت لجان قومية في أنحاء فلسطين لتأمين الإضراب وإنجاحه، وتجاوبت الأحزاب العربية الفلسطينية مع الإضراب وأيدته. ثم ما لبثت-تحت الضغط الشعبي- أن وحدت القيادة الفلسطينية بتشكيل "اللجنة العربية العليا" في 25 أبريل والتي وافق الحاج أمين الحسيني على رئاستها. وهكذا نزل الحاج أمين لأول مرة منذ 16 عاما إلى ميدان المعارضة المكشوفة للسلطات البريطانية. وقد قررت اللجنة العليا الاستمرار في الإضراب، وأكدت على مطالب الشعب الفلسطيني المعروفة بإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود، وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.[53]

وهكذا، دخلت فلسطين في إضراب شامل استمر ستة أشهر، وأصيبت فيه مظاهر العمل والنشاط التجاري والصناعي والتعليمي والزراعي والمواصلات في جميع المدن والقرى بالشلل.[54] وقد زاد من حدة الإضراب تبنّي الفلسطينيين سياسة "العصيان المدني" بتنفيذ الامتناع عن دفع الضرائب اعتباراً من 15 مايو.[55] وأخذ الوضع الفلسطيني يأخذ شكل الثورة الشاملة مع مرور الوقت، فأخذت العمليات الثورية المسلحة التي بدأت محدودة متفرقة-في الانتشار والتوسع حتى عمت معظم أرجاء فلسطين، وبلغ معدلها خمسين عملية يومياً،[56] وزاد الثوار حتى بلغوا حوالي خمسة آلاف،[57] معظمهم من الفلاحين الذين يعودون إلى قراهم بعد القيام بمساعدة الثوار الذين تفرغوا تماماً. وبعد جهود سرية قام بها الحاج أمين ورفاقه، حدث تطور نوعي في الثورة، وذلك بقدوم تعزيزات من الثوار العرب من العراق وسوريا وشرق الأردن بلغت حوالي 250 رجلاً. وكان على رأسها القائد العسكري المعروف فوزي القاوقجي الذي وصل في 22 أغسطس وتولى بنفسه القيادة العامة للثورة، ونظم الشؤون الإدارية والمخابرات، وأقام محكمة للثورة، وأسس غرفة للعمليات العسكرية.[58] وقد اعترفت القيادة العسكرية البريطانية في تلك المدة بتحسن تكتيكات الثوار، مشيرة إلى أنهم أظهروا علامات على فعالية القيادة والتنظيم.[59]

ولم تنفع الوسائل السياسية والعسكرية البريطانية في إيقاف الإضراب والثورة، بما في ذلك إعلان بريطانيا في 18 مايو إرسال لجنة ملكية "لجنة بيل" للتحقيق في أسباب "الاضطرابات"، ورفع التوصيات لإزالة أي"ظلامات مشروعة"، ومنع تكرارها.[60] ولم تتوقف المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى والإضراب إلا في 12 أكتوبر 1936 إثر نداء وجهه زعماء السعودية والعراق وشرق الأردن واليمن لأهل فلسطين بـ"الإخلاد إلى السكينة حقناً للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثِقُوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم".[61]
بلغت عمليات المجاهدين في هذه المرحلة من الثورة حوالي أربعة آلاف. ويبدو أن السلطات البريطانية تكتمت كثيرا على خسائرها وخسائر الأطراف الأخرى، لتُهوِّن من شأن الثورة، فذكرت أنه قُتل من اليهود 80 وجرح 288، وقتل من الجيش والشرطة البريطانية 35 وجرح 164، فيما قتل من العرب 193 وجرح 803. وحسب عزة دروزة فإن عدد قتلى العرب زاد عن 750 وعدد الجرحى زاد عن 1500.[62] واستدل مكتب الإحصاء الفلسطيني على "كذب البيانات الرسمية" بأنه بعد أقل من شهرين من بدء الإضراب بلغ عدد قتلى الجنود الذين دفنتهم إدارة الصحة في نابلس 162 جندياً.[63] وقد بلغت خسائر الحكومة البريطانية بسبب الإضراب 3.5 مليون جنيه استرليني عدا خسائر توقف التجارة والسياحة، وهو ما يوازي ميزانية فلسطين لسنة كاملة في ذلك الوقت.[64] وقُدّرت خسائر العرب بعدة ملايين من الجنيهات، رغم أن كل ما جاءهم من إعانات خارجية لم يصل إلى 20 ألف جنيه. وبلغ عدد المنكوبين العرب 300 ألف (ثلث الشعب الفلسطيني). بينهم 40 ألفا من مدينة يافا وحدها.[65]
مرحلة التوقف المؤقت للثورة: أكتوبر 1936 - سبتمبر 1937
دخلت فلسطين بعد توقف الإضراب في شبه هدنة مؤقتة، بانتظار نتائج توصيات اللجنة الملكية "لجنة بيل"، التي أرسلت للتحقيق في مطالب أهل فلسطين. وقد حافظ الثوار على درجة من التوتر يسهل معها انتقال البلاد إلى الوضع الثوري السابق، في حالة عدم تحقيق المطالب العربية. ولذلك، فقد استمرت عمليات المجاهدين ذات الطابع الفردي كالنسف والقنص والاغتيالات السياسية. وقد اعترفت الحكومة البريطانية بمقتل 97 شخصا بينهم 9 جنود بريطانيين، وجرح 149 بينهم 13 من الشرطة والجيش خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1937.[66]

وقد أوصت اللجنة الملكية في خلاصة تقريرها - الذي رفعته للحكومة البريطانية في 22 يونيو 1937، ونشرته الحكومة في 7 يوليو - بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، على أن تبقى الأماكن المقدسة وممر إلى يافا تحت الانتداب البريطاني، وقد اجتاحت البلاد موجة من السخط أدّت إلى تفجُّر المرحلة الثانية من الثورة.

المرحلة الثانية من الثورة: سبتمبر 1937 - سبتمبر 1939
كان حادث اغتيال أندروز Andrews حاكم لواء الجليل-على يد جماعة القسام يوم26 سبتمبر 1937 - المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.وقد عُدَّ مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، وعُدَّ إعلاناً صريحاً للثورة ضد الحكم البريطاني.[67] ويبدو أن حكومة فلسطين كانت مستعدة تماماً للقيام بإجراءات ثورية قمعية قاسية، وكان من الواضح وجود روح من التوافق بين السلطات المدنية والعسكرية لاعتماد أسلوب الشدة والقوة لسحق أي "اضطرابات" من جذورها ... ولذلك لم تتردد هذه المرة - اعتباراً من الأول من أكتوبر 1937 - من حل اللجنة العربية العليا، وإبعاد بعض أفرادها إلى جزر سيشل، وإقالة المفتي من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى،وحل اللجان القومية والقيام بحملة اعتقالات واسعة.[68]
وكان متوقعاً بالنسبة لمؤيدي سياسة "القبضة الحديدية" الذين انتقدوا بمرارة "عجز" السلطات المدنية في ثورة1936، أن يؤدي أسلوب السلطة الجديد إلى سحق الثورة في مهدها. ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما، فقد تفجرت ثورة كبرى استمرت أربعة أضعاف تلك المدة التي عاشتها المرحلة الأولى من الثورة ...،ولم تتوقف هذه الثورة إلاّ بعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية في أواخر سنة 1939.

ففي يوم فرار الحاج أمين الحسيني إلى لبنان في 14 أكتوبر استؤنفت العمليات الجهادية بشكل واسع.[69] ورغم محاولات الجيش سحق هذه الثورة بكل الوسائل، إلا أنها استطاعت الاستمرار والانتشار، وعاشت فلسطين جواً من الثورة الوطنية العارمة التي حظيت بدعم شعبي هائل. وفي صيف 1938 وصلت الثورة إلى قمة نفوذها، وخضعت لهيمنتها مناطق واسعة، خصوصا شمال فلسطين ووسطها، وتحطمت الإدارة المدنية في معظم مناطق فلسطين. واقتحم الثوار العديد من المدن المهمة، وكانوا يسيرون وهم مسلحون تماماً في شوارع نابلس دون خوف، وأظهر الثوار قدرة جيدة على التنظيم وفعالية في "حرب العصابات"، وشكلوا محاكم للفصل في القضايا، وعاقبوا بحسم السماسرة والجواسيس والعملاء.[70] وأصبح قادة الثوار بمثابة الحكام الإداريين في مناطقهم ... وعندما كان يَحلُّ القائد في قرية كانت تزدحم بأهل القرى المجاورة ووفود المدن القريبة"وتقام فيها الولائم والحفلات، وتنشد الأهازيج، وترسل الزغاريد، كأن الناس في عرس أو عيد، غير مبالين ولا متحسبين، كأنه لم يكن للحكومة وجود.[71] وزادت أعداد الثوار حتى بلغت حوالي عشرة آلاف، غير أن عدد المتفرغين منهم تماماً للثورة لم يكن يزيد على ثلاثة آلاف، وكان هناك ألف يعملون في المدن، والباقي من الفلاحين الذين يقومون بنجدة إخوانهم في المعارك عندما تستدعي الحاجة.[72] وبلغ من شدة الثورة أن وزير المستعمرات عدَّ فلسطين "أصعب بلد في العالم"،[73] ووصف مهمة المندوب السامي والقائد العام للقوات البريطانية بأنها "أشق مهمة واجهت السلطات البريطانية في أية بلاد أخرى بعد الحرب العظمى".[74]

وشُكّلت في سوريا ولبنان "لجنة الجهاد المركزية" تحت إشراف وتوجيه الحاج أمين، وتولى إدارتها الفعلية في دمشق محمد عزة دروزة، وقد اهتمت اللجنة بتوجيه الثورة وإمدادها وإسعاف منكوبيها.[75] أما قيادة الثورة في فلسطين فقد تولاها الفلسطينيون أنفسهم، وأبدى العديد من قادتهم مهارة كبيرة، غير أن قادة الثورة لم يتوحدوا جميعا تحت قائد واحد، بسبب وجود شيء من التكافؤ جعل من الصعب قيادة أحدهم للجميع. لكن جماعة القسام استطاعت أن توحد تحت قيادة أبي إبراهيم الكبير -وبمساعدة عدد من إخوانه أعضاء الجماعة كيوسف أبو درة ومحمد الصالح وأبو إبراهيم الصغير وسليمان عبد القادر - مناطق شمال فلسطين وقسماً من مناطق نابلس وقسماً من منطقة القدس الشمالية، وهي من أكثر المناطق التي تركزت فيها الثورة. وبرز من القادة أيضا عبد الرحيم الحاج محمد في منطقة طولكرم الشرقية، وكان يعرف في بعض مراحل الثورة بالقائد العام، كما برز عارف عبد الرزاق في منطقة طولكرم الغربية، وتولى حسن سلامة قيادة منطقة اللد، وتولى عيسى البطاط قيادة منطقة الخليل، كما تولى عبد القادر الحسيني قيادة منطقة القدس.[76]

وقد اتخذت هذه الثورة طابعاً إسلامياً جهادياً عاماً من خلال الدور العظيم لجماعة القسام في شمال فلسطين ووسطها، وحركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني في مناطق القدس والخليل، ومن خلال القيادة السياسية لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني للحركة الوطنية الفلسطينية، وكذلك عبد الرحيم الحاج محمد المشهور بتدينه والتزامه ... وغيرهم، وفي التعميم على محاكم المجاهدين بالحكم بكتاب الله وسنة رسوله.[77]
وكانت أحلك الأيام التي واجهت السلطات البريطانية ومخابراتها هي صيف 1938، إذ قُضي على الجواسيس في معظم المناطق، ولم تجد السلطات ما تفرق به بين الثوار في المدن عن غيرهم سوى اعتبار كل لابس للكوفية والعقال ثائرا، (وكان هذا غطاء الرأس المعتاد للفلاحين) فتقوم السلطات بملاحقته. ولذلك أصدر الثوار أمراً في أغسطس 1939 لأهل المدن الفلسطينية بنـزع الطربوش (غطاء الرأس في المدن)، ولبس الكوفية والعقال، وذلك إعلاناً للتضامن التام مع الثوار ورمزا لكون الجميع ثواراً. وما أن صدر الأمر حتى سارع أهل فلسطين إلى الاستجابة فزال الفارق الظاهري بين الثوار وغيرهم، وزال الطربوش نهائياً، مما أدهش السلطات، التي فوجئت أن شعبا بكامله ينـزع لباس رأسه، الذي هو من تقاليده الموروثة.[78]

وقد اضطرت السلطات البريطانية إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة يقودها أفضل قادة بريطانيا العسكريين أمثال ديل Dill، وويفل Wavell، وهنينج Haining، ومونتجمري Montgomery. وقامت عملياً بإعادة احتلال فلسطين قرية قرية، مستخدمة كافة وسائل البطش والدمار والعقوبات الجماعية، ومستعينة بكافة الوسائل الحديثة لجيش من أقوى جيوش العالم من طيران ودبابات ومدافع وغيرها. واستمرت الحملة عنيفة قاسية خصوصاً من شهر أكتوبر 38 وحتى شهر أبريل 1939. وخلال عام واحد (نوفمبر 1938 - نوفمبر 1939). كانت القوات البريطانية قد قامت باحتلال 2088 قرية وتفتيشها.[79] أي أن كل قرية في فلسطين احتلت وفتشت بما معدله مرتين، لأن مجموع قرى فلسطين يبلغ حوالي ألف قرية. ولذلك فقد عانت الثورة من حالة من التراجع والضعف خصوصا منذ أبريل 1939. حيث فقدت الكثير من زخمها، واستشهد الكثير من قادتها بينما اضطر آخرون للانسحاب. غير أن جذوة الثورة استمرت بالانطفاء التدريجي حتى أواخر سنة 1939.

وحسب الإحصائيات البريطانية فإن مجموع العمليات التي قام بها الثوار خلال فترة 1936-1939 كانت كما يلي:[80]
1939 1938 1937 1936 السنة
952 4969 598 4076 مجموع العمليات

ولا يظهر أنه توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول الإصابات في المرحلة الثانية من الثورة لكن تقدير أحد القادة السياسيين المؤرخين المعايشين لتلك الأحداث، وهو محمد عزة دروزة، وكان يتولى إدارة اللجنة المركزية للجهاد في أثناء الثورة،يذكر أن إصابات اليهود كانت نحو 1500 ربعهم إن لم يكن ثلثهم من القتلى، وهو قريب من الإحصائيات الرسمية اليهودية، وقَدَّر الإصابات في الجيش والشرطة البريطانية بـ1800 قتيل وجريح، بينما قَدَّر قتلى العرب بثلاثة آلاف وجرحاهم بسبعة آلاف.[81]

توقفت هذه الثورة نتيجة إعادة احتلال بريطانيا "العظمى" لفلسطين، ونتيجة تنسيقها وتعاونها الميداني مع اليهود في فلسطين. وكذلك بسبب حالة الإنهاك والإعياء والانهيار الاقتصادي التي أصابت شعب فلسطين طيلة ثلاث سنوات ونصف، دون أن يجد عوناً جاداً من بلاد العرب والمسلمين، التي كانت هي الأخرى ترزح تحت النفوذ الاستعماري. وبسبب استشهاد كثير من قادة الثورة، ثم بسبب الخلافات الداخلية الفلسطينية الحزبية والعائلية التي ظهرت أواخر مراحل الثورة، واستثمرتها بريطانيا بشكل يسئ إلى الثورة ويضعفها.

على أن هذه الثورة أجبرت بريطانيا على إصدار كتابها الأبيض[82] في مايو 1939 الذي وعدت فيه باستقلال فلسطين خلال عشر سنوات، وبإيقاف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات، ووضع قيود مشددة على انتقال الأراضي لليهود، وقد كان ذلك أحد العوامل التي أسهمت في تهدئة الثورة.

الحرب العربية الإسرائيلية
حرب 1948:
تمثل هذه الحرب أحد أكبر مآسي التاريخ الفلسطيني والعربي والإسلامي الحديث والمعاصر، إذ إنها الحرب التي أدت إلى سقوط 77% من أرض فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني وإنشاء كيانه"الإسرائيلي" عليها، وتشريد نحو ثلثي شعب فلسطين.

ولا تستطيع بضعة وريقات أن تغطي أحداث هذه الحرب - المأساة التي كتب حولها الكثير من الكتب والدراسات،لكننا نأمل أن نقدم صورة عامة تتوافق مع منهجنا في كتابة هذا الكتاب، والذي يميل إلى التركيز والاختصار ووضع اليد على المفاصل الهامة للأحداث.

كانت هذه الحرب نتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطاني الانسحاب من فلسطين وإيكال الأمر إلى الأمم المتحدة، التي أصدرت تحت ضغط القوتين العظميين آنذاك (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) قرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية (45%) ويهودية (54%) ومنطقة دولية (1%).

ولا يمكن فهم تطورات الحرب ونتائجها إلا بتصور أوضاع القوى المختلفة ذات العلاقة، وفيما يلي أبرز ملامحها:

فلسطينياً:
- خرج شعب فلسطين منهكاً من ثورته الكبرى ضد بريطانيا، وعانى من الحكم العسكري الصارم طيلة الحرب العالمية الثانية 1939- 1945.
- افتقد شعب فلسطين القيادة السياسية والعسكرية المحلية الميدانية المتماسكة، ذات القدرة الفاعلة على الحشد والتعبئة والتنظيم.
- افتقد شعب فلسطين البناء المؤسسي العسكري والاقتصادي القادر على مواجهة الأحداث، لأسباب متعددة أهمها، سياسات الاستعمار البريطاني.
- عانت القيادة السياسية من مشاكل جمة داخل فلسطين وخارجها، فالعديد من القادة لم يكن قادراً على دخول فلسطين كالحاج أمين نفسه زعيم فلسطين، الذي كانت له مشاكله أيضاً مع بلاد كالأردن والعراق، واللتان سعتا لتجاوزه وتهميش دوره، كما لم يكن حراً في حركته داخل مصر نفسها.
- كان قرار الدول العربية هو تولي أمر تحرير فلسطين بنفسها، وإلزام الفلسطينيين بما يرتأونه، وفق قرارات الجامعة العربية وقادة هذه الدول. ولذلك خرج القرار السياسي والعسكري عملياً من أيدي الفلسطينيين.
- عانى الفلسطينيون من ضعف مُريعٍ في التسليح، فضلاً عن الضعف الشديد في الإمكانات الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في شراء الأسلحة، وفضلا عن حظر الدول الكبرى وصول هذه الأسلحة إليهم، فإن الدعم العربي كان هزيلاً جداً. وعلى الرغم من أن المقرر لأبناء فلسطين كان قليلاً، إلا أن الحكومات العربية لم تعطهم منه سوى رُبعِهِ، وكان الكثير من هذا الربع غير صالح للاستعمال!![83] وقد زاد الأمر مأساوية أن بعض الجيوش العربية قامت بنـزع أسلحة الفلسطينيين ـ بدل تسليحهم ـ بحجة المحافظة على الأمن والنظام.[84]
عربياً:
- كانت البلاد العربية إما مستقلة حديثاً، ولم يشتد عودها بعد، أو لا تزال تحت بعض أشكال النفوذ الاستعماري، بحيث لم تكن كاملة الحرية في قرارها السياسي.
- كانت الجيوش العربية قليلة الخبرة، لم تخض حرباً حقيقية قبل ذلك، وكان معظم ضباط أحدها (45 من أصل 50) من البريطانيين.[85] كما لم تكن تملك معلومات كافية من فلسطين، بل إن بعضها جاء للحرب دون خرائط كالجيش العراقي، وكانت معلوماتها ضعيفة، إن لم تكن منعدمة، عن القوات الصهيونية وإمكاناتها.
- رغم أن الدول العربية قررت تولي زمام الأمر بنفسها، إلا أنها لم تحشد ولم تعبِّئ كافة طاقاتها للمعركة، وتعامل البعض معها وكأنها نزهة عسكرية، مهونين تماماً من شأن القوات اليهودية التي أساءوا تقديرها. ولم تكن المعركة بالنسبة لها معركة مصير بقدر ما كانت مساعدة بلد شقيق.
- عانت الجيوش العربية من ضعف التنسيق الميداني، وعدم وجود قيادة عسكرية مشتركة ذات صلاحيات حقيقية.
- أصدر قائد الجيش الأردني (الجنرال البريطاني جلوب) أوامر مشددة لجيشه بعدم تجاوز خطوط التقسيم التي فرضتها الأمم المتحدة، أي أنه أراد أن يثبت قرار التقسيم بدلاً من تحرير فلسطين.
- نجح اليهود إلى حد ما في زرع بذور الشك بين الفلسطينيين وبعض قادة الجيوش العربية، إذ إن اليهود العرب لبسوا ملابس الفلسطينيين ليوهموا الجيوش أن الفلسطينيين ضدهم، فقام هؤلاء بنـزع أسلحة الفلسطينيين وتحييدهم، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء بعض الترتيبات الأمنية لمواجهة الأمر بطريقة أفضل.
- كان تسليح الجيوش العربية ضعيفاً مقارنة باليهود. خصوصا بعد حظر الدول الكبرى تصدير الأسلحة إليهم في أثناء الحرب.[86]
صهيونياً - يهودياً:
- تمكن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:33 am

صهيونياً - يهودياً:
- تمكن المشروع الصهيوني من بناء مؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية والاجتماعية وتنميتها طيلة فترة الاحتلال البريطاني.
- كانت القيادة الصهيونية حاضرة بشكل فاعل وميداني، وتتمتع بقدرات قيادية وتنظيمية وتعبوية عالية.
- استفادت القيادة الصهيونية من دعم الدول الكبرى السياسي والاقتصادي والعسكري، واستثمرت بفاعلية انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية،كما استخدمت معاناة اليهود في الحرب كقضية رابحة للحصول على الدعم بإنشاء الدولة.
- أمكن لليهود تعبئة جيش قوي مدرب متماسك حسن التسليح من 60 -70 ألف جندي منذ بداية الحرب. واستفادوا من خبرة الفرقة اليهودية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية والمكونة من 26 ألف جندي.[87]
- كانت المعركة بالنسبة لليهود معركة حياة أو موت، ولذلك تم تعبئة كافة الطاقات الممكنة للمعركة في فلسطين، ومن خلفها يهود العالم ودوائر نفوذهم.
- كانت أوضاع اليهود الاقتصادية،وعلاقاتهم السياسية تُمكّنهم من شراء حاجاتهم من الأسلحة المتطورة. فقد اشتروا من الإنجليز قبل خروجهم من فلسطين 24 طائرة وأَلْفَ سيارة نقل كبيرة. كما اشتروا كميات ضخمة من الأسلحة التشيكية (بإذن وتوجيه من الاتحاد السوفيتي) منها 40 طائرة مقاتلة. كما اشتروا ثلاث طائرات قاذفة من الولايات المتحدة من نوع ب - 17.[88]

دولياً:
- بعد ثلاثين عاماً من الاحتلال البريطاني، نجحت بريطانيا في تنمية المشروع الصهيوني ورعايته،في الوقت الذي سحقت فيه شعب فلسطين وأضعفته، ومنعت نمو مؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية واستقرارها.
- حظي الكيان الصهيوني بدعم القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي). وتم تجهيز الظروف الدولية بشكل يضمن التفوق الصهيوني وقيام دولته.
- استخدمت بريطانيا نفوذها على الدول العربية، وخصوصاً في مصر والأردن والعراق، ومارست ضغوطها بشكل كبير بحيث لا يتجاوز دور جيوش هذه البلدان الخطوط الحمراء للسياسة البريطانية، كما ضغطت ضد قدوم المجاهدين والمتطوعين العرب إلى فلسطين، وخصوصا الإخوان المسلمين من مصر.
- تم تنفيذ قرار حظر بيع السلاح على الجانب العربي دون الجانب اليهودي.

أما ميزان القوة العسكرية العددية فقد ظل طوال الحرب لصالح الكيان الصهيوني، الذي كان أكثر عدداً وأفضل انضباطاً وتدريباً وتسليحاً من مجموع الجيوش العربية والمتطوعين. ورغم أن هناك تقديرات متفاوتة ومختلفة في المصادر حول الأعداد، إلا أننا يمكن أن نوجز تطورها بالشكل التالي (بناء على دراسة د. هيثم الكيلاني):[89]

القوات اليهودية بالألف القوات العربية بالألف
60 12 مرحلة ما قبل دخول الجيوش العربية (ديسمبر 47- مايو 1948)
67 21 المرحلة الأولى من القتال (عند دخول الجيوش العربية)
106 40 المرحلة الثانية من القتال (عند نهايات الحرب)

أما القوات العربية النظامية فكانت تتكون من جيوش سبعة دول. وحسب تقرير مؤرخ هذه "النكبة" عارف العارف، فقد بلغ عدد الجيش المصري في البداية 6000، والجيش السوري 1500، والجيش العراقي 1500، والجيش الأردني 4500، والجيش السعودي 1500، والجيش اللبناني 1000.[90] وزاد عدد الجيش المصري بعد ذلك إلى 20 ألف، كما تضاعفت مرة أخرى-على ما يبدو- أعداد الجيوش السورية والعراقية والأردنية فيما بعد.أما اليمنيون فكانت مشاركتهم رمزية.

أما القوات العربية غير النظامية فكانت تتكون أساسا من:
ـ جيش الجهاد المقدس: وهو الجيش الذي شكلته القيادة السياسية الفلسطينية "الهيئة العربية العليا لفلسطين" بقيادة عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل في 8 أبريل1948. وكان أساساً جيشاً فلسطينياً من 5 - 7 آلاف مقاتل، تسانده فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم،والذين يستدعون عند الحاجة، وكان مجموعهم نحو عشرة آلاف.[91]

وقد كان هذا الجيش ضعيف التسليح والتدريب، وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع"الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي يتم التبرع بها إلى هذا الجيش، الذي كان بأمس الحاجة إليها. ولقد صرخ عبد القادر الحسيني قبل استشهاده بيومين في وجه رئيس اللجنة العسكرية العربية الذي رفض التعاون معه وتزويده بالسلاح "أنتم خائنون، أنتم مجرمون، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"[92] وهانحن كُتَّاب التاريخ نحفظ شهادته للتاريخ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد توزع هذه الجيش في كثير من مدن وقرى فلسطين، وقام بالكثير من العمليات البطولية الناجحة، لكن إمكاناته المحدودة حرمته من الدور الذي يمكن أن يقوم به،كما أن تداخل قيادات المناطق بينه وبين جيش الإنقاذ، ووجود قائدين يعملان بشكل مستقل في منطقة واحدة كان له عواقب وخيمة.[93]

ـ جيش الإنقاذ: تأسس هذا الجيش بقرار من الجامعة العربية، وقوامه متطوعين من مختلف البلدان العربية. وبلغ عدد الذين تقدموا للتطوع فيه حوالي عشرة آلاف، أما الذين دخلوا فلسطين فعليا ضمن تشكيلاته فكانوا حوالي 4630 مقاتلا.وقد تولى القيادة الميدانية لهذا الجيش فوزي القاوقجي. وقد تركز عمله في شمال فلسطين ووسطها، وقد شارك في هذا الجيش أخلاط من الناس من عسكريين محترفين ومتطوعين غير متدربين، ومن رجال دفعهم الإيمان والوطنية للتضحية، ومن آخرين كانوا للأسف من المتبطلين والمتكسبين وأصحاب السوابق ممن أساءوا إلى هذا الجيش، وإلى أهل فلسطين عندما قاموا بنهب وسرقة العديد من القرى والمدن التي جاءوا للدفاع عنها، كما حدث في يافا. وعانت قيادة هذا الجيش من سوء الإدارة والتسيب واللامسئولية، ووجهت أصابع اللوم والاتهام إلى القاوقجي نفسه. ومع ذلك، فإن هذا الجيش خاض كثيراً من المواجهات الضارية مع الصهاينة.[94]
ـ الإخوان المسلمون: مثلت مشاركة الإخوان المسلمين في حرب فلسطين سنة 1948 أحد النماذج المتميزة للحركات والتنظيمات العربية الإسلامية التي كسرت الطوق الإقليمي، وعبرت عملياً وجهادياً عن روح الأمة الواحدة. فقد شاركت تنظيمات الإخوان في مصر وسوريا والأردن والعراق بفعالية في التعبئة الجماهيرية، وفي جمع التبرعات، وجمع السلاح والقتال في فلسطين.

وقد أفردنا مبحثاً خاصاً في نهاية هذا الفصل لدراسة النموذج الذي قدمه الإخوان المسلمون بوصفه نموذجاً إسلامياً شعبياً.

مجريات الحرب:[95]
بدأت المرحلة الأولى من الحرب منذ صدور قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947، وحتى انتهاء الانتداب البريطاني، ودخول الجيوش العربية في 15 مايو 1948. وفي هذه الفترة تحمل الفلسطينيون العبء خصوصا من خلال "الجهاد المقدس"، فضلاً عن متطوعي جيش الإنقاذ والإخوان المسلمين وغيرهم.

وقد تمكن أبناء فلسطين من الثبات وتحقيق انتصارات وإنجازات مهمة، دفعت الولايات المتحدة في شهر مارس 1948 إلى التفكير في التراجع عن تأييد قرار التقسيم، غير أنه في الوقت الذي كان اليهود يُحسِّنون أوضاعهم بالتجنيد واستيراد كميات ضخمة من الأسلحة المتنوعة والمتطورة، كانت أسلحة الفلسطينيين تتناقص وذخيرتهم تنفد. وقد أخذ الوضع بالتدهور خصوصا في شهر أبريل، وبالذات بعد استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 8 أبريل، ثم قيام العصابات الصهيونية بمجزرة دير ياسين في مساء 9 إبريل وحتى ظهر اليوم التالي، والتي أدت إلى استشهاد 253 من الرجال والأطفال والنساء، حيث أثار ذلك حالة من الذعر في أوساط الفلسطينيين. وتتابع سقوط مدن فلسطينية مهمة مع عمليات تهجير جماعي للفلسطينيين، فسقطت مدن: طبريا في 19 أبريل، وحيفا في 22 أبريل، وبيسان وصفد في 12 مايو، ويافا في 14 مايو.

وبشكل عام فقد حافظ أهل فلسطين على نحو 80- 82% من أرض فلسطين حتى لحظة دخول الجيوش العربية.

ويصعب تتبع خطوات المعارك خلال هذه الحرب لكن الجيوش العربية حققت في البداية نجاحات لا بأس بها، وتمكن الجيش المصري من السيطرة على خط: المجدل- الفالوجة - بيت جبرين - الخليل، وخط: أسدود - القسطينة، وعَزَل المستعمرات الصهيونية في النقب. وتحرك الجيش الأردني ليركز قطاعاته في وسط فلسطين في مناطق القدس ورام الله واللد والرملة على بُعد نحو 10كم من تل أبيب، بينما تركز الجيش العراقي في مناطق جنين ونابلس وطولكرم ووصل إلى مسافة 10كم شرق نتانيا. وسيطر الجيش السوري على سمخ شمال شرقي فلسطين، فيما تركز جيش الإنقاذ في مناطق الجليل الأعلى شمال فلسطين. وأصبح وضع اليهود سيئاً في جنوب فلسطين لكنه تحسن بعض الشيء في شمالها بسيطرتهم على عكا في 17 مايو 1948.

وتمكن اليهود (في أثناء فرض الهدنة الأولى (11 يونيو - 8 يوليو 1948) بقرار مجلس الأمن الدولي) من إعادة تنظيم قواتهم وتطويرها كماً وتدريباً وتسليحاً، وتسلموا 40 طائرة تشيكية وأسلحة ضخمة، بينما أُغلق باب شراء السلاح دولياً في وجه العرب. وعندما اندلعت الجولة الثانية من القتال في 9- 17 يوليو 1948، تمكن اليهود من توسيع دائرة احتلالهم فاحتلوا خلال ثلاثة أيام مدينتي اللدفي 10 يوليو، والرملة في 12يوليو، مُوسِّعين احتلالهم وسط فلسطين شرقاً بضم قرى بير معين والبرج والحديثة وبيرنبالا وقوله ومجدل يابا. كما احتل اليهود أجزاء من شمال فلسطين، فضموا خلال هذه المدة القصيرة مناطق الناصرة في 15يوليو، وشفا عمرو وكفر ياسيف،كما حسنوا مواقعهم في منطقة القدس فاحتلوا، قرية المالحة.

ثم بدأت الهدنة الثانية بقرار من مجلس الأمن في 18 يوليو، حيث استفاد منها اليهود في تحسين مواقعهم وتوسيع احتلالهم. وفي 15 أكتوبر شن اليهود حملة جديدة ركزت على الجنوب، فاستطاعوا السيطرة على التلال المحيطة بعراق المنشية، وسقطت الحليقات في أيديهم في 20 أكتوبر وبالتالي انفتح الطريق أمامهم إلى النقب، ليتصلوا بالمستعمرات اليهودية التي كانت معزولة هناك. ووجدت القوات المصرية نفسها معزولة في المجدل وأسدود فقامت في الأسبوعين التاليين بالانسحاب منهما، وبسقوط عراق السويدان في 9 نوفمبر، اكتمل طوق القوات اليهودية حول الفالوجة، حيث حوصر نحو أربعة آلاف من الجيش المصري بقيادة العميد سعيد طه (كان جمال عبد الناصر تحت إمرته ضمن المحاصرين في الفالوجة). وقد ثبتت الفالوجة في وجه الحصار والهجمات المختلفة، إلى أن انسحبت بشرف بعد عقد الهدنة مع مصر في 24 فبراير 1949. وبينما كانت هذه المعارك دائرة قام اليهود بهجوم على بئر السبع في 18 أكتوبر وتمكنوا من احتلالها في 21 أكتوبر 1948. وبذلك انفتح أمامهم الطريق إلى احتلال باقي النقب، فاحتلوا العسلوج في 15 ديسمبر. وكان يوجد في باقي أراضي النقب وحدات أردنية صغيرة تم تجاوزها بسهولة في حملة سريعة قامت بها القوات اليهودية في الفترة من 6 - 10 مارس 1949، حيث وصلت إلى موقع أم الرشرش على خليج العقبة في 10 مارس، والذي أنشأ عليه الكيان الصهيوني ما يعرف الآن بميناء ومدينة إيلات.

أما الجيب العربي الذي ثبت في أقصى شمال فلسطين فقد تم احتلاله في الفترة 29 - 31 أكتوبر 1948، وهو يضم قرى كوكب وعيلبون وسخنين والرامة وترشيحا وسعسع شمالاً باتجاه الحدود اللبنانية.

وبذلك أكملت القوات اليهودية احتلالها 77% من أراضي فلسطين (20700 كم مربع) مقيمة عليها كيانها الصهيوني"إسرائيل".

وبعد أن وقعت مصر اتفاقية الهدنة في 24 فبراير 1949، تبعتها لبنان في 23 مارس، ثم الأردن في 3 أبريل، ثم سوريا في 20 يوليو 1949.

ومن الملاحظ أن اليهود عانوا من صعوبات بالغة ووجدوا أنفسهم في أوضاع حرجة في الستة أشهر التي سبقت دخول الجيوش العربية، وفي الشهر الأول لدخول هذه الجيوش. لكنهم بعد ذلك تمكنوا من تحقيق انتصارات مهمة، وسهلة أحياناً كاحتلال باقي شمال فلسطين، واللد والرملة، واحتلال النقب الذي يشكل لوحده نحو نصف مساحة فلسطين.

لقد قاوم الفلسطينيون بضراوة وبكل ما يملكون، وهناك في كل مدينة وقرية قصص ثبات وبطولة وتضحية، وحكايات مؤلمة من انعدام السلاح أو فساده أو نفاذ الذخيرة، أو سوء إدارة المعركة من الجيوش العربية... وغيرها.

وقد ارتكب اليهود 34 مذبحة في أثناء هذه الحرب وأجبروا حوالي 800 ألف فلسطيني على الهجرة وترك ديارهم من أصل مليون و290 ألف فلسطيني عربي أي أن نحو 60% من شعب فلسطين وجد نفسه لاجئا بعد هذه الحرب.[96] وهاهم بعد 53 عاما من التهجير القسري محرومون من العودة إلى أراضيهم.

هوامش الكتاب
________________________________________

[1] انظر: الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 41-67.
[2] See: Report on the Arab Movement & Zionism, by J. Camp, 12 Aug 1919, F.O. 371/4182, Yeshoa Porath, The Emergence of the Palestine National Movement, 1918-1929 (London: Frank Cass, 1974), p. 129.
[3] انظر: كامل خلة، مرجع سابق، ص 230-232، وانظر أيضاً: تقارير حول هذه الهجمات في ملفات الخارجة البريطانية F.O. 371/5117.
[4] انظر: خليل السكاكيني، مرجع سابق، ص 193، وانظر:
Frances Newton, Fifty Years in Palestine (London: Cold Harbour Press, 1948), p. 133-135.
[5] Palin Report, p. 75, F.O. 371/5121.
[6] انظر: تقرير بيل، ص 234، وعجاج نويهض، مرجع سابق، ص 319.
[7] الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 142-144، وكامل خلّة، مرجع سابق، ص 250.
[8] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 72، وانظر أيضاً:
Disturbances in May 1921: Report of the Commission of Inquiry with Correspondence Relating There to Oct. 1921, Cmd. 1540 (London: H.M.S.O., 1921), p. 60. (Hereafter referred to as Haycraft Report).
[9] انظر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 62، وانظر:
Haycraft Report, pp. 30-33, and Report on Political Situation in Palestine for the Month of May 1921, H. Samuel to Churchil, 6 Jun. 1921, F.O. 371/6375.
[10] Haycraft Report, pp. 38-41, and Dispatch, Samuel to Churchil, 15 May 1921, AIR5/1243.
[11] Haycraft Report, pp. 5-16.
[12] Ibid, pp. 36-41.
[13] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 73-74، ووثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية 1918-1939، إعداد عبد الوهاب الكيالي، ط2 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1988)، ص 20-21.
[14] Haycraft Report, p. 60.
[15] سامي الجندي، عرب ويهود: العداء الكبير (بيروت: دار النهار للنشر، 1968)، ص 61.
[16] تقرير بيل، ص 65-66.
[17] See: The Situation Palestine, Memorandum by S. Of S. Colonies to the Cabinet, 9 Jun. 1921, Enclosing a Report by C.D. Brunton, 13 May 1921, Secret, F.O. 371/6375.
[18] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 73.
[19] كامل خلة، مرجع سابق، ص 256، وانظر:
Report on the Political Situation in Palestine for the Month of May 1921, F.O. 371/6375.
[20] انظر نص كلمة صمويل في ملف: F.O. 371/6375.
[21] Letter, Deeds to Shuckburgh, 22 Nov. 1921, C.O. 537/852.
[22] كامل خلة، مرجع سابق، ص 273.
[23] عمر أبو النصر بالاشتراك مع إبراهيم نجم وأمين عقل، جهاد فلسطين العربية: فصول تبحث في تاريخ القضية الفلسطينية وما طرأ عليها من تطور وتحول منذ النضال العربي الأول وحتى الثورة الحاضرة (يافا (فلسطين): دون ناشر، 1936)، ص 260، وإحسان النمر، قضية فلسطين في دورها البلدي (نابلس (فلسطين): جمعية عمال المطابع التعاونية، دون تاريخ)، ص 112، وانظر أيضاً: P.D., Commons, Vol. 171, Col. 1796.
[24] كامل خلة، مرجع سابق، ص 399-404، وانظر:
P.D., Commons, Vol. 182, Col. 1804, and Vol. 183, Col. 564.
[25] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص 119-126، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 20-21، وعيسى السفري، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، ط2 (القدس: منشورات صلاح الدين، 1981)، ج1، ص 122.
[26] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص 141-141، والكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 202، وأميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 115.
[27] Report of the Commission on the Palestine Disturbances of Aug. 1929, March 1930, Cnd. 5350 (London: H.M.S.O., 1930), p. 64 (Hereafter referred to as Shaw Report).
[28] جريدة الشورى (مصر)، 18 سبتمبر 1929.
[29] Shaw Report, p. 65.
[30] انظر: كامل خلّة، مرجع سابق، ص 455، وانظر:
Shaw Report, p. 65, and Report on Palestine Riots 23 Aug. - 11 Sep. 1929, by Group Captain P.H.L. Play fair, 26 Dec. 1929, pp. 14-20, p. 29, p. 41, p. 49, AIR5/1243.
[31] Shaw Report, p. 65.
[32] تقرير بيل، ص 250.
[33] جريدة الشورى، 9 أكتوبر 1929.
[34] جريدة الشورى، 30 إبريل 1930، وانظر:
Norman Bentwich, Mandate Memories: 1918-1948 (London: The Hogarth Press, 1965), pp. 136-137.
[35] جريدة الشورى، 25 يونيو 1930، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 484-485.
[36] انظر: أميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 135-136، وإحسان النمر، مرجع سابق، ص 193، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 231، وأيضاً: Porath, The Emergence, p. 271.
[37] حول الكف الأخضر:
Report on Safad Gang, 1930, C.O. 733/190/5, & Summary of Items of Interest, Air H.Q., Palestine Command, Jan. & Feb. 1930, AIR5/1245.
[38] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص238-239، ومحمد دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 30.
[39] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 378، وانظر:
Resume of Operations for Oct. 1933, Air H.Q., 23 Nov. 1933, AIR5/1246,. & Report of the Commission Appointed by His Excellency the High Commissioner for Palestine by Notification No. 1561 Published in the Official Gazette, Extraordinary, 7 Feb. 1934. (Hereafter referred to as Murison Report).
[40] انظر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 379-381، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 31-32، وزهير المارديني، مرجع سابق، ص 79. وانظر:
Murison Report, & Tel. H.C. to S.of.S. Colonies, 27 Oct. 1933, C.O. 733/239/5.
[41] Murrison Report.
[42] الكيالي، وثائق المقاومة، ص 341-344.
[43] Note of an Interview Granted by H.C. to Members of the Arab Executive, 25 Oct. 1933, C.O. 733/239/5 Part 2.
[44] حول حركة القسام واستشهاده، انظر مثلاً: صحبي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين: 1936-1939 (القاهرة: وزارة الثقافة، مؤسسة التأليف والنشر ودار الكتاب العربي، 1967)، ومحسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 231-317، وسميح حمودة، الوعي والثورة: دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام (عمّان: دار ابن رشد، 1984).
[45] محمد عزة دروزة، العدوان الإسرائيلي القديم والعدوان الإسرائيلي الحديث على فلسطين وما جاورها (بيروت: دار الكلمة، 1980)، ج2، ص 52.
[46] محمد نمر الخطيب، من أثر النكبة (دمشق: المطبعة العمومية، 1951)، ص 88.
[47] كامل خلة، مرجع سابق، ص 594.
[48] عبد الستار قاسم، الشيخ المجاهد عز الدين القسام (بيروت: دار الأمة للنشر، 1984)، ص 106.
[49] أكرم زعيتر، الحركة الوطنية الفلسطينية: 1935-1939 "يوميات أكرم زعيتر"، ط3 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1980)، ص 32.
[50] انظر: يوميات أكرم زعيتر، ص 53-56، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 331-332، وانظر أيضاً:
Dispatch on the Disturbances in Palestine, 19 Apr. to 14 Sep. 1936, by Air Vice-Marshal R.E.C. Peirse, submitted to Air Ministry, 15 Oct. 1936, W.O. 32/4177, p. 13. Hereafter referred to as Peirse Dispatch.
[51] تقرير بيل، ص 126، ووثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 412.
[52] يوميات أكرم زعيتر، ص 60-63.
[53] نفس المرجع، ص 64-77، ووثائق المقاومة الفلسطينية العربية، ص 378-379، وانظر:
Periodical Appreciation Summary, No. 9/36, C.I.D. 6 May 1936, F.O. 371/20018.
[54] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 39-40.
[55] يوميات أكرم زعيتر، ص 99-100، وانظر: Peirse Dispatch, p. 20.
[56] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها (بيروت: المكتبة العصرية، 1959) ج1، ص 128-129.
[57] J. Marlowe, Rebellion in Palestine (London: The Cresset Press, 1946), p. 156.
[58] انظر: فلسطين في مذكرات القاوقجي: 1936-1948 (الجزء الثاني)، إعداد خيرية قاسمية (بيروت: مركز الأبحاث ودار القدس، 1975)، ص 20-22.
[59] Peirse Dispatch, p. 94.
[60] تقرير بيل، ص 7-8.
[61] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 458.
[62] انظر: يوسف رجب الرضيعي، ثورة 1936 في فلسطين: دراسة عسكرية (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1982)، ص 61، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 43.
[63] عن ثورة فلسطين سنة 1936: وصف وأخبار ووقائع ووثائق، إعداد مكتب الاستعلامات الفلسطيني بمصر (القاهرة: اللجنة الفلسطينية العربية، ديسمبر 1936)، ص 43.
[64] الرضيعي، مرجع سابق، ص 62.
[65] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 44، ومكتب الاستعلامات الفلسطيني، ص 28.
[66] يوميات أكرم زعيتر، ص 286.
[67] Yeshoua Porath, The Palestinian Arab National Movement: From Riots to Rebellion 1929-1939 (Great Britain: Frank Carr, 1977), p. 235.
[68] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 187-188.
[69] Report on the operations carried out by the British force in Palestine and Trans-Jordan in Aid of the Civil Power for 12 Sep. 1937 to 31 Mar. 1938, by R.P. Wavell sent to Under S. of S. War, 7 Apr. 1938, Secret, p.1, W.O. 32/9401, and Resume of Operations: for Oct. 1937, Air H.Q., 23 Nov. 1937, AIR 5/1247.
[70] انظر: محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 193-207، وانظر أيضاً:
Tel, H.C. to S. of S. Colonies, 25 May 1938, Secret, Most Immediate, C.O. 733/36/1, Militry Intelligence Summary, No. 19/38, 23 Sep. 1933, C.O. 733/81/9, and Dispatch, H.C. to S. of S. Colonies, 24 Oct. 1939, Secret, C.O. 935/21.
[71] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 53-54.
[72] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، ودار الكتاب العربي، دون تاريخ)، ص 75-77، وقد قدر مارلو عددهم بـ15 ألفاً. انظر: Marlowe, op. cit., p. 194.
[73] زهير المارديني، مرجع سابق، ص 284.
[74] يوميات أكرم زعيتر، ص 427.
[75] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 209.
[76] المرجع نفسه، ص 211-212.
[77] انظر حول الطابع الإسلامي للثورة في: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 354-360.
[78] يوميات أكرم زعيتر، ص 440، وجريدة الشباب، مصر، 21 سبتمبر 1938.
[79] Tel., General Officer Commander to W.O., 18 Nov. 1939, Secret, C.O. 733/404/2.
[80] انظر: الرضيعي، مرجع سابق، ص 61-62، وص 69، وص 73، وص 78.
[81] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 220.
[82] Palestine: Statement of Policy, May 1939, Cmd. 6019 (London: H.M.S.O., 1939).
[83] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 80.
[84] انظر مثلاً: شكيب الأموي، شهادة من الميدان: وثائق عن حرب فلسطين 1948 (تونس: الدار التونسية للنشر، 1980)، ص 41-47، وكامل الشريف، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين (الزرقاء (الأردن): مكتبة المنار، 1984)، ص 50-51، وص 53، وص 55.
[85] انظر: عارف العارف، مرجع سابق، ج6، ص 225.
[86] حول الوضع العربي في حرب 1948 انظر: هيثم الكيلاني، الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية الإسرائيلية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991)، ص 71-72، وص 103-153.
[87] انظر: المرجع نفسه، ص 75-76، وعرب فلسطين 1947-1948 (الرواية الإسرائيلية الرسمية)، ص 18.
[88] الكيلاني، مرجع سابق، ص 74-76، وص 82، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 88-89.
[89] الكيلاني، مرجع سابق، ص 76.
[90] عارف العارف، مرجع سابق، ج2، ص 342.
[91] الكيلاني، مرجع سابق، ص 70.
[92] صالح أبو يصير، مرجع سابق، ص 349.
[93] انظر: بيان الحوت، مرجع سابق، ص 615-616، ومحمد أمين الحسيني، حقائق عن قضية فلسطين، ط2 (القاهرة: مكتب الهيئة العربية العليا لفلسطين، 1957)، ص 91.
[94] انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 68، وكامل الشريف، مرجع سابق، ص 28، وصالح أبو يصير، مرجع سابق، ص، ومحمد محمود الصواف، معركة الإسلام أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم (لبنان: دون ناشر، 1969)، ص 158-159.
[95] حول مجريات حرب 1948، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 77-78، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 82-89، وصالح أبو يصير، مرجع سابق، ص ، وانظر:
Chaim Herzog, The Arab-Israeli Wars: War & Peace in the Middle East (New York & London: Random House, 1982), pp. 17-108.
[96] Salman Abu Sitta, Palestinian Right to Return (London: Palestinian Return Centre, 1999), p. 16 & p. 27.

يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:37 am

حرب 1956:
أحدثت حرب 1948 هزة كبيرة في الواقع العربي فتوالت الانقلابات العسكرية في سوريا، وأنهت ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 العهد الملكي في مصر، واغتيل الملك عبد الله ملك الأردن في 20 يوليو 1950، وقام الملك حسين بطرد رئيس أركان الجيش الأردني جلوب باشا وبتعريب الجيش الأردني في مارس 1956.

وقامت الدول العربية بعقد اتفاقية الدفاع المشترك في 13 أبريل 1950، أتبعتها بعدد من اتفاقات الدفاع الثنائية والثلاثية بين بعضها خلال سنتي 1955- 1956. وسعت مصر وسوريا إلى كسر الاحتكار الغربي لتصدير الأسلحة، فعقدتا كلٌّ على حدة سنة 1955 صفقات أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا.

ثم إن مصر كانت تسيطر على خليج العقبة، وزادت من فعاليتها الرقابية سنة 1955 على كل السفن التي تدخل هذا الخليج، ومنعت الملاحة "الإسرائيلية" فيه، وبذلك شلَّت الحركة التجارية لميناء "إيلات" نافذة الكيان الإسرائيلي إلى دول آسيا وشرق أفريقيا. كما فرضت مصر قيوداً - على مرور السفن في قناة السويس - من شأنها تشديد الحصار الاقتصادي على الكيان الإسرائيلي. كما نشطت العمليات الفدائية الفلسطينية عبر قطاع غزة ـ وبدعم مصري - ضد الكيان الإسرائيلي خلال الفترة 1955-1956. كل ذلك أثار مخاوف وانزعاج الكيان الإسرائيلي الذي سعى لاقتناص أي فرصة لتوجيه ضربة إلى مصر.

وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة قد عرضت على مصر قرضا مالياً لبناء السد العالي ذي الحيوية الكبرى للاقتصاد المصري. لكن رفض مصر لإقامة حلف بغداد (الذي انضمت إليه العراق وتركيا وإيران وباكستان) والذي استهدف ربط مصالح المنطقة بالقوى الغربية، ومواجهة "الخطر الشيوعي"، مع إبعاد الأنظار عن الخطر الصهيوني- الإسرائيلي الذي يربض في قلب المنطقة، أدّى إلى سحب أمريكا عرضها في 19 يوليو 1956. وحتى تقوم مصر بتوفير الأموال اللازمة لبناء السد العالي، أعلن جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956 تأميم الشركة العالمية لقناة السويس. مما شكل ضربة كبيرة للمصالح الاقتصادية البريطانية. وكانت فرنسا - من جهتها - منـزعجة من الدعم المصري للثورة الجزائرية ضدها.[97]

وقد اتفق الكيان الإسرائيلي مع بريطانيا وفرنسا على توجيه ضربة إلى مصر، تؤدي للاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والاحتلال البريطاني الفرنسي لقناة السويس. وقد انبنت الخطة، التي وقعت عليها الأطراف الثلاثة في سيغر (قرب باريس) في 23 أكتوبر 1956، على أن تبدأ القوات "الإسرائيلية" بشن هجوم واسع في 29 أكتوبر بهدف الوصول إلى قناة السويس. ثم تقوم بريطانيا وفرنسا بإصدار إنذار مشترك في اليوم التالي يطالب القوات المصرية والإسرائيلية بالانسحاب مسافة عشرة أميال (16كم) عن جانبي القناة، وبسماح مصر لبريطانيا وفرنسا باحتلال مؤقت لعدد من النقاط الرئيسية فيها، بحجة حماية الملاحة الدولية. وإذا ما رفضت مصر- وبالطبع سترفض -ستقوم القوات البريطانية والفرنسية بإنزال قواتها في القناة، والهجوم على مصر لإجبارها على الرضوخ.[98]

بدأ الكيان "الإسرائيلي" هجومه في 29 أكتوبر 1956 بعملية إنزال جوي لقوات المظليين في ممر متلا على بُعد 65كم شرقي قناة السويس.وحدثت معارك محدودة شرقي القناة، لكن صدور الإنذار البريطاني الفرنسي في 30 أكتوبر، ورفض مصر له أوجد الذريعة التي يحتاجانها، فبدأت بريطانيا وفرنسا في 31 أكتوبر عدوانهما على مصر، وخصوصا المطارات والموانئ، وتم تدمير جزء كبير من الطيران المصري. وقررت مصر من جهتها التركيز على حماية القناة ومثلث بورسعيد - القاهرة - السويس، فأمرت الجيش المصري بالانسحاب من قطاع غزة وسيناء والتركز غربي قناة السويس. وتمكن الكيان الإسرائيلي دون صعوبة من احتلال غزة خلال 31 أكتوبر - 3 نوفمبر 1956، ومن احتلال سيناء خلال ثمانية أيام (29 أكتوبر - 5 نوفمبر 1956).

وصدر قرار الأمم المتحدة في 2 نوفمبر بإيقاف الحرب وانسحاب قوات الغزو البريطاني الفرنسي من الأراضي المصرية، وانسحاب الكيان الإسرائيلي إلى ما وراء خطوط الهدنة.ورغم أن هذه القوات تلكأت في تنفيذ القرار إلا أن الضغط السوفيتي - الأمريكي اضطرهما لذلك، فانسحبت القوات البريطانية-الفرنسية في 22 ديسمبر 1956، وأكملت القوات الإسرائيلية انسحابها في 6 مارس 1957. وقد تعهدت مصر في المقابل بمنع عمليات الفدائيين من قطاع غزة، ووافقت على وضع قوات دولية على حدودها. كما ضمنت "إسرائيل" بتعهد القوى الكبرى حق الملاحة البحرية في خليج العقبة، وكذلك الطيران الجوي فوقه.[99]

كانت هذه الحرب إيذانا بانتهاء العهد الاستعماري البريطاني - الفرنسي في المنطقة، ووراثة أمريكا والاتحاد السوفيتي لحلبة التنافس فيها. ورغم أن هذه الحرب كشفت مدى تطور القوة العسكرية الإسرائيلية، وعجز الجانب المصري (في ظل المعادلات الدولية) عن حماية نفسه،فضلا عن تحرير فلسطين، فإن هذه الحرب جندت تعاطفا عربياً وإسلامياً واسعاً مع مصر، وأظهرت القيادة المصرية وخصوصا عبد الناصر "أبطالا" في المقاومة والدفاع عن الحقوق العربية، وبرز نجم عبد الناصر كأمل للجماهير العربية في النصر والتحرير.

حرب 1967:
لم يكن الكيان الإسرائيلي سعيداً بمساحة الأرض التي أقتطعها من فلسطين في حرب 1948، وكان يرغب في المزيد من التوسع لفتح الباب بشكل أكبر أمام الهجرة والاستيطان اليهوديين. كما كان يفتقد الشعور بالأمان في حدوده مع البلدان العربية التي يبلغ طولها 981 كيلومتراً، وكانت بعض المدن الساحلية تبعد حوالي 15كيلومتراً عن الحدود مع الضفة الغربية مما يسهل ضرب العمق "الإسرائيلي".

ومن جهة أخرى، فإن الإعلام العربي، وخصوصا المصري الناصري، كان يبالغ في الإمكانات العسكرية العربية، ويعد الجماهير العربية التي كانت تنتظر بصبر وحماس بإلقاء اليهود في البحر وتحرير فلسطين. غير أن الإستراتيجية العسكرية المصرية ظلت منذ حرب 1956 وحتى 1967 إستراتيجية دفاعية وليست هجومية، بخلاف ما كان يتحدث به الإعلام المصري صباح مساء. وحتى الخطة الدفاعية "قاهر" التي وضعتها القيادة المصرية في ديسمبر 1966 لم يطبق منها إلا جزء بسيط، إذ إن القسم الأكبر من ميزانية الدفاع كان يذهب إلى اليمن فلا يبقى إلا القليل لتحصين سيناء.[100]

ولم تكن الأوضاع الداخلية العربية ولا العلاقات العربية ـ العربية لتبعث على السرور، فقد عانت الشعوب العربية من أزمات فقدانها للحريات السياسية، ومن الفساد السياسي والاقتصادي، ومن الإعلام الموجه، وعاش عبد الناصر هاجس ملاحقة الإسلاميين، وضربهم وخصوصاً الإخوان المسلمين. وتم تقديم البديل الإيديولوجي الاشتراكي - القومي والذي لم ينجح في خطط التنمية، ولا في تحقيق أساس نهضوي عربي، ولا في تفجير طاقات الأمة بشكل يتوافق مع عقيدتها وتراثها وثقافتها. وإذا كانت الجماهير العربية قد عاشت لحظات من النشوة والحماس عندما تحققت الوحدة المصرية - السورية (الجمهورية العربية المتحدة) في فبراير 1958، فإنها سرعان ما صدمت عندما حدث الانفصال في سبتمبر 1961. واستنـزف الجيش المصري والميزانية المصرية في حرب اليمن ودعم الثورة فيها منذ 1963. وقد شهدت البلاد العربية نوعا من التضامن السياسي الظاهري خلال 1964 ـ 1965، حيث بدأت مؤتمرات القمة العربية بالانعقاد منذ يناير 1964. غير أن الخلاف سرعان ما دب بينها منذ 1966 وعادت الحرب الإعلامية لتكون مادة الإذاعات والصحف خصوصا في دول الطوق. وقد صادق الرؤساء والملوك العرب في يناير 1964 على تشكيل القيادة الموحدة لجيوش البلدان العربية، وتم تعيين الفريق المصري علي علي عامر قائداً عاماً، لكن الخلافات العربية منذ 1966 عطلت عمل هذه القيادة، كما افتقد عدد من البلدان العربية للجدية في التعامل معها. فإما أنها لم تلتزم بأوامرها، أو أنها لم تدفع نصيبها في الميزانية، أو أنها رفضت دخول قوات عربية أخرى إلى أراضيها، مما عطل تنفيذ عمل هذه القيادة وخططها.[102]

وكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، وبدء حركة فتح عملياتها العسكرية منذ مطلع 1965 من العوامل التي دفعت الكيان الصهيوني لسرعة التحرك ومحاولة فرض واقع جديد، يضمن له التوسع والأمن، ويجر البلاد العربية إلى التسوية السلمية وفق الشروط "الإسرائيلية". وكان لقيام الكيان الصهيوني بمشروع تحويل مياه الأردن الذي بات معروفا للعرب منذ 1963، وضرب الصهاينة وتدميرهم لكل المشروعات العربية المقابلة لتحويل النهر، كان له أثره في ازدياد التوتر.[103]
بدأ الكيان الصهيوني تصعيد الأوضاع قبل عام من الحرب، فهاجم قرية السموع قرب الخليل في الضفة الغربية، وقام بمذبحة راح ضحيتها حوالي 200 شهيد. كما حدث تسخين متبادل على الجبهة السورية حيث كان الصهاينة يقومون بطلعات جوية لقصف المواقع السورية، بينما كانت المدفعية السورية تقصف المستوطنات اليهودية المجاورة. وتزايدت التهديدات "الإسرائيلية" لسوريا، وتواترت الأخبار عن حشود "إسرائيلية" على الحدود السورية خصوصا في أوائل مايو 1967.[104]

وقامت مصر، وفق اتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا، بالإعلان عن عزمها الدخول في الحرب منذ أول دقيقة إذا ما تعرضت سوريا للهجوم. وتبع ذلك إجراء مصري بطلب سحب قوات الأمم المتحدة عن خطوط الهدنة مع الكيان الإسرائيلي فانسحبت في 23 مايو 1967، وقامت مصر في 23 مايو بإغلاق مضائق تيران (خليج العقبة) في وجه الملاحة الإسرائيلية، مما كان يعني عملياً أن مصر تجهز "لمعركة المصير" مع الكيان الإسرائيلي. غير أن الفرقتين العسكريتين اللتين حركتهما مصر إلى سيناء لم يكونا يكفيان بالكاد للدفاع عن الحدود المصرية، فضلاً عن تحرير فلسطين. وبتعبير آخر فإن الإجراءات التي كانت تتخذ على الأرض لم تكن متوافقة مع المواقف السياسية الحادة ولا التصريحات الإعلامية النارية. وكرر الرئيس المصري قبل الحرب بأيام استعداد بلاده للحرب ... "إذا أرادت إسرائيل الحرب، فأهلا وسهلاً ... " لن نتركهم ليقرروا الوقت ويقرروا المكان ... علينا أن نستعد لننتصر ... وقد تمت هذه الاستعدادات ... ونحن على استعداد لمواجهة إسرائيل".[105]
وكانت الولايات المتحدة تعلم تفصيلات الهجوم"الإسرائيلي" المرتقب، والذي أعطته الضوء الأخضر، وأسهمت في تضليل الجانب المصري حول الاستعدادات "الإسرائيلية"، واستطاعت الحصول على تعهدات مصرية بألا تكون مصر البادئة في الحرب.[106] بل وصل الأمر بعبد الناصر أن يعلن بنفسه"نترك المبادأة والضربة الأولى لإسرائيل"،[107] وبذلك ضمن الكيان "الإسرائيلي" أن يكون صاحب الضربة الأولى. وقدمت الولايات المتحدة ضمانات لـ"إسرائيل" بحمايتها إذا ما تعرضت للخطر، كما وفّرت لها المعلومات اللازمة من خلال وسائلها الاستخباراتية والأقمار الصناعية. أما الاتحاد السوفيتي الذي كان يُعدُّ حليفاً لمصر، فإنه ضغط أيضاً على مصر بألا تكون البادئة في الحرب،ولم يساعدها في الحصول على المعلومات اللازمة عن التحشدات الإسرائيلية.[108]

كانت هناك قناعات كافية لدى "الإسرائيليين" والأمريكان والروس أن عبد الناصر لا يريد الحرب، بل وغير مستعد فعليا لها، على الأقل من خلال حساب تحركات الجيش المصري واستعداداته. لقد كان قرار الحرب "إسرائيلياً" وبغطاء أمريكي.

بدأت "إسرائيل" الحرب[109] صباح 5 يونيو 1967 بقصف تسعة مطارات مصرية على شكل موجات متعاقبة بين كل موجة وأخرى عشر دقائق، وخلال ثلاث ساعات (8:45صباحا - 12ظهراً) كان قد تم تدمير 80% من الطيران العسكري المصري وهو قابع على المدرجات دونما حركة. ويشير حسين الشافعي، نائب الرئيس المصري في ذلك الوقت، إلى وجود "مؤامرة" أو"خيانة" على مستوى عال في الجانب المصري. ويدلّل على ذلك بأنه رأى بنفسه الطائرات العسكرية المصرية المدمرة وهي مصفوفة بجانب بعضها وكأنما كانت معدة للتدمير حسبما ذكره في حديث لبرنامج شاهد على العصر الذي بثه تلفزيون الجزيرة القطري في نوفمبر 1999 .
وعلى أي حال، فقد تم إخراج سلاح الجو المصري من المعركة منذ الساعات الأولى، كما تم تدمير معظم سلاح الطيران السوري والأردني بنفس الطريقة، ومنذ الساعات الأولى للحرب مع الأردن وسوريا. وبذلك فقدت الجيوش العربية غطاءها الجوي، وأصبحت وحداتها العسكرية البرية ودباباتها ومدرعاتها فريسة سهلة للطيران "الإسرائيلي".

وقد تمكنت القوات البرية "الإسرائيلية" منذ ظهر 5 يونيو من اختراق الحدود المصرية، وتغلبت على المقاومة المحدودة التي واجهتها في غزة ورفح وخروبة وأبو عجيلة وبير جفجافة وغيرها،وتقدمت باتجاه قناة السويس. وفي الساعة الثامنة من مساء اليوم الثاني للمعركة (6يونيو) أصدر القائد العام للقوات المصرية عبد الحكيم عامر أمراً بالانسحاب من سيناء، على أن يتم خلال ليلة واحدة‍‍‍!!

وأعلنت مصر مساء 7 يونيو قبولها لوقف الحرب، وأبلغته إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بينما استكملت "إسرائيل" احتلالها لسيناء في 8 يونيو 1967.

وفي الجبهة الأردنية بدأت المعارك في 5 يونيو بعد أن دمرت الطائرات الإسرائيلية 32 طائرة هوكر هنتر (هي كل سلاح الطيران الأردني) في مدرجاتها في مطاري عمان والمفرق. وحدثت معارك في مناطق القدس وجنين وقباطية والخليل،ومع مساء 6 يونيو كانت الدفاعات الأردنية قد انهارت، وصدرت الأوامر بالانسحاب إلى شرق الأردن وفي 7 يونيو كان الكيان الإسرائيلي قد أنهى احتلاله للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ودخل جنوده حرم المسجد الأقصى وهم يهزجون"محمد مات ... خلف بنات" أي يقصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصرخون "يالثارات خيبر" معلنين انتقامهم لهزيمة اليهود على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر سنة 629م - 7هـ، قبل نحو 1340سنة .

أما المعارك على الجبهة السورية، فبدأت في 9 يونيو بعد فراغ القوات الإسرائيلية من جبهتي مصر والأردن، وانتهت في 10يونيو باحتلال الصهاينة الجولان السورية. وكان ذلك صدمة كبرى لما تتمتع به الجولان من مزايا استراتيجية وإمكانات تحصينية هائلة بوصفها منطقة جبلية، ولأن القيادة السورية كانت تتوعد الصهاينة بمصير أسود إذا اندلعت الحرب، بل وصل الأمر بإعلامها حدّاً جعل أحد أهازيجه تقول إن طائرات الميغ "تتحدى القدر"[110] بينما ظهر مقال في افتتاحية مجلة جيش الشعب السورية في 25 أبريل 1967 يدعو إلى "خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد ... الذي يؤمن أن الله والأديان ... وكل القيم التي سادت المجتمع السابق، ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ"!!![111] لقد كانت الاستهانة بعقيدة الأمة وتراثها إشارة إلى حالة الخواء وضعف إرادة القتال التي يعانيها هؤلاء.

كانت هذه هي المعركة - الكارثة التي انتظرتها الجماهير العربية بشوق وشغف مدة 19 عاما، وصحت على هول الصدمة التي نبهتها إلى حجم التضليل والخداع الذي كان يمارسه الإعلام العربي وقياداتهم السياسية.

وفيما يلي قائمة بما أمكن معرفته من خسائر الأطراف المشاركة في الحرب، فقد كانت خسائر القوت المصرية حوالي 10 آلاف من القتلى والمفقودين، وأسر 5500، ودمرت 80% من أعتدة الجيش المصري بينها 800 دبابة، و450 مدفعاً، 10 ألاف مركبة 305 طائرات (من أصل 360 طائرة) وخسرت القوات الأردنية 6049 قتيلاً و792 جريحا و150 دبابة، وخسرت القوات السورية حوالي ألف قتيل و560 أسيراً و60 طائرة (من أصل 120 طائرة) و70 دبابة، كما استولى الصهاينة على 150 دبابة. وبلغ عدد قتلى القوات الإسرائيلية حسب هيرتزوج 764 منهم 338 على الجبهة المصرية و285 على الجبهة الأردنية و141 على الجبهة السورية. وبلغ عدد الجرحى الصهاينة (حسب الموسوعة الفلسطينية) حوالي 800 على الجبهة المصرية، و1453 على الجبهة الأردنية، و306 على الجبهة السورية.[112] كما خسر الصهاينة 26 طائرة قتال و10 طائرات نقل على كل الجبهات.[113]
أما أبرز نتائج حرب 1967 فكانت:
1. احتلال "إسرائيل" لما تبقى من فلسطين أي الضفة الغربية (5878 كم مربع)، وقطاع غزة (363 كم مربع)، واحتلالها لسيناء المصرية (61198كم مربع) والجولان السورية (1150كم مربع)، ليصبح مجموع الأرض التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني 89359 كم مربع.
2. تشريد نحو 330 ألف فلسطيني.
3. سيطرة الكيان الإسرائيلي على منابع مياه الأردن، وفتح مضائق تيران وخليج العقبة للملاحة "الإسرائيلية".
4. تشكيل الكيان الإسرائيلي لخطوط دفاع جديدة، وتوفير عمق إستراتيجي يَسهُل الدفاع عنه بشكل أفضل.
5. فرضُ احتلال جديد للأراضي العربية، جَعَلَ هدف العرب فيما بعد استرجاع هذه الأراضي المحتلة سنة 1967، وليس تحرير فلسطين المحتلة سنة 1948.
6. تدمير القوات العسكرية لمصر والأردن وسوريا.
7. انكشاف ضعف القيادات العربية،وانعدام التنسيق فيما بينها، وعدم جديتها في تحرير فلسطين.
8. ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة وتعاظمها وبروز الهوية الوطنية الفلسطينية التي قرّرت أن تأخذ زمام المبادرة بعد أن تبين لها مدى الضعف العربي.

حرب أكتوبر 1973:
أحدثت حرب 1967 جُرحاً غائراً في الكرامة العربية، فحاولت الأنظمة العربية استيعاب الصدمة وتوقي غضب الجماهير، فاجتمع الزعماء العرب في الخرطوم في 29 أغسطس - 1 سبتمبر 1967 معلنين أن لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بالكيان الإسرائيلي،وتعهدت الدول العربية بدعم دول الطوق لإعادة بناء قواتها المسلحة. ووجدت الأنظمة العربية نفسها - راضية أو راغمة - تفتح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني، الذي نشط بقوة خصوصا في الفترة 1967- 1970 عبر ساحات دول الطوق. ودخلت مصر وسوريا في حرب استنـزاف مع الكيان الإسرائيلي خصوصا في الفترة من أغسطس 1968 إلى أغسطس 1970، أسهمت إلى حد ما في إعادة الثقة ورفع المعنويات لدى الجيشين المصري والسوري، بعد أن تمت مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية والقيام بعدد من الهجمات التكتيكية. وحسب هيرتزوج فقد خسر الصهاينة في حرب الاستنـزاف نحو 500 قتيل و2000 جريح.[113]
غير أن حرب الاستنـزاف لم تؤد إلى تسخين الوضع بما يكفي لتدخل دولي يجبر الكيان الإسرائيلي على الانسحاب. مما جعل تفكير قيادة الأنظمة العربية يتركز على شن حرب محدودة محسوبة الخطوات، لعلها تعيد الوضع إلى حدود ما قبل حرب 1967 سواء بنصر عسكري أو بضغط دولي ينشأ عن تحريك الوضع في المنطقة، بعد أن أرادت "إسرائيل" وأمريكا تجميد الوضع، ليحقق عامل الزمن أقصى درجات الفائدة للكيان الإسرائيلي.

لقد كان واضحا منذ البداية أن هدف العرب من حرب أكتوبر هو "إزالة آثار عدوان 1967"، وليس تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الصهيوني.

شكلت القيادتان السياسيتان المصرية والسورية "المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية - السورية المشتركة". وعينتا الفريق أول أحمد إسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، قائداً عاما للقوات المسلحة الاتحادية (مصر وسوريا)، ورئيساً للمجلس بدءاً من 10 يناير 1973. وتولى هذا المجلس الإعداد والتخطيط للحرب. وفي 25 فبراير 1973 اجتمع الرئيسان السوري والمصري في برج العرب غرب الإسكندرية واتخذا قراراً بالحرب. وقد سميت خطة الحرب"خطة بدر"، حيث انتُهى من إعداد تصوراتها في صيف 1973.[114] وفي 24 سبتمبر 1973 لاحظ "الإسرائيليون" وجود استعدادات سورية - مصرية للحرب، وتم اتخاذ حالة التأهب الأدنى، وأخذت التقارير تتولى لدى القيادة "الإسرائيلية" لكنها كانت لا تزال تشك في جدية الهجوم وتوقيته، وقامت في 3 أكتوبر بدعوة الاحتياط، وأعلنت حالة التأهب في 5 أكتوبر. وتأكد لدى القيادة "الإسرائيلية" أن سوريا ومصر ستشنان الحرب في 6 أكتوبر لكنها كانت مترددة في توجيه الضربة الأولى. وعندما اندلعت الحرب في الساعة بعد ظهر 6 أكتوبر لم تفاجأ بها القيادة الإسرائيلية، لكن كان من الظاهر أنه كان لها وقع المفاجأة على القوات الإسرائيلية، خصوصا في قناة السويس، مما يدل على أن الإجراءات الإسرائيلية لم تكن جادة بما يكفي لدخول لحرب.[115]

بدأت الحرب بهجوم 300 طائرة مصرية وسورية ضد المواقع الإسرائيلية، وفتحت آلاف المدافع في الوقت نفسه نيرانها على طول جبهات القتال في قناة السويس والجولان. واندفعت القوات المصرية لتحطيم خط الدفاع الإسرائيلي شرقي القناة "خط بارليف" في بضعة ساعات، رغم أنه يعد من أقوى وأعقد خطوط الدفاع العسكرية. ونجحت القوات المصرية خلال ثلاثة أيام في الزحف لمسافة 12- 15كم على الامتداد الشرقي لقناة السويس. غير أنها قامت في الفترة من 9-13 أكتوبر "بوقفة تعبوية" أدت لهدوء نسبي على الجبهة المصرية المشتركة. وحسب الخطة المصرية - السورية المشتركة كان ينبغي على القوات المصرية الاستمرار في الزحف للسيطرة على منطقة ممرات متلا والجدي بعمق 50كم تقريباً شرقي القناة، ثم تطوير الهجوم بعد ذلك شرقاً حسب تحسن ظروف القتال. لكن القيادة المصرية (التي كانت تشهد بعض الخلافات في الرؤى العسكرية) أخفت نيتها عن سوريا بالتوقف على عمق حولي 12 كم فقط، لأنها ترى أن شبكة الحماية الصاروخية المضادة للطائرات لا تكفي أكثر من هذا المدى لتغطية تقدم القوات المصرية. وبسبب الضغط السوري قامت القوات المصرية باستئناف هجومها في 14 أكتوبر لكنها منيت بخسائر جسيمة، ففقدت حوالي 250 دبابة، بعد أن ابتعدت عن المظلة الصاروخية، فقررت في نهاية اليوم العودة إلى مواقعها.

استفادت القوات الإسرائيلية من الوقفة التعبوية المصرية، ومن الجسر الجوي الأمريكي الذي زودها بكميات هائلة من الأسلحة المتطورة، فأعادت ترتيب قواتها، وأخذت زمام المبادرة الإستراتيجية. وقامت مساء 15 أكتوبر بتنفيذ خطة "القلب القوي" التي اشتهرت باسم "الغزالة"، والتي تُنسب إلى الجنرال أرييل شارون. وقبل فجر 16 أكتوبر تمكنت بقيادة شارون من اختراق الخطوط المصرية وعبور قناة السويس، وفتح "ثغرة الدفرسوار" غربي القناة، إلى الجنوب من مدينة الإسماعيلية. وعندما صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار كان أقصى عمق"إسرائيلي" غربي القناة يبلغ 25-30كم. غير أن القوات "الإسرائيلية" تابعت هجومها، فاستكملت تطويق قوات الجيش الثالث المصري شرقي القناة، واستولت على ميناء الأدبية جنوب غربي السويس، ووصلت إلى نقطة الكيلومتر 101، أي 101كم شرقي القاهرة. وتم توقيف إطلاق النار نهائيا في 28 أكتوبر 1973.[116] ولولا المقاومة الشعبية البطولية للشيخ حافظ سلامة وإخوانه لسقطت مدينة السويس نفسها.

وعلى الجبهة السورية، حقق الهجوم السوري نجاحات أولية سريعة فاخترق خط الدفاع الإسرائيلي بعمق 20كم داخل هضبة الجولان، وجرت معارك ضارية، غير أن تفوق القوات الجوية "الإسرائيلية" ساعد القوات البرية على صد الهجوم السوري. وتحولت القوات الإسرائيلية إلى الهجوم المضاد في 8 أكتوبر، وبعد يومين كانت قد استعادت ما فقدته في الجولان. وأخذت تهاجم مناطق شمال شرق الجولان، وتمكنت من احتلال ما عرف "بجيب سعسع" الذي ذُكر أنه شمل 39 قرية سورية لم تكن محتلة من قبل وبمساحة 551كم مربع، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى مسافة 25كم من دمشق. ووصلت إلى سوريا قوات عراقية وأردنية للمساعدة، وقامت سوريا بالتجهيز لهجوم مضاد، غير أنه ذُكر أن موافقة مصر على قرار مجلس الأمن بوقف الحرب في 22 أكتوبر قد فاجأ السوريين، مما اضطرهم لإيقاف الحرب. وبعد ذلك استؤنفت حرب استنـزاف استمرت نحو 80 يوما (13 مارس ـ 31 مايو 1973) لتتوقف حين تم التوقيع على اتفاقية فصل القوات.[117]

وعقدت مصر اتفاقية فك الاشتباك مع الكيان الإسرائيلي في 18 يناير 1974 نصّت على انسحاب القوات الإسرائيلية من غربي القناة إلى مسافة تبعد 20-30كم من شرقي قناة السويس، واحتفاظ مصر بقوات محدودة في الأراضي التي استرجعتها شرقي القناة (بعمق 8 - 12كم). وفي 21 فبراير 1974 كانت القوات الإسرائيلية قد انسحبت من غربي القناة "ثغرة الدفرسوار". وعُقدت اتفاقية فصل القوات بين سوريا والكيان الإسرائيلي في 31 مايو 1974، وبناء عليها، انسحبت الإسرائيلية القوات من جيب سعسع (551كم مربع)، الذي احتلته في حرب 1973، ومن مدينة القنيطرة وبعض ما حولها، والتي احتلتها سنة 1967 (112كم مربع).[118]

وقد أظهرت الدول العربية تضامناً قوياً مع مصر وسوريا في الحرب وأرسلت تسع دول عربية قوات عسكرية محدودة للمشاركة في الحرب. واستخدام العرب لأول مرة سلاح النفط، فقررت الدول العربية المنتجة للنفط في اجتماعها في الكويت في 17 أكتوبر 1973 تخفيض إنتاجها بنسبة 5% شهرياً وتطبيق حظر كامل على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا. وفي 22 أكتوبر قرر وزراء النفط زيادة نسبة خفض الإنتاج إلى 25%. وحرصت الدول النفطية في قراراتها ألا تتضرر الدول المؤيدة للعرب من حظر النفط. وقد أدى حظر النفط إلى مواجهة الدول الغربية أزمة شديدة في الإنتاج والتصنيع وشئون الحياة اليومية، وولّدت مخاوف كبيرة من أزمات اقتصادية حادة في تلك البلدان. ولفتت انتباه مواطني الدول الغربية إلى دعم بلدانهم للظلم الذي يقع في فلسطين، وإلى انعكاسات هذه القضية على حياتهم اليومية. ورغم أن الحظر النفطي استمر أشهراً قليلة إلا أنه كان ذا تأثير فعال.[119] واستفادت الدول العربية النفطية من تضاعف أسعار النفط مرات عديدة في مضاعفة إيراداتها وتحسين اقتصادياتها.

ولا تجنح المصادر العربية لذكر خسائر الحرب، وخصوصا خسائر الجانب العربي، وقد قدّرت مصادر غير عربية عدد قتلى الكيان الإسرائيلي بـ2552 قتيلا، والمصريين 7700 شهيداً، والسوريين 3500 شهيداً. وقال هيرتزوج إنه على الجبهة السورية قتل 772 "إسرائيلياً" وجرح 2453 وأسر 65، ودمرت 250 دبابة "إسرائيلية"، وأنه تم تدمير 1150 دبابة 222 طائرة سورية، أما على الجبهة المصرية فتم تدمير 292 طائرة مصرية،وقال إنه تم تدمير 102 طائرة إسرائيلية على الجبهتين السورية والمصرية.[120] وقالت الموسوعة - الفلسطينية إن الإسرائيليين خسروا في الأيام الأولى خمسة آلاف قتيل و400 أسير و800 دبابة و120 طائرة.[121]
وكان من أبرز نتائج حرب 1973:
1. كسر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وتحطيم نظرية الأمن الإسرائيلية، وإثبات إمكان استعادة أجزاء من الأراضي المحتلة على الأقل بالقوة العسكرية.
2. أخذ العرب زمام المبادرة، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم الإستراتيجي، وإثبات كفاءة وشجاعة المقاتل العربي.
3. تحقيق قدر عال من التضامن العربي، من خلال المشاركة العسكرية، ومن خلال استخدام سلاح النفط.
4. تحقيق شعور بالثقة بالنفس،وارتفاع المعنويات بعد سنوات من الهزيمة والإحباط.
5. استخدام الأنظمة العربية - خصوصا مصر - النتائج السابقة لتحريك الأوضاع السياسية، ومحاولة الوصول إلى تسوية سلمية مع الكيان الإسرائيلي، تضمن عودة الأراضي المحتلة سنة 1967.
المقاومة الفلسطينية 1949 - 2001
أولا: مرحلة المد القومي العربي 1949- 1967
علق الفلسطينيون آمالهم بتحرير فلسطين-في هذه المرحلة بشكل عام على الأنظمة العربية، وخصوصا مصر بزعامة جمال عبد الناصر، وكان شعار "الوحدة طريق التحرير" هو الشعار البراق لهذه المرحلة. وقد تم تغييب دور القيادة الوطنية الفلسطينية بزعامة الحاج أمين الحسيني،في الوقت الذي ضُمَّت فيه الضفة الغربية إلى الأردن، ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية. غير أن شعور العديد من الفلسطينيين في النصف الثاني من هذه المرحلة بعدم جدية الأنظمة العربية في عملية التحرير دفعهم إلى إنشاء منظمات فدائية وطنية كان أبرزها حركة فتح، كما أن الأنظمة اضطرت لفتح المجال للفلسطينيين للتعبير عن "كينونتهم" وهويتهم ضمن أطر يمكن ضبطها ومتابعتها فكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 بدعم مصري. والحديث عن هذه المنظمات والتنظيمات موجود في فصل آخر من هذا الكتاب.

لقد كان هول الصدمة عظيماً على الفلسطينيين إذ وجد 800 ألف منهم (60% من شعب فلسطين) أنفسهم لاجئين مشردين بعد أن فقدوا ما يملكون. وعاش معظمهم في خيام بالية دون عمل أو مصدر رزق في ظروف اقتصادية وصحية واجتماعية ونفسية قاسية. وكانوا يعرفون أرضهم ومساكنهم التي طردوا منها بدقة فما كانوا بحاجة لخرائط توضح لهم الطريق إليها، وكانوا ينظرون بحسرة وألم عبر حدود الهدنة مع الكيان الصهيوني. ولذلك تميزت الفترة 1949-1956 بكثرة عمليات اختراق الحدود الفردية لاسترجاع ممتلكات للعائلات، أو للانتقام من الصهاينة الغاصبين. واتخذت المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة أشكالاً بسيطة محدودة التأثير، بانتظار دور عربي حاسم. وتزايد الانتماء الفلسطيني للمنظمات التي ترفع شعارات التحرير سواء كانت قومية ناصرية أو بعثية، أو إسلامية (إخوان مسلمون وتحرير)، أو يسارية وشيوعية.

لقد كانت عمليات اختراق الحدود كثيرة جداً خصوصا قبل عام 1957 لدرجة أنها كانت تتم بشكل شبه يومي، وبالذات عبر قطاع غزة والضفة الغربية. وتشير التقارير التي كانت ترسلها السفارات البريطانية في تل أبيب وعمان والقاهرة، والتي كانت تحصل عليها عن طريق مصادرها الخاصة أو عن طريق لجان مراقبة الهدنة، إلى كثرة هذه العمليات وإلى شكاوى "إسرائيلية" مُرَّة بسببها، فينقل أحد التقارير أن حوادث الاختراق الحدودي من جهة الأردن فقط سنة 1952 بلغت 1533 (بمعدل 4.1 حادث يومياً) وكان منها 14 حادث قتل، و37 حادث "نهب"، و252 صداماً (مسلحاً)، و1077 حادث "سرقة"، و142 "محاولة سرقة" و11 عملية "تخريب". وقد أدى ذلك إلى وقوع 207 قتلى و94 جريحا، وتم القبض على 1851 شخصاً[122]. وأشار تقرير آخر إلى أن حوادث اختراق حدود الهدنة من جهة الأردن من ديسمبر 1953 - نوفمبر 1954 بلغ 725 حادثاً.[123] كل هذا رغم أن جلوب باشا رئيس أركان الجيش الأردني كان يؤكد دائما أن الأجهزة العسكرية والأمنية تفعل ما بوسعها لمنع هذه الاختراقات.[124] وسجل المفتش العام للشرطة الإسرائيلية مثلاً في الفترة من سبتمبر 1954 - فبراير 1955 تسعة حوادث قتل و140 حالة "نهب وسرقة" عن طريق قطاع غزة.[125]
ويبدو أن عمليات الاختراق الحدودي اتخذت أبعاد أكثر تنظيماً منذ أوائل سنة 1953 بتولي مجموعات فدائية فلسطينية منظمة عمليات فدائية. ونُقل عن تقرير للسفارة البريطانية في تل أبيب في 14 أبريل 1953 أن الاختراق الحدودي من قطاع غزة هو عمل بعض المنظمات السياسية المتطرفة، وأن الحكومة المصرية لا تشجعها، ولكنها لا تعمل ما يكفي لمنعها.[126] وظهرت بعد ذلك في تواريخ مختلفة إشارات إلى دور الإخوان المسلمين في العمليات واعتراف السلطات المصرية بذلك.[127]

وحسب تصريح أدلى به بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي في الكنيست في مارس 1956 فإن عدد الإصابات الإسرائيلية بسبب الحوادث الحدودية سنة 1951 بلغ 137 إصابة، وفي سنة 1952 بلغ 147 إصابة، وسنة 1953 بلغ 162 إصابة، وسنة 1954 بلغ 180 إصابة، وسنة 1955 بلغ 258 إصابة.[128] أما حسين أبو النمل فينقل إحصائية تذكر أن عدد قتلى الإسرائيليين منذ توقيع وقف إطلاق النار في مارس 1949 وحتى حرب اجتياح القطاع وسيناء في آخر أكتوبر 1956 قد بلغ 1176 قتيلاً.[129]

وفي قطاع غزة، حيث كان الإخوان المسلمون يشكلون القوة الشعبية الأولى حتى سنة 1955، شكلوا تنظيما سرياً جهادياً كانوا ينتقونه من بين عناصرهم. ويظهر لكاتب هذه السطور بعد مقابلات عديدة أجراها أن هذا التنظيم كان على علاقة بالنظام الخاص للإخوان المسلمين المصريين. وكان يتولى توجيهه كامل الشريف من منطقة العريش وكان صلة الوصل محمد أبو سيدو حيث يتولى مسؤولية التنظيم وإيصال الأوامر إلى أفراده في القطاع الذي كان مقسوماً إلى ثلاثة أقسام. وكان أبو جهاد خليل الوزير مسؤولاً في منطقة غزة (شمال القطاع)، (خ.أ) في خان يونس (المنطقة الوسطى)، ومحمد يوسف النجار في رفح (جنوب القطاع). وقد نفذ هذا التنظيم عدداً من العمليات الفدائية خصوصاً التعاون مع البدو عن طريق عبد الله أبو مريحيل ومحمد حسن الأفرنجي. وقد استفاد الإخوان من وجود ضباط مصريين إسلاميين في الجيش المصري قاموا بتدريبهم سراً من أمثال عبد المنعم عبد الرؤوف.[130]

ومن العمليات المهمة التي أثارت دوياً كبيراً عملية الباص في 17 مارس 1954 حيث هاجمت مجموعة فدائية باصاً إسرائيلياً على طريق إيلات - بير السبع، قرب معاليه أكربيم مما أدى إلى مقتل 11 إسرائيلياً وجرح 3 آخرين. وقد عدَّها رئيس الوزراء الإسرائيلي عملية عسكرية مدبرة بعناية، وأشارت التحقيقات إلى أن مركز المجموعة الفدائية هو القسيمة جنوب شرقي العريش في سيناء، وأشير إلى احتمال أن يكون الإخوان المسلمون وراءها، كما وضعت احتمالات أخرى كأن تكون من تدبير جماعة المفتي الحاج أمين ...[131]
وكانت العمليات الفدائية تُقابل بردود فعل متغطرسة من الكيان "الإسرائيلي"، فيقوم بارتكاب المذابح وقصف المدنيين.وقد أحدثت مذبحة غزة، التي قامت بها القوات الصهيونية في 28 فبراير 1955 وقتلت 39 شهيدا وجرحت 32 آخرين، أحدثت انتفاضة عارمة في القطاع في الأول من مارس 1955 تطالب الحكومة المصرية بإعطاء الحرية للعمل الفدائي الفلسطيني، وتوفير السلاح.[132] ووافقت الحكومة المصرية تحت هذا الضغط، ووضعت العمل الفدائي تحت إشراف الضابط المصري مصطفى حافظ الذي قام بواجبه خير قيام. وقد تدفق الآلاف للتطوع، غير أنه تم انتقاء العناصر ذات الخبرات القتالية والمعرفة بالأرض، وزاد عدد الفدائيين العاملين عن ألف. وقاموا بعمليات يومية خاطفة، وأحيانا بعمليات كبيرة واسعة. وقد نشط هذا العمل بدءاً من شهر سبتمبر 1955 وحتى أكتوبر 1956. وكان من أبرز العمليات: العملية التي شارك فيها أكثر من 300 فدائي توغلوا حتى عمق 47كم ووصلوا إلى مسافة 15كم إلى الجنوب من تل أبيب. وقد قسموا أنفسهم إلى مفارز متعددة، قامت بالكثير من العمليات، وأثارت الرعب في الكيان الإسرائيلي، وقد تواصلت عملياتهم أسبوعاً كاملاً 6- 13 أبريل 1956. وقد استشهد مصطفى حافظ في 14 يوليو 1956 نتيجة انفجار طرد ملغوم، أرسله له رجال الموساد "الإسرائيلي" عن طريق عميل مزدوج.[133]

وقد توقف العمل الفدائي عن طريق قطاع غزة إثر الاحتلال "الإسرائيلي" للقطاع وسيناء (آخر أكتوبر 1956 - 6 مارس 1957)، وبعد تعهد الرئيس عبد الناصر بإغلاق الحدود في وجه الفدائيين.

وكان المصريون قد حاولوا في أثناء فترة تبنيهم للعمل الفدائي تصعيد هذا العمل عن طريق حدود الأردن وسوريا ولبنان، وأشارت التقارير إلى تجنيد حوالي 200 فدائي في الأردن، وإلى دور الملحق العسكري المصري في الأردن في ذلك، وإلى وجود شخصيات فلسطينية تتولى تنظيم هذا العمل خصوصاً في منطقة الخليل، وإلى دعم المفتي الحاج أمين لهذا العمل، وإلى تمويل السعودية وتشجيعها للعمل الفدائي. ومن الملفت للنظر أن العمليات الفدائية قد نشطت عن طريق الضفة الغربية إثر الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وتحدثت التقارير عن قدوم ألفي شاب إلى منطقة الخليل أعمارهم تتراوح بين 18- 25 سنة ويفترض أنهم جاهزون كاحتياط للوحدات الفدائية العاملة في الأردن.[134] واشتكت جولدا مائير في خطابها في الأمم المتحدة في 17 يناير 1957 أنه حدث منذ 3 ديسمبر 1956 حوالي 30 هجوماً على الكيان الإسرائيلي. وقالت مذكرة أعدتها الخارجية البريطانية في 12 مارس 1957، أن عدداً أكبر من العمليات حدث في الأسابيع الستة الماضية معظمها عن طريق الأردن.[135]
ويبدو أنه بعد التعهد المصري بإغلاق الباب في وجه العمل الفدائي والانسحاب الإسرائيلي من القطاع في مارس 1957، وبعد ضبط الأمور أمنياً بشكل أقوى في الأردن إثر حدوث المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الملك في العام نفسه، وقيام الأردن بحظر أنشطة الأحزاب السياسية، فإن العمل الفدائي تعرض لانتكاسة كبيرة، ودخل في حالة من الجمود، جعلت الفلسطينيين يتطلعون إلى أشكال جديدة من العمل الفدائي.

وتعد الفترة 1957- 1964 فترة مخاض في تاريخ المقاومة الفلسطينية، إذ أخذت تظهر العديد من المنظمات الفدائية الفلسطينية كان أبرزها حركة فتح التي أنشأها ابتداء وانحاز إليها رجال الإخوان المسلمين الراغبين في تفجير الثورة ضمن مشروع وطني فلسطيني، والجبهة القومية لتحرير فلسطين المعروفة باسم "شباب الثأر" وهي تنظيم إقليم فلسطين التابع لحركة القوميين العرب، والتي بدأت عملياتها في نوفمبر 1964، وجبهة تحرير فلسطين بزعامة أحمد جبريل التي بدأت عملياتها حوالي 1965. ومنذ انطلاقة العمليات المسلحة لحركة فتح، وحتى حرب يونيو 1967، قام جناحها العسكري "العاصفة" بشنِّ 200 عملية مسلحة.[136]

وقد اتهمت الأنظمة العربية الفدائيين بالعمالة والرجعية، ومحاولة جرها للحرب مع العدو قبل الأوان، وقامت بملاحقة أفرادها وسجنهم، ومنعهم من التحرك والعمل. وسُجن ياسر عرفات في سجن المزة السوري 51 يوماً، وعذب بعض الفدائيين وماتوا في السجون العربية.[137]

وعندما أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 قامت بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني على أسس الجيوش النظامية، ووضعت 85% من موازنتها لهذا الجيش، وتم تدريب عدد من الكوادر في الكليات العسكرية العربية، وبعض الدول الصديقة. وفي البلاد العربية التي رحبت بوجود هذا الجيش، تم تكوين وحدات عسكرية اعتمدت أساساً على الدول المضيفة في أمور التدريب والتسليح والدعم المالي. وسُمِّيت وحداته العسكرية في سوريا باسم قوات حطين، وفي قطاع غزة باسم قوات عين جالوت، وفي العراق باسم القادسية، أما الأردن ولبنان فرفضتا الوجود الفلسطيني المسلح. وقد وصل حجم جيش التحرير إلى ستة آلاف رجل، غير أن هذا الجيش من الناحية العملية لم يكن أكثر من وحدات عسكرية في الجيوش السورية والمصرية والعراقية تشرف عليه م.ت.ف اسمياً، وسعت الأنظمة العربية إلى تأكيد ولاء أصحاب الرتب العالية لها. ولم يخض هذا الجيش أية أعمال عسكرية، بسبب طبيعته النظامية حتى اندلاع حرب 1967.[138]
ثانيا: مرحلة 1967- 1987
اختلفت "تضاريس ومناخات" عمل المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة بحيث يمكن تجزئتها إلى مراحل أصغر. فقد سمّى أحد الباحثين المرحلة حتى سنة 1970 بمرحلة "الطوق الكامل" حيث كان العمل الفدائي يستخدم كافة الحدود العربية مع الكيان الإسرائيلي، والمرحلة 1970- 1982 مرحلة "الطوق المنقوص" حيث عملت أساساً من خلال الحدود اللبنانية، بعد أن خسرت قدرتها على العمل من خلال الحدود الأردنية والمصرية، ولم تستفد إلا بشكل ضئيل من الحدود السورية، والمرحلة 1982- 1987، مرحلة "الطوق المفقود" بعد أن أُجبرت على الخروج من لبنان.[139] غير أن ما يجمع هذه الفترة في مرحلة واحدة كونها تمثل الإصرار الفلسطيني على خيار المقاومة، وتمركُز عمل المقاومة وقيادتها في خارج فلسطين المحتلة.

كانت الفترة 1967- 1970 هي الفترة الذهبية للعمل الفدائي الفلسطيني والثورة الفلسطينية، فقد أخذ الفلسطينيون زمام المبادرة في مواجهة المشروع الصهيوني، بعد أن انكشف لهم مدى ضعف الأنظمة العربية إثر هزيمة 1967. واضطرت الأنظمة تفادياً لموجات الغضب الشعبي لإفساح المجال أمام العمل الفدائي الفلسطيني، الذي استطاع أن يبني قواعد قوية وواسعة خصوصاً في الأردن ولبنان. واستطاعت المنظمات الفدائية بقيادة حركة فتح الوصول إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تولى رئاستها منذ فبراير 1969 ياسر عرفات.

وقد كانت هناك حوالي ثلاثين منظمة فدائية ذات أيديولوجيات وطنية وقومية واشتراكية وشيوعية. ولم يتوفر للإسلاميين منظمة فدائية بسبب الأجواء العدائية ضدهم، لدرجة أنه تم سحق منظمة حاول الحاج أمين الحسيني إنشاءها، غير أن العديد من الإسلاميين عملوا من خلال فتح.

وكانت معركة الكرامة في 21 مارس 1968 إنجازاً مادياً ومعنوياً كبيراً للعمل الفدائي الفلسطيني وخصوصا "فتح" حيث قتل 70 إسرائيلياً وجرح أكثر من 100 آخرين فيما استشهد نحو مائة فدائي، واستشهد من الجيش الأردني الذي شارك بفعالية 60 شهيداً وجرح 65 آخرون.[140] وقد اندفع بعد هذه المعركة التي أثبتت فعالية العمل الفدائي، وإمكانية كسر التحدي الصهيوني عشرات الآلاف للتطوع. وخلال 48 ساعة كان قد طلب خمسة آلاف شخص الانضمام إلى فتح، فقبلت 900 فقط حسب إمكانياتها ومعاييرها. وأخذت العمليات الفدائية تتطور نوعاً وكماً من 12 عملية شهرياً سنة 1967، إلى 52 عملية شهرياً سنة 1968، إلى 199 عملية سنة 1969، إلى 279 عملية شهريا في الأشهر الأولى من سنة 1970.[141]
وأَسّس الإخوان المسلمون معسكرات الشيوخ في الأردن 1968-1970 حيث عملوا تحت غطاء حركة فتح مع احتفاظهم باستقلالية إدارية داخلية. وقد تم تدريب حوالي 300 رجل توزعوا على سبع قواعد فدائية. ورغم محدودية إمكاناتهم ومشاركتهم فقد قدموا نماذج متميزة في عمليات قوية كالحزام الأخضر 31 أغسطس 1969، ودير ياسين 14 سبتمبر 1969، وسيد قطب 28 أغسطس 1970، واستشهد منهم 13 رجلاً.[142]
وفي فترة السبعينيات من القرن العشرين، وجد العمل الفدائي الفلسطيني نفسه مستنـزفاً في معمعة الخلافات مع الأنظمة العربية. إذ فقد قاعدة وجوده في الأردن، بعد الاشتباكات المسلحة العنيفة مع الجيش الأردني في سبتمبر 1970 ويوليو 1971. وعانى العمل الفدائي من الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) حيث استهدفت القوى التي فجرت تلك الحرب، ممثلة بحزبي الكتائب والوطنيين الأحرار المسيحيين، الوجود الفدائي الفلسطيني أساساً. كما عانى الفدائيون من تذبذب العلاقات مع سوريا، ومن تدهورها مع مصر منذ منتصف السبعينيات، مما أضعف قدرتهم على الفعل النضالي العسكري. غير أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من الاحتفاظ بقاعدتها في لبنان حتى سنة 1982، واستمرت في عملياتها عبر الحدود اللبنانية، وإن كانت بمعدلات أقل.

ومن العمليات النوعية التي تجدر الإشارة إليها عملية سافوي التي قامت بها فتح في تل أبيب في 6 مارس 1975 وأدت إلى مقتل وجرح خمسين جندياً وخمسين مدنياً، وعملية كمال عدوان التي قامت بها فتح أيضا بقيادة دلال المغربي في 11 مارس 1978، مما أدى إلى مقتل 37 وجرح 82 من الصهاينة. وبرزت الجبهة الشعبية في عمليات اختطاف الطائرات خصوصا سنة 1970 والتي أثارت دويّاً عالمياً واسعاً، وقام أفرادها - بالتعاون مع الجيش الأحمر الياباني - بالهجوم على مطار اللد (المطار الرئيس في الكيان الإسرائيلي) في 30 مايو 1972، مما أدى إلى مقتل 31 وجرح 80 آخرين. ونفذت الجبهة الشعبية - القيادة العامة عملية الخالصة في 11 أبريل 1974 مما أدى إلى مقتل 18 إسرائيلياً وجرح 15 آخرين، كما نفذت الجبهة نفسها عملية الطائرة الشراعية في نوفمبر 1987. ونفذت الجبهة الديموقراطية عمليات مهمة مثل عملية ترشيحا في 15 مايو 1974 التي أدت إلى مقتل 27 إسرائيلياً وجرح الكثير، وعمليات بيسان وطبرية وعين زيف والقدس.[143]

وقامت منظمة أيلول الأسود (التي يشتبه بصلتها السرية بحركة فتح) بعدد من العمليات التي أحدثت دويا عالمياً، لأنها استهدفت المشروع الصهيوني ومؤيديه في العالم، خصوصا في الفترة 1971- 1973. وكان من أبرز عملياتها عملية ميونيخ في 5 سبتمبر 1972 التي استهدفت الرياضيين الإسرائيليين في دورة الألعاب الأولمبية بغية مبادلتهم بأسرى في السجون الإسرائيلية. وقد أدت العملية إلى مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً واستشهاد خمسة فدائيين.[144]

وفي أواخر السبعينيات، وبعد أن أخذ التيار الإسلامي يستعيد شعبيته، ظهر تنظيم "أسرة الجهاد" في الأرض الفلسطينية المحتلة سنة 1948 والذي قام بعشرات العمليات إلى أن قضي عليه سنة 1980. كما بدأ الإخوان المسلمون بالإعداد السري للعمل المسلح، لكن انكشاف الأمر سنة 1984 أدى للقبض على زعماء التنظيم وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين. وأخذت حركة الجهاد الإسلامي بالتكون منذ مطلع الثمانينيات وتنفيذ العمليات، وقام تنظيم سرايا الجهاد بتنفيذ عمليات نوعية أهمها عملية باب المغاربة في 16 أكتوبر 1986 والتي أوقعت حوالي ثمانين إصابة في جنود العدو الصهيوني.

وكانت المواجهات العسكرية العنيفة مع العدو الصهيوني أحد السمات البارزة للفترة 1970- 1982 خصوصاً على الساحة اللبنانية. فقد ظل الكيان الصهيوني يقوم بعمليات متواصلة ضد قواعد الفدائيين في لبنان، بل وضد المدنين وقراهم ومحاصيلهم ليوجد جواً من العداء للثورة، وليحاول معاقبة أولئك الذين يدعمونها. أما بالنسبة لقوات الثورة الفلسطينية، فقد كان أعداد أفرادها في لبنان (من مختلف المنظمات الفدائية) بحدود 12- 15 ألف مقاتل،[145] وكانت تتمتع بإرادة قتال عالية، ومرونة في الحركة، وخبرة في حرب العصابات، كما وفرت لنفسها تسليحاً خفيفاً ومتوسطاً متناسباً مع وجودها في بلد عربي مضيف.

وكان من أبرز الحملات الإسرائيلية على الفدائيين في لبنان الهجمات المتتابعة على منطقة العرقوب 1970- 1972، وعملية اغتيال ثلاث من قيادات منظمة التحرير في بيروت في 10 أبريل 1973،وهم محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. وفي الفترة 14- 21 مارس 1978 شنت القوات الإسرائيلية عملية اجتياح واسعة للجنوب اللبناني. وقد وجوبهت بمقاومة فلسطينية عنيفة استخدمت أسلوب حرب العصابات. غير أن القوات الإسرائيلية أقامت شريطاً "أمنياً" حدودياً في جنوب لبنان على طول الحدود مع فل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:40 am

على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، ونصّبت الرائد اللبناني المنشق سعد حداد قائداً للشريط، حيث أعلن فيما بعد في 19 أبريل 1979 ما أسماه "دولة لبنان الحر" التي كانت في حقيقتها منطقة استعمار صهيوني بوجه لبناني عميل، يسعى لحماية اليهود في شمال فلسطين المحتلة. وقد استشهد في عملية الاجتياح هذه حوالي 700 لبناني وفلسطيني معظمهم من المدنيين.[146]

وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية جدارتها وكفاءتها في معركة الشقيف في 19 أغسطس 1980 عندما تمكنت من صد هجوم إسرائيلي يبلغ 15 ضعف عددها، ويتفوق عليها بكافة أنواع الأسلحة، وقد تكبد العدو خسائر كبيرة أجبرته على الانسحاب.[147] وفي الفترة 10- 24 يوليو1981 قامت الطائرات والمدافع "الإسرائيلية" بقصف وحشي متواصل للمدن والقرى وقواعد الفدائيين في منطقة النبطية، شملت 46 مدينة وقرية مما أدى لاستشهاد 150 وجرح 600 آخرين. وقد ردت المقاومة الفلسطينية بقصف مدفعي وصاروخي على نحو 30 قاعدة عسكرية ومستعمرة وبلدة "إسرائيلية" شمال فلسطين المحتلة، وعلى مواقع جيش لبنان الجنوبي العميل. وقد ثبتت المقاومة بقوة، وردت بعنف، مما اضطر الإسرائيليين لتوقيف حملتهم، والاعتراف بفشلهم.[148]


هوامش الكتاب
________________________________________
[97] حول الظروف والأسباب التي أدت إلى حرب 1956، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 159-178.
[98] المرجع نفسه، ص 191-192.
[99] حول مجريات حرب 1956 ونتائجها، انظر: المرجع نفسه، ص 185-190، وانظر أيضاً: Herzog, op. cit., pp. 111-141.
[100] الكيلاني، مرجع سابق، ص 266.
[101] انظر: المرجع نفسه، ص 221-231، وص 264-270.
[102] المرجع نفسه، ص 220، وص 261-263.
[103] المرجع نفسه، ص 231.
[104] المرجع نفسه، ص 259-260.
[105] المرجع نفسه، ص 226-228.
[106] المرجع نفسه، ص 276.
[107] المرجع نفسه، ص 224-226.
[108] حول مجريات حرب 1967، انظر: المرجع نفسه، ص 237-247، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 170-178، وانظر: Herzog, op. cit., pp. 145-191.
[109] انظر: محمد بن عبد الغني النواوي، رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي، ج1: مؤامرة الدويلات الطائفية (دون مكان: دون ناشر، 1983)، ص 398.
[110] المرجع نفسه، ص 397.
[111] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 174-177، وHerzog, op. cit., pp. 165, p. 183.
[112] الكيلاني، مرجع سابق، ص 239.
[113] Herzog, op. cit., p. 220، وانظر حول حرب الاستنـزاف في: الكيلاني، مرجع سابق، ص 319-348.
[114] حول الاستعداد المصري - السوري للحرب، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 351، وص 377-381.
[115] حول التأهب "الإسرائيلي"، انظر: عبد الستار قاسم، وغازي ربابعة، "الحروب الإسرائيلية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 298-304.
[116] حول الحرب على الجبهة المصرية، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 363-368، وص 435-447، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 191-194، وانظر: Herzog, op. cit., pp. 231-284.
[117] حول الحرب على الجبهة السورية، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 368-372، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 188-191، والنواوي، مرجع سابق، ص 452، وانظر: Herzog, op. cit., pp. 285-307.
[118] الكيلاني، مرجع سابق، ص 448-452.
[119] المرجع نفسه، ص 389-390، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 194-195.
[120] Herzog, op. cit., p. 306, pp. 310-311.
[121] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 193.
[122] انظر هذا التقرير في ملف: F.O. 371/104779.
[123] انظر التقرير في: F.O. 371/111098.
[124] انظر مثلاً: Tel., British Embassy (Amman) to F.O. no. 465, 1 Confidential, F.O. 371/115908.
[125] F.O. 371/115897.
[126] انظر التقرير في: F.O. 371/104779.
[127] انظر مثلاً: رسالتين من السفارة البريطانية في القاهرة إلى الخارجية البريطانية بتاريخ 14 ديسمبر 1954، و26 يناير 1955، ورسالة من السفارة البريطانية في تل أبيب إلى الخارجية البريطانية في 8 فبراير 1955، محفوظة في ملف: F.O. 371/115896، وانظر ملف: F.O. 371/111107.
[128] Dispatch, British Embassy (Tel Aviv) to Lloyd, 10 Mar. 1956, F.O. 371/121773.
[129] حسين أبو النمل، قطاع غزة 1948-1967: تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية (بيروت: مركز الأبحاث (م.ت.ف)، 1979)، ص 66.
[130] ضمن هذه المقابلات: مقابلة مع محمد الخضري، جدة، 15 سبتمبر 1998، وفوزي جبر، الكويت، 20 نوفمبر 1999، وخ. أ.، 17 سبتمبر 1998 (اعتذر عن الإشارة إلى اسمه الصريح).
[131] انظر ملفات: F.O. 371/111077, 111098-111100.
[132] الموسوعة الفلسطينية، ج3، ص 397.
[133] الموسوعة الفلسطينية، ج3، ص 393-396، وأبو النمل، مرجع سابق، ص 101-123.
[134] حول التقارير البريطانية المتعلقة بهذا الموضوع، انظر ملفات: F.O. 371/115904, 115909-115911، وهي تتحدث عن التطورات سنة 1955، وانظر ملفات: F.O. 371/121776, 128160 وهي تتحدث عن التطورات سنة 1956.
[135] F.O. 371/128157.
[136] انظر: هلينا كوبان، المنظمة تحت المجهر، ترجمة سليمان الوزني (لندن: دار هاي لايت، 1984)، ص 221، ورياض نجيب الريس ودينا حبيب نحاس، المسار الصعب: المقاومة الفلسطينية: منظماتها، أشخاصها، علاقاتها (بيروت: دار النهار، 1976)، ص 37، وص 49، وص 241.
[137] رياض الريس، مرجع سابق، ص 40.
[138] المرجع نفسه، ص 101-102، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 117-121، وج3، ص 314-315.
[139] الكيلاني، مرجع سابق، ص 473.
[140] هناك إحصاءات متضاربة حول خسائر الأطراف المختلفة في المعركة، انظر مثلاً: الموسوعة الفلسطينية، ج3، ص 638، والكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968، ص78-81، وص119-121، ورياض الريس، مرجع سابق، ص42.
[141] صلاح خلف، مرجع سابق، ص 96-98.
[142] انظر: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 196-198.
[143] انظر حول هذه العمليات في: الموسوعة الفلسطينية، ج1، ص 489-490، وص 539-540، وج2، ص 313-314، وج3، ص 661-662، وج4، ص 42.
[144] انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 414، ورياض الريس، مرجع سابق، ص 85-62.
[145] الكيلاني، مرجع سابق، ص 493.
[146] حول اجتياح جنوب لبنان سنة 1978، انظر: المرجع نفسه، ص 486-487، وعبد الستار قاسم وغازي ربابعة، "الحروب العربية الإسرائيلية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 309.
[147] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 638-641.
[148] الكيلاني، مرجع سابق، ص 487-488.

حرب 1982:[149]
هدف الكيان الإسرائيلي من حرب 1982 إلى ضرب المقاومة الفلسطينية في لبنان وتدمير بنيتها العسكرية، والقضاء على مشروع الثورة الفلسطينية بتحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح، وجرّها إلى مشاريع التسوية وفق الشروط والمعايير "الإسرائيلية"، خصوصاً وأن الأنظمة العربية هجرت الخيار العسكري أو لم تعد تراهن عليه. واستفاد الكيان الإسرائيلي من ظروف خروج مصر من الصراع العربي - الإسرائيلي بعد توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر 1978، ومن انشغال العرب بالحرب العراقية ـ الإيرانية، فضلا عن الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي الذي ازداد قوة في ولاية الرئيس ريغان.

وقد ادعى الكيان الإسرائيلي أن هدف الحرب هو تحقيق "سلامة الجليل" أي حماية المستوطنات اليهودية في شمال فلسطين المحتلة من الصواريخ والعمليات الفلسطينية. مع العلم أنه لم تحدث عمليات من هذا النوع منذ 24 يوليو 1981 وحتى 4 يونيو 1982. بينما قام الكيان الإسرائيلي في الفترة نفسها بخرق المجال الجوي اللبناني 2125 مرة، وخرق المياه الإقليمية اللبنانية 652 مرة، فضلاً عن بعض حوادث الانتهاك براً.

بدأ الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان في 4 يونيو 1982 واشترك فيه 125-150 ألف جندي (من أصل 170 ألفاً هم قوام الجيش "الإسرائيلي" العامل) تساندهم 1600 دبابة، و1600 ناقلة جنود مدرعة، و600 مدفع وراجمة صواريخ، والقوات الجوية والبحرية، أي أنها كانت حرب اقتلاع للوجود العسكري الفلسطيني، في جو من الاطمئنان إلى عدم وجود أي تحرك عربي جاد، فتركت الحدود شبه فارغة مع البلاد العربية الأخرى.

وقد تمكنت القوات "الإسرائيلية" من اجتياح جنوب لبنان ووسطه بسرعة كبيرة تساندها القوى الكتائبية، وفي يوم 9 يونيو كانت قد وصلت إلى مشارف بيروت. وقد حاولت القوات السورية المتمركزة في البقاع والشوف التصدي لها، لكن القوات "الإسرائيلية" تمكنت من تدمير شبكة الصواريخ السورية، وأسقطت في معارك جوية مائة طائرة عسكرية سورية فانكشفت القوات السورية البرية أمام الطيران الإسرائيلي، واضطرت القوات السورية للانسحاب بعيداً عن محاور القتال منذ 11 يونيو.

وقد استمرت معركة بيروت 65 يوماً (9 يونيو - 12 أغسطس 1982). ووصلت القوات "الإسرائيلية" إلى طريق بيروت دمشق، ودخلت بيروت الشرقية في 11 يونيو حيث قصر الرئاسة في بعبدا، وحيث وجدت ترحيباً من تحالف القوات اللبنانية الكتائبية. وقد أكملت حلقة حصارها على بيروت الغربية في 14 يونيو حيث تجمع فيها نحو 12- 13 ألف مقاتل فلسطيني واللواء السوري الـ85. وقد قررت المقاومة الفلسطينية الصمود، وقدمت نموذجاً لملحمة بطولية، فشل العدو خلالها وعلى مدى شهرين من احتلال رقعة صغيرة هي منطقة بيروت الغربية، رغم شراسة القصف والحصار ومحاولات الاقتحام والهجمات براً وبحراً وجواً، واستخدام أحدث وأشد وسائل الدمار. وفي 30 يونيو كان قد استشهد نحو 15 ألف مدني من جراء الغزو الإسرائيلي.

وقد اضطرت القوات "الإسرائيلية" للموافقة على وقف إطلاق النار في 12 أغسطس 1982، بعد أن فشلت في احتلال بيروت الغربية. غير أن القوات "الإسرائيلية" حققت أهدافها بشكل عام. إذ اقتضت الترتيبات خروج المقاومة الفلسطينية وقيادة م.ت.ف من لبنان بعد أن تجمعت في بيروت، مما أدى إلى خروج حوالي 11 ألف فلسطيني مقاتل (نحو 8300 من المنظمات الفدائية 2600 من جيش التحرير الفلسطيني و175 جريحاً) وذلك وفق ترتيبات تضمن سلامتها، وقد تم ذلك في الفترة 21 ـ 31 أغسطس 1982، حيث توجه المقاتلون الفلسطينيون إلى معسكرات في سوريا والعراق وتونس واليمن (الشمالي والجنوبي) والجزائر والسودان. ولم تحترم القوات "الإسرائيلية" تعهداتها، فقد اقتحمت بيروت الغربية بعد أسبوعين من خروج المقاومة الفلسطينية، وأشرفت بنفسها على تنفيذ قوات الكتائب والوطنين الأحرار وغيرهم من القوى المسيحية المتعصبة لمذابح صبرا وشاتيلا في 16- 18 سبتمبر 1982 والتي أدت إلى استشهاد نحو 3500 فلسطيني ولبناني من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ ...

أَدّت حرب 1982 إلى استشهاد وجرح نحو 55 ألف فلسطيني ولبناني، وإلى تدمير معظم البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في لبنان بحيث لم تعد تشكل خطراً جاداً على الكيان الصهيوني، ووجدت م.ت.ف نفسها بعيدة عن فلسطين، محرومة من العمل العسكري في دول الطوق.[150] وكسب تيار "الواقعية" في م.ت.ف دفعات جديدة باتجاه تبني الحلول السلمية، وأخذ تركيز م.ت.ف ينصب بعد ذلك على النضال السياسي. وعانت من محاولات فرض الهيمنة عليها أو تجاوزها، كما عانت من الاختلافات الداخلية، ووقع انشقاق في حركة فتح بزعامة أبو موسى. ورغم البطولات التي أبداها المقاتلون الفلسطينيون، فإن حرب 1982 كشفت عن اختراقات وترهلات ونقاط ضعف في جسد الثورة، كما دفعت إلى مراجعة الايديولوجية التي يجب أن ينبني عليها الصراع مع العدو.

ولم تدم سعادة الكيان الصهيوني بتحقيق أهدافه، إذ سرعان ما ظهرت المقاومة اللبنانية ممثلة خصوصا بحزب الله، حيث حولت الجنوب اللبناني إلى ساحة حرب توالت فيها العمليات اليومية وسقوط القتلى "الإسرائيليين". فقد جرى اغتيال الزعيم الكتائبي بشير الجميل الذي نصبته "إسرائيل" رئيساً على لبنان بعد أيام من انتخابه. وتم تدمير مقر القيادة العامة للقوات "الإسرائيلية" في صور في 12 نوفمبر 1982 حيث قتل 75 عسكرياً "إسرائيلياً"، وهوجم مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور في 4 نوفمبر 1983 وقتل 19 إسرائيلياً. وأفشلت القوى الوطنية الإسلامية الوجود المشبوه للقوات متعددة الجنسيات في لبنان، فدمرت السفارة الأمريكية في بيروت في 18 أبريل 1983 وقتلت 80 شخصاً، ودمرت مقر قيادة القوات الأمريكية في 23 أكتوبر 1983 وقتلت 239 جندياً. كما ضربت مقر قيادة القوة الفرنسية في 23 أكتوبر و21 ديسمبر 1983 مما أدى إلى مقتل 71 جندياً. وتمكنت المقاومة من إفشال الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والكيان الإسرائيلي الذي وُقِّع في 13 مايو 1983، حيث تم إسقاطه في 5 مارس 1984، لأنه اتفاق ينتقص من الحقوق اللبنانية الكاملة في السيادة والاستقلال. كما أخذت المقاومة الفلسطينية تعود شيئاً فشيئاً إلى لبنان - وإن بدرجة أقل مما سبق - وتتولى القيام ببعض العمليات والدفاع عن المخيمات الفلسطينية.[151]
وقد اضطرت القوات الإسرائيلية للانسحاب في 4 سبتمبر 1983 إلى خط نهر الأولي، ثم قررت في 14 يناير 1985 تحت الضربات القاسية للمقاومة إلى الانسحاب من كثير من المناطق على ثلاث مراحل أتمتها في يونيو 1985، وأبقت قواتها فقط في الشريط الحدودي، الذي عهدت بإدارته إلى عميلها إنطوان لحد. وهو شريط في جنوبي لبنان يتاخم الحدود مع فلسطين وبعمق 5 ـ 20كم داخل لبنان.[152] وقد توالت ضربات المقاومة للقوات الإسرائيلية وعملائها في هذا الشريط حتى تم تحريره في 24 مايو 2000.

ثالثاً: مرحلة 1987-2001:
كانت أبرز مظاهر المقاومة المسلحة للمشروع الصهيوني في هذه المرحلة الانتفاضة المباركة، وانتفاضة الأقصى، وهزيمة الكيان الإسرائيلي في جنوب لبنان وانسحابه. وتميزت هذه المرحلة بأن القوى الفلسطينية الأساسية التي تبنت المقاومة المسلحة طوال العشرين سنة السابقة ممثلة في قيادة م.ت.ف وحركة فتح قد جنحت إلى خط التسوية السلمية. بينما ظهرت فصائل فلسطينية جديدة تبنت العمل العسكري وفق منظور إسلامي جهادي، وبرعت في تنفيذ العمليات العسكرية في الداخل. فتولت حماس قيادة الفعاليات الجهادية وإلى جانبها - وإن بدرجة أقل - حركة الجهاد الإسلامي.
وكان من مظاهر هذه المرحلة أن مركز الثقل في المقاومة المسلحة انتقل إلى الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن كان متركزاً في الخارج. وفيما يلي أبرز مظاهر المقاومة المسلحة.

الانتفاضة المباركة:
حدثت شرارة الانتفاضة المباركة في يوم 9 ديسمبر / كانون أول 1987 إثر استشهاد أربعة عمال فلسطينيين في حادث دهس متعمد في اليوم الذي سبقه. وقد قررت حركة الإخوان المسلمين منذ تلك الليلة المشاركة في الانتفاضة وتوجيهها، فبدأت -بترتيبها - المظاهرات العارمة بعد صلاة الفجر 9 ديسمبر من مسجد مخيم جباليا، وسقط الشهيد حاتم أبو سيس، ثم سقط الشهيد رائد شحادة في مظاهرة أخرى قرب مستشفى الشفاء. (وأصدر الإخوان المسلمون بيانهم الأول باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 13 ديسمبر 1987 التي عدّوها امتداداً لهم وجناحهم الضارب). وتوالى سقوط الشهداء واتسعت المظاهرات لتعم أرجاء الضفة والقطاع وليشارك فيها كافة أبناء الشعب.[153] وتميزت هذه الانتفاضة بأربعة مظاهر:

الأول: أن أهل "الداخل" المحتل (الضفة والقطاع) أخذوا زمام المبادرة النضالية الجهادية، بعد أن كانت بيد العمل من "الخارج".
الثاني: أن التيار الإسلامي شارك بقوة وعنف وفاعلية، وبرز على ساحة المواجهة بحجم منظم مؤثر.
الثالث: أنها شملت كافة قطاعات الشعب الفلسطيني واتجاهاته وفئاته العمرية.
الرابع: أنها اتسمت بالجرأة والتضحية، والمشاركة الواسعة للأطفال والفتيان والنساء، وبالمظاهر النبيلة من إيثار وتعاون وشهامة، وبالقضاء على مظاهر العمالة والفساد من خمور ودور لهو ...

وتميزت المرحلة الأولى من الانتفاضة بالمواجهات الشعبية الواسعة والإضرابات، والمظاهرات، ومقاطعة الإدارة المدنية الصهيونية، وتنظيف المجتمع من العملاء ومروجي الفساد والمخدرات. وبعد نحو أربع سنوات أخذت تبرز المرحلة الثانية التي شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الصهاينة مع تراجع الأنشطة الجماهيرية الواسعة. وقد عدّت حركة فتح وحلفاؤها في م.ت.ف اتفاقية أوسلو (سبتمبر 1993) نهاية للانتفاضة فأوقفت فاعلياتها، أما الجهات الأخرى وخصوصا حماس والجهاد الإسلامي فقد استمرتا في فاعلياتهما، بل وصعّدتا من عملياتهما الجهادية. غير أن تشكيل السلطة الفلسطينية في الأرض المحتلة في مايو 1994 أفقد الانتفاضة كثيراً من وهجها، كما أفقدها المشاركة الشعبية الجماهيرية اليومية، فاقتصر الأمر بشكل أكبر على أعضاء الحركات والتنظيمات.

ومن جهة أخرى، عدّت م.ت.ف الانتفاضة رافعة لها من محاولات العزل والتهميش والتجاوز، فسعت لتوظيف الانتفاضة في تحقيق إستراتيجيتها للوصول إلى تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني تؤدي إلى انسحابه من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية على أراضيها. فبعد أسبوعين من بدء الانتفاضة دعت م.ت.ف إلى إضراب عام يوم 21 ديسمبر 1987، وبدأت صور ياسر عرفات وشعارات المنظمة بالظهور. وشكلت م.ت.ف "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة" التي شاركت فيها فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، وصدر بيانها الأول في 8 يناير 1988.[154] وهكذا بدأ يتنازع قيادة الانتفاضة تياران هما التيار الإسلامي وتيار م.ت.ف باستراتيجيات مختلفة وأهداف متباينة، ولكن بفعاليات جهادية نضالية متشابهة تقريبا ضد العدو، تمثلت في المظاهرات والإضرابات وقذف الصهاينة بالحجارة وقنابل المولوتوف الحارقة ... وغيرها. وكانت الجماهير تستجيب لكلا التيارين، وتلتزم بالإضرابات التي يدعوان إليها.

وقد قام الكيان الإسرائيلي بإجراءات لا مثيل لها لقمع الانتفاضة، فاستخدم الرصاص الحي، ورصاص الدمدم المحرم دولياً، وأساليب تكسير عظام المتظاهرين، ومختلف أشكال تعذيب الأسرى، ومنع السفر، وقطع المواصلات والاتصالات الهاتفية، ومصادرة الهويات، وهدم المنازل، وقام بمصادرة الأراضي في الضفة والقطاع بوتيرة عالية، حيث بلغت المصادرة خلال سنوات الانتفاضة 457834 دونماً (وهي مساحة تزيد عن مساحة كل قطاع غزة بنحو 94كم مربع). وشملت الإجراءات الإسرائيلية الحصار التمويني وإغلاق الأسواق وإتلاف المحاصيل الزراعية، ومحاولات كسر الإضرابات التجارية. وتعرضت المؤسسات التعليمية والصحية الفلسطينية لعمليات الإغلاق والمداهمة، فضلا عن انتهاك حرمة المساجد.[155]
وحسب إحصائية أعدتها م.ت.ف فإن السنوات الست الأولى للانتفاضة (ديسمبر 1987 - ديسمبر 1993) قد شهدت استشهاد 1540 فلسطينياً، وبلغ عدد الجرحى 130 ألفاً، كما اعتقل حوالي 116 ألفاً لمدة مختلفة.[156] وكان من بين شهداء الانتفاضة 353 طفلاً دون السادسة عشر من العمر.[157]

وتعد الانتفاضة المباركة من أروع وأنبل ما شهده تاريخ فلسطين، بل والتاريخ الإنساني، عندما واجه شعب أعزل بأطفاله ونسائه وشيوخه إحدى أعتى وأقسى القوى في العالم، والمدججة بأحدث أسلحة البطش والدمار. وانشَدَّ العالم إليه مُعجباً ومبهوراً بـ"العين التي تحدَّت المخرز" وبالحجر الذي واجه الرصاصة والدبابة. وكان من أبرز إنجازات الانتفاضة:
- أثبتت للكيان الإسرائيلي فشل كافة أساليبه في تركيع وإذلال الشعب الفلسطيني . وأثبتت للعالم أن هناك شعباً مظلوماً، أرضه محتلة، ويريد أن يعيش حراً مستقلاً.
- فضحت الوجه القبيح للكيان الإسرائيلي، وكشفت زيف ادعاءاته المتعلقة بالمدنية والديموقراطية، وأظهرته قوة اغتصاب وإجرام وقهر للآخرين.
- وجهت الانتفاضة ضربة قوية لمظاهر الاحتلال ومؤسساته، وخصوصا الجواسيس والعملاء المتعاونين مع جهاز المخابرات، وتمت تصفية نحو 900 منهم.
- عالجت الانتفاضة بكثير من النجاح مظاهر الفساد الخُلقي والاجتماعي، وتضاعفت مظاهر التدين، وتحقق قدر عال من التكافل والتراحم والإيثار، وظهر جيل جديد من الشباب والفتيان، يمتاز بالشجاعة والثقة بالنفس والاستعداد للتضحية والاستشهاد.
- عادت القضية الفلسطينية لتتصدر قائمة الاهتمامات الدولية، ولتثبت أنها تستعصي على الضياع أو الذوبان.
- أظهرت الانتفاضة قوى جديدة، أصبحت ذات تأثير فاعل في الساحة الفلسطينية ممثلة بحماس والجهاد الإسلامي.
وقد كان من نتائج الانتفاضة أن عاد الوهج والألق لـ م.ت.ف وقيادتها مرة أخرى، وفرضت نفسها على الساحة من جديد.

انتهت الانتفاضة المباركة بتوقيع م.ت.ف لاتفاقية أوسلو (سبتمبر 1993)، وبدء مرحلة الحكم الذاتي في أجزاء من الضفة والقطاع (مايو 1944). غير أن حماس والجهاد الإسلامي استمرتا في فعالياتهما الجهادية وعملياتهما العسكرية النوعية، وخصوصاً الاستشهادية. فقد ردَّت حماس على مذبحة الحرم الإبراهيمي (فبراير 1994) بخمس عمليات عنيفة، وردت على استشهاد يحيى عياش (الذي كان مهندساً لعمليات أدت لمقتل 70 صهيونياً وجرح 340 آخرين) بعدة عمليات في 25 فبراير ـ 4 مارس 1996، هزت الكيان الصهيوني وأفقدته صوابه، واستدعت عقد مؤتمر دولي بمشاركة الدول الكبرى بهدف ما أسموه "محاربة الإرهاب".[158] ورغم محاربة السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي (بالتعاون مع المخابرات الأمريكية) بكل شراسة وعنف للقوى المجاهدة، فقد تمتعت حماس بثقل جماهيري واسع، وكان لها الدور الأكبر في الاستمرار في العمليات العسكرية، وإلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي التي قامت بالعديد من العمليات النوعية المتميزة التي أفقدت العدو صوابه.

هبّة الدفاع عن الأقصى:
يقوم المسلمون في فلسطين بالسهر على حماية المسجد الأقصى ورعايته، إذ إن الاحتلال اليهودي - الصهيوني يستهدف تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه. وهناك 25 منظمة يهودية متطرفة تسعى لتحقيق هذا الغرض. وعادة ما يجتمع المسلمون بالآلاف للدفاع عن حرمة الأقصى (وهم لا يملكون إلاّ حجارتهم ولحوم أجسادهم) كلما حاول اليهود انتهاك حرمته.

ففي 8 أكتوبر 1990 حاولت جماعة "أبناء الهيكل" اليهودية وضع حجر الأساس لبناء الهيكل اليهودي في ساحة المسجد الأقصى، فقام المسلمون يدافعون عن حرمته، مما أدى لاستشهاد 34 وجرح 115 آخرين، بعد أن تمكنوا من إفشال المخطط اليهودي.[159]

وفي 24 سبتمبر 1996 قامت السلطات اليهودية بافتتاح نفق أسفل المسجد الأقصى، مما أدى إلى انتفاضة غضب عارمة شملت مدن وقرى فلسطين، ووقعت اشتباكات واسعة مع الشرطة والجيش الإسرائيلي، الذي استخدم الأسلحة المختلفة وطائرات الهيلوكبتر لقمع الانتفاضة. وتدخلت الشرطة الفلسطينية للدفاع عن الفلسطينيين ضد الهجمات الإسرائيلية، واستمرت الأحداث ثلاثة أيام 25 - 27 سبتمبر 1996، مما أدى لاستشهاد 62 فلسطينياً وجرح 1600 آخرين، وقتل 14 جندياً إسرائيلياً وجرح 50 آخرين.[160]

تحرير جنوب لبنان: 24 مايو 2000
نجح الكيان الإسرائيلي في احتلال شريط حدودي في جنوب لبنان في مارس 1978 (أكثر من 10%من مساحة لبنان) سعيا لإقامة منطقة أمنية عازلة تمنع ضرب الأهداف الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة. ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 425 بتاريخ 19 مارس 1978 القاضي بانسحاب الكيان الإسرائيلي من جنوب لبنان، إلا أن الكيان أصر على استمرار الاحتلال، ودعم إقامة جيش لبنان الجنوبي العميل ... وقد توسع الصهاينة في الاحتلال عندما اجتاحوا جنوب ووسط لبنان سنة 1982، لكن سرعان ما اضطروا للتراجع إلى منطقة "الحزام الأمني" سنة 1985 بسبب ضربات المقاومة اللبنانية.

وقد برز "حزب الله" في عمليات المقاومة بشكل رئيسي، وإلى جانبه قوى المقاومة الإسلامية والوطنية. وحولوا حياة الجنود الإسرائيليين وجيش العملاء إلى جحيم لا يطاق. وتمكن حزب الله من تحقيق نظام أمني واستخباراتي راقٍ أعانه على توجيه ضربات عنيفة ومفاجئة لقوى الاحتلال. واعترف جدعون عزرا أحد الخبراء الصهاينة أن "حزب الله أصبح أول قوة عربية تتغلب على "إسرائيل" في مجال الاستخبارات".[161] وقد استفاد حزب الله من دعم إيران له في مجالات التدريب والتمويل والتسليح. وتكون ذراعه العسكري من ستة آلاف مقاتل، وتتبعه وحدات هندسية، واستخبارات ميدانية، ومدفعية، وطبية. كما استطاع حزب الله العمل في بيئة شعبية مؤيدة، خصوصاً وسط القاعدة الشيعية حيث بنى شبكة خدمات تعليمية واجتماعية ودينية واسعة، كما تكفل بعائلات الشهداء والجرحى والمعتقلين، فضلاً عن امتلاكه لمحطة راديو وتلفزيون ومجلات أسبوعية ومواقع إنترنت، تخدم كلها بشكل منهجي فكر الحزب، وتبث روح المقاومة.[162]

وقد قام الكيان الصهيوني بمئات الهجمات على مواقع حزب الله وقوى المقاومة لكنه فشل من اقتلاع جذوة المقاومة التي كانت ترد من جهتها بقصف المستعمرات اليهودية في شمال فلسطين. وفي سنة 1993 قامت القوات الإسرائيلية بهجوم شامل تحت اسم "عملية تقديم الحساب" توغلت فيه في الجنوب اللبناني، وهاجمت مواقع حزب الله براً وبحراً وجواً، لكنها لاقت مقاومة عنيفة، واضطرت للانسحاب تحت ضربات حرب العصابات، وبناء على اتفاق شفوي على أساس ألا يطلق حزب الله أو القوات الإسرائيلية النار على المدنيين. واستمر حزب الله في عملياته ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية وجيش العملاء، وعادة ما كانت القوات "الإسرائيلية" تقوم بالرد فإذا ما أصابت قذائفها المدنيين كان حزب الله يضرب الأهداف المدنية الإسرائيلية. وعندما ضاق الكيان "الإسرائيلي" ذرعاً قام بحملة قصف كبيرة تحت اسم "عناقيد الغضب" 11-27 إبريل 1996 استخدم فيها الطائرات والمدافع والبحرية ولكن دون زحف برِّي، ووجهت ضرباتها للمدنيين والمنشآت العامة فضلاً عن حزب الله، وارتكبت مجزرة قانا عندما أطلقت صواريخها على ملجأ للمدنيين فقتلت أكثر من مائة من الأبرياء. وقد فشلت "عناقيد الغضب" في تحقيق أهدافها، واضطر الكيان الإسرائيلي للموافقة على عدم ضرب المدنيين، بينما خرج حزب الله أكثر قوة، واستمر في عملياته ضد الأهداف العسكرية.

وتحول بذلك جنوب لبنان إلى عبء أمني كبير على الكيان الإسرائيلي، وتحول الجنود الصهاينة إلى أهداف متحركة لعمليات المقاومة. ولم ينفع جيش العملاء المكون من ثلاثة آلاف عنصر والذين تزيد ميزانيته عن مائة مليون دولار في حماية الأمن الإسرائيلي فضلاً عن حماية نفسه. ولذلك قرر الكيان "الإسرائيلي" الانسحاب، حيث خرجت آخر فلوله من الجنوب اللبناني في 24 مايو 2000. وكان ذلك أبلغ درس على قيمة العمل العسكري والروح الجهادية في إجبار الكيان الإسرائيلي على الرضوخ والانسحاب، ولولا ذلك لظل هناك لما له من أطماع تاريخية توسعية في المنطقة. غير أن منطقة صغيرة هي مزارع شبعا ظلت محتلة ولا تزال ضربات المقاومة توجه إلى العدو هناك.

يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
morad
مدير المنتدى
morad


عدد المساهمات : 277
نقاط : 1203
تاريخ التسجيل : 08/02/2010
العمر : 38
الموقع : نجوم الونشريس

بطاقة الشخصية
خاصية الرسائل:

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:43 am

merci mon amis
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://nojomelwancharis.mam9.com
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:48 am

انتفاضة الأقصى: 28 سبتمبر 2000 – يناير 2003
لقد كانت زيارة الإرهابي أرييل شارون زعيم حزب الليكود الاستفزازية إلى حرم المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000 هي الشرارة التي فجرت الانتفاضة، وكان واضحاً أن ثمة مباركة وتأييداً من رئيس الحكومة الصهيونية باراك للزيارة حيث زوده بستمائة جندي لمرافقته، واستنفر 3000 جندي وشرطي في القدس وأحيائها. وصمم المسلمون على الدفاع عن الأقصى، حيث سقط في المواجهات الأولى خمسة شهداء، وجرح أكثر من مائة.

وكانت عناصر اشتعال الوضع وأسباب تفجيره جاهزة، فقد وصلت مفاوضات التسوية السلمية إلى طريق مسدود، وتأكدت الأطماع الصهيونية اليهودية في القدس والمسجد الأقصى، وظهر التعنت الإسرائيلي في قضايا اللاجئين والمستوطنات، واستمر الصهاينة في مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات. ولم يكونوا مستعدين للتنازل، ولا لتنفيذ القرارات الدولية، عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجوهرية الحاسمة.

وبدا لباراك أن "الحل الوحيد الذي لاح في الأفق كان دفع الوضع إلى الإنفجار"، كما قال بنفسه في اجتماع سري في 25 أكتوبر 2000[163]. ولعله أراد إظهار مزيد من التصلب، وتحقيق مزيد من الشعبية وسط المجتمع الصهيوني، واستثمار ذلك في وقف عملية التسوية أو إدخالها في أزمات متتالية، في الوقت الذي تزداد فيه عمليات الهجرة اليهودية ومصادرة الأراضي والاستيطان، ليتسنى تحقيق مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية، التي أثبتت السنوات الماضية قابليتها للتنازل والتراجع، وتخفيض سقف مطالبها.

لكن الصهاينة وُوجهوا ببركان غضب عارم ليس في فلسطين وحدها، وإنما في العالم الإسلامي أجمع، وحيثما وجدت الجاليات الإسلامية، وأبطل الله سبحانه وتعالى حسابات الصهاينة ومكرهم، وبرز الأقصى عصياً على الخضوع والاغتصاب عندما استعدّت الملايين أن تفديه ـ والأرض المباركة ـ بأرواحها، وأفرزت الانتفاضة عدداً من الحقائق والمؤشرات أهمها:

الأولى: أن الأمة الإسلامية لا تزال حية، رغم الجراح التي أثخنتها، وأن روح المقاومة والصمود والاستعداد للبذل والتضحية لم تخمد. فقد خرجت المظاهرات بعشرات الآلاف بل بمئات الآلاف في بلدان العالم الإسلامي، من الرباط في أقصى المغرب وحتى جاكرتا في أقصى المشرق الإسلامي،كلها تهتف للأقصى والقدس وفلسطين، وتطالب بالجهاد، وتقدم ما لديها من تبرعات ودعم. فكانت لحظات رائعة من أخوة الإسلام ووحدة الأمة. وظهرت تجليات الإمكانات الكبرى لهذه الأمة لتحقيق النصر لو سلكت طريق الجهاد.

الثانية: أن قضية فلسطين ـ بأرضها المباركة وبقدسها وأقصاها ـ قضية تجمع المسلمين وتوحدهم، بل وتكون سبباً في تجاوز خلافاتهم والتركيز على العدو الصهيوني المشترك. وأن هذه القضية غدت القضية المركزية للعالم الإسلامي، فلا قضية تجمعهم كهذه القضية، ولا عدو يجتمعون ضده كهذا العدو.

الثالثة :وجهت الانتفاضة ضربة قاسية لمشروع التسوية السلمية والتطبيع مع العدو، وبرز الخيار الجهادي كخيار أمثل.
الرابعة: أن هذه الانتفاضة انعكست على طريقة تفكير الناس وأسلوب حياتهم اليومي، فاشتد العداء للمشروع الصهيوني، واشتد العداء ضد أمريكا، وتكرست الروح الجهادية وروح التكافل، وتجاوبت الجماهير مع دعوات مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، حتى غيّر الملايين من أسلوب طعامهم وشرابهم اليومي، ومن لباسهم ووسائل تنقلهم واتصالاتهم وترفيههم، فكانت مدرسة تربوية اجتماعية شعبية، ربما احتاجت حركات الإصلاح سنوات للوصول إلى مثل نتائجها. فانخفضت مثلاً مبيعات مطاعم الوجبات السريعة ( مكدونالدز، و K.F.C ) بنحو 80% في السعودية، وانخفضت مبيعات مشروبات البيبسي كولا بنسبة 46% في مصر (وذلك حسب بعض التقديرات التي نشرت في نوفمبر 2000)، واتجه الناس للمأكولات والمشروبات الشعبية، بل واضطرت الشركات الأجنبية الأمريكية لإنزال إعلانات عدم العلاقة بالكيان الصهيوني، بل والتبرع لضحايا الانتفاضة، كما حدث مع مطاعم مكدونالدز التي تبرعت بريال سعودي لكل وجبة طعام، لعلاج جرحى الانتفاضة[164]. وتحولت مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية إلى محلات مهجورة في كثير من الأماكن، وذلك بعد أن كانت تشهد إقبالاً متزايداً قبل الانتفاضة[165]. واعترف السفير الأمريكي في السعودية بخسارة بلاده لمئات الملايين من الدولارات في النصف الأول من سنة 2002 نتيجة حملات المقاطعة في السعودية. وتردد في شهر فبراير 2003 أن شركة كوكاكولا تدرس الانسحاب من السوق المصرية نتيجة خسارتها أكثر من نصف رأسمالها بسبب حملات المقاطعة[166].

الخامسة: أن التسوية السلمية قائمة على الظلم والغصب، وأن جماهير الفلسطينيين والعرب والمسلمين ترفض التنازل عن حقوقها في الأرض المقدسة، وأنها لا تأمل من الغاصب الصهيوني سلاماً ولا خيراً، وأنها ترى في الجهاد الوسيلة الأنجع لاسترداد الحقوق.

السادسة: برزت أهمية الإعلام ودوره في التعبئة، إذ تمكن المسلمون من كسر الطوق الإعلامي الغربي المتصهين، من خلال الفضائيات العربية، وخدمات الانترنت والبريد الإلكتروني، وخصوصاً في المراحل الأولى من الانتفاضة.

ومن جهة أخرى، فقد تميزت هذه الانتفاضة بالمشاركة الشعبية الواسعة في كل أرجاء فلسطين المحتلة، وبمشاركة كافة التيارات الفلسطينية. كما تميزت في الوقت نفسه، بشدة القمع الصهيوني الذي تمادى في قتل الأطفال والأبرياء واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وانكشفت سوءات أدعياء السلام "الصهاينة" الذين تباروا في سحق الانتفاضة المباركة.

وقد ثبت أبناء فلسطين ثباتاً بطولياً طوال الانتفاضة، ولا يزالون. وعلى الرغم من اختلاف المصادر في التحديد الدقيق لخسائر الانتفاضة وأعداد الضحايا، إلا أننا نختار هنا أرقام مركز المعلومات الوطني الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية، وهي تميل إلى التوسط والاعتدال. وتشير إحصاءات هذا المركز إلى أن عدد شهداء الانتفاضة منذ اندلاعها في 29 سبتمبر 2000 وحتى 31 يناير 2003 كان 2271 شهيداً، بينهم 401 تحت سن الثامنة عشر. أما عدد الجرحى فبلغ خلال الفترة نفسها 33637 جريحاً. انظر الجدول المرفق المستخلص من إحصاءات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني[167]:

الشهداء الجرحى
الضفة الغربية قطاع عزة المجموع الضفة الغربية قطاع غزة المجموع
29/9 - 31/12/2000 193 126 319 6575 4798 11373
سنة 2001 342 253 595 7927 3660 11587
سنة 2002 803 479 1282 8010 1895 9905
شهر يناير 2003 34 41 75 602 170 772
المجموع 1372 899 2271 23114 10523 33637

أما تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية للفترة نفسها (29 سبتمبر 2000 - 31 يناير 2003) فتزيد عن 2800 شهيد، بينهم أكثر من 530 شهيداً دون سن الثامنة عشر. وتضيف إحصاءات وزارة الصحة إلى قائمتها الشهداء الذين لم يُسجّلوا رسمياً، والمرضى الذين تُوفُّوا نتيجة منع الصهاينة سيارات الإسعاف من نقلهم للمستشفيات[168].

وقد تعمد الصهاينة إطلاق النار بقصد القتل وليس لتفريق المظاهرات، أو مجرد مواجهة حجارة المنتفضين، فذكرت التقارير أن 65% من الإصابات كانت في الجزء العلوي من الجسد، أي في الرأس والرقبة والصدر والبطن، وأن 40% من الإصابات كانت باستخدام أسلحة محرمة دولياً مثل رصاص الدمدم الذي يتفجر في الجسد، ورصاص 500، و 800 الذي يستخدم عادة ضد الدبابات!!، وكانت نسبة 40% من الإصابات ليافعين وأطفال تحت سن 18 سنة[169]. كما تبنى الصهاينة سياسة الاغتيال السياسي لنشطاء الانتفاضة، حيث استشهد من جراء ذلك حتى نهاية ديسمبر 2002 نحو 180 فلسطينياً من مختلف الفصائل الفلسطينية[170] مثل جمال منصور وجمال سليم من قيادات حماس، ومثل أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الفلسطيني (الناشئ المنهك) قد خسر في السنتين الأوليين للانتفاضة نحو 11.7 مليار دولار، أي بمعدل خسارة يزيد عن 16 مليون دولار يومياً. وأن الناتج المحلي انخفض بنسبة 70%، وارتفعت نسبة البطالة من 11% قبل الانتفاضة إلى 65% وتصل إلى 85% في حالات الإغلاق والحصار. كما تشير التقديرات ذاتها إلى أن معدلات الفقر وصلت إلى 70%[171]. وفضلاً عن ذلك فقد قام الصهاينة بتدمير - أو إلحاق أضرار كبيرة - بأكثر من 11 ألف منـزل، واجتثوا مئات الآلاف من الأشجار المثمرة.

غير أن كافة الأساليب القمعية لم تفلح في قمع الانتفاضة التي أخذت طابعاً عسكرياً زاد قوة مع تطور الأحداث، وتعمد الكيان الصهيوني أسلوب التعتيم الإعلامي، وإخفاء خسائره الحقيقية، وعدم الإعلان إلا عما لا يمكن إخفاؤه، وإعطاء أرقام أقل للحفاظ على معنويات المجتمع الصهيوني وجنوده، وعلى الثقة بالقيادة الصهيونية، وإشعار المجاهدين أن فعالياتهم وعملياتهم غير مؤثرة، فضلاً عن إضعاف روح التفاعل العربي والإسلامي مع القضية.

وقد شاركت الفصائل الفلسطينية كافة في العمليات العسكرية. وتميزت حركة حماس بدورها البارز وبعملياتها الاستشهادية التي أحدثت دوياً هائلاً، وزعزعت الأمن في الكيان الإسرائيلي حيث نفذ معظمها في فلسطين المحتلة سنة 1948. وحتى نهاية يناير 2003 حدثت نحو 90 عملية استشهادية نفذت حماس أغلبها وأكثرها أثراً. كما نفذت كل من كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي مجموعة من هذه العمليات. وقد بلغ عدد قتلى الكيان الإسرائيلي من العمليات الاستشهادية 297 قتيلاً من أصل 724 قتلوا في الفترة 29 سبتمبر 2000 وحتى 31 يناير 2003[172]، أي بنسبة 41% من مجموع القتلى. وقدمت كتائب شهداء الأقصى عدداً من الاستشهاديات اللاتي نفذن عمليات استشهادية أمثال وفاء إدريس وآيات الأخرس. وركزت كتائب شهداء الأقصى على عمليات إطلاق الرصاص ضد المستوطنين وقوات الاحتلال في الضفة والقطاع. وكان لحركة الجهاد الإسلامي دورها المتميز من خلال مجموعة من العمليات القوية المؤثرة، كما نفذت الجبهتان الشعبية والديموقراطية عدداً من العمليات. ومن العمليات التي تستحق الإشارة عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي "رحبعام زئيفي" وهو جنرال سابق في الجيش، ومن أشد الصهاينة تطرفاً. وقد نُفذت هذه العملية بجرأة وبراعة منتقمة لاغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى.
ويوضح الجدول التالي الخسائر البشرية الإسرائيلية خلال الفترة 29 سبتمبر 2000 وحتى 31 يناير 2003[173]:

جنود مدنيين المجموع
القتلى 218 506 724
الجرحى 1469 3593 5062

وقد بلغت عدد عمليات المقاومة الفلسطينية في سنة 2001 نحو 10400 وفي سنة 2002 نحو 5400 عملية، لكن العمليات الاستشهادية على قلتها النسبية كانت الأكثر أثراً. وينبغي الإشارة إلى أن كثيراً من الإصابات في صفوف "المدنيين" الإسرائيليين هي في الحقيقة إصابات في جنود احتياط، إذ إن كل اليهود تقريباً في فلسطين المحتلة فوق سن الـ 18 يخضعون للتدريب العسكري الإجباري، سواء كانوا من الرجال أم النساء. أما الأغلبية الكبرى للشهداء الفلسطينيين فهي من المدنيين.

وعلى الرغم من أسلوب الردع العنيف الذي تبنّاه الصهاينة، فإن هذه الانتفاضة قد أدت إلى سقوط حكومة حزب العمل الإسرائيلي بزعامة باراك، وهزيمة باراك الساحقة في انتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية 6 فبراير 2001، حيث اختار الصهاينة رجلاً أكثر دموية وتطرفاً، ومشهوراً بمذابحه ضد الفلسطينيين، هو أرييل شارون زعيم الليكود. ثم إنهم أعادوا اختيار شارون وحزبه في انتخابات 28 يناير 2003 ليستمر في سياسته القمعية الدموية، في محاولة يائسة لسحق الانتفاضة.

وفقد المجتمع الصهيوني شعوره بالأمن، وأصبح الصهاينة يتجنبون ركوب الحافلات، ويخففون من التسوق قدر الإمكان، لئلا يحدث انفجار في أي لحظة وفي أي مكان. وتبخرت أحلامه في فرض شروطه المهينة على العرب والمسلمين، وارتفعت جدران العداء والدماء من جديد لتوقف مد التسوية والتطبيع وتركيع المنطقة للمشروع الصهيوني. كما أعاد الكيان الصهيوني إلى أذهان العالم صورة وجهه البشع من جديد، وتحول نموذج استشهاد الطفل محمد الدرة -الذي رآه العالم- إلى كابوس يفضح الحقد والوحشية الصهيونية.

وقد عاني الكيان الصهيوني من تدهور وضعه الاقتصادي، والذي كان يشهد ازدهاراً كبيراً قبل بدء الانتفاضة. فقد تعطّلت السياحة تقريباً وهي التي تمثل ثاني أكثر مصدر للدخل. وحسب تقرير رسمي صادر عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية فإن سنة 2002 كانت الأسوأ من الناحية الاقتصادية في تاريخ الكيان الصهيوني منذ خمسين عاماً (سنة 1953). وذكر التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع بنسبة 1% سنة 2002، استمراراً لانخفاض بنسبة 0.9% سنة 2001 مقارنة بارتفاع 7.4% سنة 2000[174]، وارتفعت نسبة البطالة إلى 10.5% سنة 2002 ويتوقع أن ترتفع إلى 12% سنة 2003. وارتفع عدد الإسرائيليين تحت خط الفقر إلى 20% أي نحو مليون و 200 ألف. وانخفض المعدل السنوي لإنتاج الفرد بنحو ثلاثة آلاف دولار (من 18600 سنة 2000 إلى 15600 سنة 2002). وحسب تقرير القسم الاقتصادي في اتحاد المستقلين "لاهاف" فقد أغلق في سنة 2002 نحو خمسين ألف متجر كما يتوقع إغلاق عشرات الآلاف من المشاريع التجارية والمتوسطة سنة 2003[175]. وحسب بعض التقديرات فإن مجموع الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية خلال السنتين الأوليين للانتفاضة بلغت نحو 8 مليارات دولار أي نحو 11 مليون دولار يومياً.

وهكذا فإن الفرق الجوهري الذي أحدثته الانتفاضة هو أن الشعب الفلسطيني لم يعد الجهة الوحيدة التي تدفع ثمن الاحتلال والغطرسة الصهيونية من شهداء وجرحى ودمار، وإنما أصبح الكيان الإسرائيلي يدفع غالياً ثمن احتلاله وظلمه، وهو ما يذكرنا بقوله تعالى: "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون"[176].

لقد أحدثت هذه الانتفاضة هزة عميقة في الكيان الصهيوني، وأصابته في صميم القاعدتين اللتين بنى عليهما وجوده المادي، وهما الأمن والازدهار الاقتصادي. وأخذ عشرات الآلاف من اليهود يحزمون حقائبهم ويغادرون الكيان الصهيوني إلى أوربا وأمريكا وأستراليا، وأظهرت استطلاعات الرأي العام أن أكثر من 25% من اليهود في فلسطين يفكرون جدياً في المغادرة وترك البلاد. وأظهر استطلاع أجرته صحيفة الجيروزالم بوست الإسرائيلية يوم 29 نوفمبر 2002 أن 69% من الإسرائيليين يعيشون حالة الخوف من التعرض لإصابات أو الموت بسبب العمليات الاستشهادية[177]. وفي المقابل، فإنه على الرغم من قسوة المعاناة الفلسطينية فقد أظهر استطلاع للرأي نشر في 18 ديسمبر 2002 أن 80% من الفلسطينيين يؤيدون استمرار الانتفاضة، وأن 63% يؤيدون العمليات الاستشهادية[178].

ولا زال الكيان الصهيوني بقيادة الإرهابي شارون مصرّاً على قمع الانتفاضة، وإلغاء مكاسبها. وقد استفاد مؤخراً من أجواء انشغال العالم بأحداث تدمير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، وما تلاه من هجوم أمريكا وحلفائها على أفغانستان، ومحاولة القضاء على حركة طالبان وبن لادن... استفاد من ذلك ليستخدم أشرس ما في جعبته من قتل وتدمير وتخريب. لكن الخشية الحقيقية على هذه الانتفاضة تأتي من وسط الشعب الفلسطيني، وبشكل أكثر تحديداً من احتمالات تعاون السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في وأد الانتفاضة بحجة العودة إلى طاولة المفاوضات، وإمكانية تحقيق مكاسب سياسية.

المقاومة الشعبية العربية والإسلامية للمشروع الصهيوني
الإخوان المسلمون في حرب 1948 نموذجاً
كان هناك تعاطف شامل وواسع لدى شعوب العالم العربي والإسلامي مع محنة إخوانهم في فلسطين. وطوال تاريخ القضية في القرن العشرين شكلت الشعوب أدوات ضغط على حكوماتها للسعي لتحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني. وأسهمت كثير من المؤسسات الشعبية في العديد من المظاهرات، وإصدار البيانات، وإقامة مؤتمرات التضامن والتوعية، وفي جمع التبرعات. لكن الإطار الشعبي كان عادة ما يَتْرك (أو يجبر على تَرْك) الفعل العسكري لجيوش الأنظمة العربية. وكانت عادة ما تحدث مبادرات فردية تشارك مُتطوعةً ضمن فصائل العمل الفلسطيني.

وقد اخترنا الحديث عن نموذج الإخوان المسلمين في مشروع المقاومة لأن الإخوان استطاعوا منذ مرحلة مبكرة في أوائل الأربعينيات الانتشار التنظيمي في عدد من الأقطار العربية، بحيث امتلكوا القاعدة الأساسية لمشاركة عربية ـ إسلامية متعددة الجنسيات، مما لم يتوفر لغيرهم من معظم الاتجاهات والأحزاب. ولأن قضية فلسطين كانت قضية جوهرية محورية في فكر واهتمامات الإخوان في تلك الفترة وحتى الآن. ولأنهم أسهموا بشكل مباشر، وعلى نحو جادّ وفعال، ليس في العمل الدعائي والتعبوي وجمع التبرعات فقط، وإنما في المقاومة المسلحة والعمل العسكري. وربما كان أكثر ما يلفت النظر، أن مركز قيادة العمل والتحرك الجهادي وروحه الدافعة أتت أساساً من مصر وليس من فلسطين. أي لم تكن مشاركتهم رمزية ضمن إطار فلسطيني، وإنما كانت مشاركة واسعة في إطار عربي إسلامي، كان الإخوان الفلسطينيون جزءاً منه، بل وتابعاً لقيادات من جماعتهم من جنسيات أخرى، في إطار روح وحدوية متماسكة. كما أن النموذج الإخواني ظل نموذجاً شعبياً لم يصل إلى سدّة الحكم، ولم يستفد مباشرة من أدوات السلطة لإنشاء أحزاب أو حركات محسوبة على نظام حكمه.

وتكمن أهمية التجربة الإخوانية في إثبات روح الأمة الواحدة، وإمكان توسيع دائرة الصراع ضد العدو الصهيوني، وتعبئة طاقات الجماهير العربية والإسلامية باتجاه التحرير. ولعل الحزب القومي السوري وحزب البعث قد سعيا للمشاركة في حرب 1948، ولكن مشاركتهما كانت محدودة قياساً إلى حجم مشاركة الإخوان وأثرهم، ولذلك أيضاً مِلْنا للتركيز على نموذجهم.[179]
نشأة حركة الإخوان المسلمين وطبيعتها:
أسس الشيخ حسن البنا حركة (الإخوان المسلمين) في مارس عام 1928 في مدينة الإسماعيلية في مصر.[180]
وقد أراد الشيخ حسن البنا من تأسيس هذه الحركة إحياء معاني الإسلام الصحيحة في النفوس، والالتزام بتعاليمه عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة، وبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة، وتخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار بكافة أشكاله، وإقامة الخلافة الإسلامية الواحدة على بلاد المسلمين، وسيادة العالم.[181]
وقد اكتسبت جماعة الإخوان المسلمين من خلال هذا الطرح فهماً متكاملاً وشاملاً للطرح الإسلامي، بحيث شمل جوانب الحياة المختلفة، حيث أبدى الإخوان اهتماماً بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجهادية، بالإضافة إلى الجوانب العبادية والعقدية، فهي حسب تعبير مؤسسها الشيخ البنا "دعوة سلفية .. وطريقة سنية .. وحقيقة صوفية .. وهيئة سياسية .. وجماعة رياضية .. ورابطة علمية ثقافية .. وشركة اقتصادية .. وفكرة اجتماعية"،[182] كما عبر عن هذا الفهم الشعار الذي يردده الإخوان دائماً في لقاءاتهم وأنشطتهم: الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.[183]
وكان من الطبيعي بناءً على هذا الفهم أن يهتم الإخوان المسلمون بقضايا المسلمين المختلفة فيذكر الشيخ حسن البنا "إن كل أرض يقال فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله هي جزء من وطننا، له حرمته وقداسته، والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره"، ولأن فلسطين كانت أسخن القضايا الإسلامية الحساسة في ذلك الوقت ـ وما تزال ـ فقد أولاها الإخوان المسلمون دائماً "المقام الأوفى في عنايتهم واهتمامهم".[184]
الإخوان المسلمون وقضية فلسطين:
وقد بدأ اهتمام حركة الإخوان بقضية فلسطين يبرز بشكل واضح أمام عامة الناس مع انفجار الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939). فلقد نشط الإخوان المسلمون في الدعاية الإعلامية لقضية فلسطين في مصر نشاطاً كبيراً فشكلوا لجنة لمساعدة فلسطين، ودعوا إلى مشروع "قرش فلسطين" لدعم أهل فلسطين وثورتهم، وطبعوا المنشورات التي تهاجم الإنجليز وسياستهم في فلسطين، وركزوا في مجلتهم (النذير) على خدمة قضية فلسطين وإبرازها إعلامياً، واستفادوا من منابر المساجد للدعوة للقضية، وأرسلوا الطلاب في الصيف إلى أنحاء القطر المصري للدعوة للفكر الإسلامي وإلى مساعدة فلسطين، كما دعوا إلى مقاطعة المحلات اليهودية في مصر، ووزعوا كتاب "النار والدمار في فلسطين" (الذي أصدرته اللجنة العربية العليا) بشكل واسع في مصر فكان له أثر إعلامي عظيم، كما دعوا إلى القنوت في الصلاة من أجل فلسطين، كما أرسلوا الرسائل والبرقيات إلى المسئولين في الدولة وأصحاب النفوذ للتدخل لمساعدة فلسطين، والعمل الجاد على حل قضيتها.[185]
وعندما انعقد المؤتمر العربي لنصرة قضية فلسطين في "بلودان" في 10 سبتمبر 1937 أبرق حسن البنا باسم الإخوان المسلمين في مصر إلى المؤتمر برقية يعلن فيها استعداد جماعة الإخوان المسلمين للدفاع عن فلسطين بدمائهم وأموالهم.[186]
ونظم "الإخوان" وجمعية الشبان المسلمين مظاهرة كبرى في مصر في يونيو 1938 لنصرة فلسطين، وقد اصطدمت بالشرطة مما أدى إلى اعتقال 34 من المتظاهرين،[187] كما نظموا مظاهرة كبرى بمناسبة وعد بلفور في نوفمبر 1938، شملت جميع أرجاء مصر، فكانت تنبيهاً قوياً للشعب المصري على أهمية قضية فلسطين.[188]
ويبدو أن الإخوان المسلمين المصريين قد شاركوا بشكل محدود في الثورة الكبرى في فلسطين (1936 ـ 1939)، فيذكر كامل الشريف أن عدداً من شباب الإخوان قد استطاعوا التسلل إلى فلسطين والاشتراك مع المجاهدين في جهادهم خاصة في مناطق الشمال.[189] (حيث جماعة القسام)، كما يبدو أن المفتي (الحاج أمين) قد شهد بصحة هذا الكلام،[190] وفي مقابلة للباحث مع الدكتور عصام الشربيني يذكر أن الدكتور إبراهيم أبو النجا (عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان سابقاً) أخبره أن الإخوان في مصر قد احتفلوا بذهاب بعض الإخوان إلى فلسطين للجهاد في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ 1939)،[191] كما أن في حديث محمود عبد الحليم عن قضية أحمد رفعت ما يشير إلى اتصال الإخوان بمجاهدي فلسطين والتنسيق معهم،[192] وعلى هذا فنحن لا نستبعد مشاركة الإخوان بشكل فردي في الثورة الكبرى.

ويذكر الإخوان المسلمون عادة أن أهم أسباب إنشاء النظام الخاص داخل جماعة الإخوان هو مشاركة أعضائه في الجهاد لتحرير فلسطين من الانتداب البريطاني، وإفشال المخطط اليهودي في بناء الوطن القومي على أرضها، وقد كان أعضاء هذا النظام ـ الذي أُنشئ في مطلع الأربعينيات ـ يُختارون من خلاصة الإخوان، وينظمون في عضويته في سرية تامة، ويتم تربيتهم على معاني الجهاد، ويخضعون لتدريبات بدنية شاقة والتدريب على السلاح.[193]
نشأة حركة الإخوان في فلسطين:
كانت أولى الإشارات عندما بدأ الإخوان نشر دعوتهم في فلسطين في أغسطس 1935 عندما زارها عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم، ولقيا ترحيباً هناك من الحاج أمين، حيث قاما بنشر دعوتهم.[194] وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) زادت زيارات الإخوان لفلسطين، وأخذ عدد من أبناء فلسطين ينضمون للإخوان، غير أن تشكيل فروع للإخوان لم يتم ـ على ما يظهر ـ إلا بعد انتهاء الحرب، حيث خفّت ظروف القهر والتشديد البريطاني، ونشطت الحركة السياسية الفلسطينية. ويبدو أن أول فروع الإخوان إنشاءً كان فرع غزة برئاسة الحاج ظافر الشوا، ثم تأسس فرع يافا برئاسة ظافر الدجاني، أما فرع القدس فقد أنشئ سنة 1945، ثم جرى حفل افتتاح مميز له في 5 مايو 1946 وحضره الزعيم الفلسطيني جمال الحسيني، وأنشئ فرع حيفا برئاسة الشيخ عبد الرحمن مراد، وتتابع إنشاء الفروع في قلقيلية، واللد، ونابلس، وطولكرم، والمجدل، وسلواد، والخليل، حتى زادت الفروع عن عشرين فرعاً.[195]
وقد نشطت جماعة الإخوان في فلسطين في مجالات الدعوة والتربية والتوعية الإسلامية، والتعريف بالخطر الصهيوني، والمؤامرة على فلسطين، والتعبئة للجهاد.

وقد عقد الإخوان الفلسطينيون مؤتمراً عاماً في حيفا في 18 أكتوبر 1946 حضره ممثلون عن لبنان والأردن. وقد حملت القرارات أبعاداً تنظيمية داخلية وسياسية محلية وخارجية تؤكد الوعي والتفاعل السياسي مع الأحداث. وقد جاءت في القرارات:
1. اعتبار حكومة فلسطين مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب.
2. تأييد الجامعة العربية.
3. تأييد مطالب مصر بالجلاء ووحدة النيل.
4. عرض قضية فلسطين على مجلس الأمن.
5. تأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ الأراضي.
6. عدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد.
7. تعميم شعب "الإخوان المسلمين" في فلسطين.[196]
وبعد عام من انعقاد المؤتمر السابق عقد الإخوان المسلمون مؤتمراً آخر كبيراً في حيفا في 27 أكتوبر 1947 ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمر:
1. يعلن الإخوان المسلمون تصميمهم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل. واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل.
2. يعلن المؤتمرون باسم هيئة الإخوان المسلمين في سائر الأقطار الممثلة، استنكارهم لكل محاولة تعلل العرب والمسلمين بتحقيق الأهداف الوطنية عن طريق مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة، بعد أن أسفرت المحاولات الكثيرة عن حقيقة هذه المنظمات الدولية، وأنها ليست إلا ثوباً خالصاً لمطامع الدول الكبرى المستعمرة.
3. يعلن المؤتمرون أن هيئة الإخوان المسلمين ستحمل نصيبها كاملاً من تكاليف النضال.
4. يعلن مندوبو الإخوان المسلمين في شرق الأردن أنهم على استعداد كامل لحمل نصيبهم في تحرير فلسطين.
5. يجدد المؤتمر البيعة على أن يكونوا الجند البررة الصادقين لدعوة الإخوان المسلمين حتى يتم الله نوره، ويجمع شمل المسلمين والعرب على كلمة الخير في ظل العزة والكرامة.
6. تأليف مجالس المناطق حسب النظام الذي وضعه المكتب الإداري للإخوان المسلمين.
7. يبتهل المؤتمرون إلى الله تعالى أن ينجي مصر من وباء الكوليرا، وأن يحقق [النصر] لجميع الشعوب الإسلامية والعربية الشقيقة.
8. الاتصال بالهيئة العربية العليا للبحث في بعض الشئون الوطنية العامة.[197]
ونلاحظ في هذه القرارات مدى جديتها وقوتها ومتابعتها للأحداث السياسية والواقعية، حيث كان للقرارات السياسية نصيب الأسد فيها، كما نلاحظ المضمون الجهادي الذي تمخضت عنه هذه القرارات، والتي كانت متفوقة في مضمونها وطبيعتها عن الاتجاهات السياسية السائدة في تلك الفترة.

وقد نشط الإخوان الفلسطينيون في تعبئة الجماهير للجهاد ضد الإنجليز واليهود، واعترفت الرواية الإسرائيلية الرسمية لحرب فلسطين 1947 ـ 1948 بذلك، حتى إن المؤسسات القومية اليهودية احتجت واشتكت عليهم للسلطات البريطانية.[198] ولكن لا ينبغي المبالغة في قدرة الإخوان الفلسطينيين وإمكاناتهم. إذ كانوا جديدين إلى حد ما على الساحة، ولم يبلغ انتشارهم حجماً سياسياً كبيراً يؤهلهم للتأثير في القرار السياسي الفلسطيني المحليّ. وكانوا بشكل عام أنصاراً للحاج أمين الحسيني الذي كان صديقاً شخصياً للشيخ حسن البنا. كما أن إمكاناتهم كانت محدودة جداً مقارنة بما لدى اليهود أو بما تحتاجه فلسطين في عملية الدفاع عنها. غير أن هذا لم يمنع أن يمثلوا في تلك الفترة حالة جهادية مضحية واعية، ذات روح وطنية قوية منفتحة.

دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين 1947 ـ 1948:
شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 1947 ـ 1948، إلا أن حداثة تنظيمهم وعدم نموه واستقراره بشكل مناسب وقوي جعلت مشاركتهم محصورة ضمن قدراتهم المحدودة وإمكاناتهم المتواضعة.

ومع ذلك فقد شكلت شُعب الإخوان في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب، عملت في أماكن استقرارها في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك (التي تتبع جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس). وقد قامت بغارات ناجحة على مستعمرات اليهود وطرق مواصلاتهم، على الرغم من الضعف الشديد الذي كانت تعانيه سواء في التسليح أو التدريب، ولذلك لا نجد ذكراً رسمياً لدور الإخوان في هذه المناطق بشكل عام. أما في المناطق الجنوبية وخصوصاً غزة وبئر السبع فقد انضم العديد من إخوان فلسطين إلى قوات الإخوان (المصرية) الحرة بقيادة كامل الشريف، وشاركوا بقوة وفاعلية في معارك فلسطين هناك. ويذكر كامل الشريف أن قوات الإخوان المصرية الحرة كان معدل عددها 200 مجاهد في مناطق جنوب فلسطين، وأنها كان يشاركها الجهاد حوالي 800 مجاهد آخر من أبناء فلسطين، تحت قيادتها، حيث إن كثيراً منهم تأثروا بفكر الإخوان المسلمين وأصبحوا منهم.[199]
وكانت أنشط شعب الإخوان مشاركة في الجهاد شعبة الإخوان المسلمين في يافا، وقد كان هناك (تنظيم عسكري سري خاص) ضمن أعضاء الإخوان في يافا، شارك فيه عدد محدود من الإخوان ممن يصلحون لهذا العمل، ولم يكن باقي الإخوان أعضاء فيه أو يعلمون شيئاً عنه، وقد ظهر نشاطه الجهادي مع بداية الحرب.[200]
وعندما تشكلت لجنة قومية في يافا مع بدء الحرب شارك ضمن قيادتها ممثل عن الإخوان المسلمين وهو رئيس الفرع هناك (ظافر راغب الدجاني)، وقد ألفت هذه اللجنة لجاناً عديدة لتعنى بمختلف الشؤون في المدينة، وقد أُسندت مهمة إدارة اللجنة الاقتصادية لظافر الدجاني، الذي كان يشغل أيضاً رئاسة الغرفة التجارية في المدينة.[201]
وعندما جاء كامل الشريف إلى منطقة يافا مع سرية من شباب الجامعات، تولى هو قيادة مجاهدي الإخوان حيث تجمع تحت قيادته حوالي 100 مجاهد،[202] وتولى كامل الشريف قيادة منطقة في يافا اسمها (كرم التوت) وتقع بين يافا وتل أبيب، حيث تقع معارك يومية بين المجاهدين واليهود. كما شارك الإخوان المجاهدون في الهجوم على مستعمرة بتاح تكفا، ثم ما لبث كامل الشريف أن انتقل إلى منطقة النقب.[203]
ويذكر عارف العارف أنه كان للإخوان المسلمين في يافا قوات متحركة يبلغ عددها 30 مجاهداً بقيادة حسن عبد الفتاح والحاج أحمد دولة، وكان عندهم 30 بندقية ورشاش و2 ستن، وقد كانوا يهبون لنجدة المواقع كلما دعت الحاجة.[204]
ويقول يوسف عميرة إن الإخوان تولوا في أثناء الحرب الدفاع عن مناطق البصة وتل الريش والعجمي والنـزهة في يافا، فضلاً عن المحافظة على الأمن داخل المدينة، كما يؤكد على الدور المشرف الذي قام به الإخوان في يافا، حيث كان الالتزام بالإسلام من سماتهم، وكان الدفاع والقتال عن إيمان بالله.[205]
وفي منطقة القدس شارك إخوان فلسطين في القتال مع إخوانهم القادمين من البلاد العربية أو مع قوات الجهاد المقدس.

دور الإخوان المسلمين المصريين:
تذكر بيان نويهض أن اهتمام الإخوان المسلمين بتحرير فلسطين كان اهتماماً صادقاً ومرتكزاً على الإيمان الديني العميق.[206] ولأن الإخوان في مصر قد أصبحوا في تلك الفترة من أنشط وأقوى الاتجاهات فيها فقد كان لهم الدور الأكثر قوة من بين إخوان الدول العربية المشاركين في حرب فلسطين.

فقبل إعلان الحرب، قام الإخوان في مصر بمهمة تهيئة الشعب لفكرة الجهاد، وانطلقوا في أرجاء القطر المصري داعين للجهاد في سبيل الله لإنقاذ الأرض المباركة،[207] كما قاموا بالعديد من المظاهرات القوية والتي كان لها أثرها في زيادة وعي الجماهير بقضية فلسطين،[208] وقاموا بحملة لجمع التبرعات لفلسطين،[209] كما أخذوا يجوبون صحراء مصر الغربية لتوفير السلاح من بقايا الحرب العالمية الثانية للجهاد في فلسطين.[210]
وفي 9 أكتوبر 1947 أبرق الشيخ حسن البنا إلى مجلس الجامعة العربية يقول إنه على استعداد لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين، وتقدم فوراً إلى حكومة النقراشي طالباً السماح لفوج من هؤلاء المجاهدين باجتياز الحدود ولكنها رفضت.[211] وفي 15 ديسمبر 1947م قام الإخوان بمظاهرة كبرى، وممن خطب في هذه المظاهرة رياض الصالح، والأمير فيصل بن عبد العزيز، وجميل مردم بك، وإسماعيل الأزهري، وقد خطب أيضاً حسن البنا الذي أكد "أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في فلسطين ... وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم".[212]
بدأ الإخوان المسلمون المصريون بالتوجه فعلاً للجهاد في فلسطين منذ أكتوبر 1947م، أي قبل بدء الحرب في فلسطين بأكثر من شهر، وقد سافرت أول كتيبة من الإخوان بإمارة محمد فرغلي وقيادة محمود لبيب،[213] لكن التضييق الشديد من الحكومة المصرية على سفر الإخوان قد جعل مشاركتهم محدودة، وقد اضطر الإخوان للتحايل فاستأذنوا بعمل رحلة علمية إلى سيناء، فأذنت لهم الحكومة بعد إلحاح شديد ومن هناك انطلقوا إلى فلسطين. وأخذ الإخوان يتسللون سراً حيث تجمعوا في معسكر النصيرات، وأخذوا يقومون بالعمليات الجهادية. وبهذا بدأت العمليات الجهادية العسكرية في صحراء النقب وانضم للإخوان الكثير من المجاهدين من عرب فلسطين، حتى صاروا أضعاف عدد الإخوان أنفسهم فيما بعد. وبدأت حرب عصابات تُبشر بنجاح رائع، إلا أن الحكومة المصرية طلبت من المركز العام للإخوان سحب قواته من النقب، فرفض فقطعت عنهم الحكومة الإمدادات والتموين، وراقبت الحدود، إلاّ أنهم وجدوا من عرب فلسطين كل مساعدة وعون.[214]
ومن طريف ما يرويه عباس السيسي أنه زار مع أحد الضباط معسكر مجاهدي الإخوان المسلمين في البريج، وكان الحارس على بوابة المعسكر فتى لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره ومعه بندقية، فسلما عليه وسأله الضابط عن اسمه:
فقال الفتى: قيس
فقال الضابط: وأين ليلاك يا قيس؟
فقال الفتى بكل ثقة: إن ليلاي في الجنة.

فذهلا من هذا الرد الذي خشعت له قلوبهما، وكان في هذا الكفاية للتعرف على المعنويات العالية الموجودة داخل المعسكر قبل دخولهما!![215]
ولما اشتد الضغط على الحكومة المصرية سمحت للمتطوعين بالمشاركة في الجهاد تحت راية الجامعة العربية، حيث تدربوا في معسكر (هاكستب)، وكان يشرف على حركة التطوع محمود لبيب وكيل الإخوان للشئون العسكرية، وتألفت ثلاث كتائب من المتطوعين يقدر عددها بـ600 مقاتل، نصفهم تقريباً من الإخوان المسلمين، وقد طبعوا هذه الكتائب بطابعهم الخاص، وكان أبرز قادة هذه الكتائب أحمد عبد العزيز وعبد الجواد طبالة.[216]
ولم يكْفِ معسكر هاكستب لاستيعاب المتطوعين، إذ إن المتطوعين كانوا عشرات الأضعاف بالنسبة للمشاركين، فأرسل الإخوان 100 من أفرادهم ليتدربوا في معسكر (قطنا) في سوريا، وهم كل ما استطاع المركز العام للإخوان أن يقنع الحكومة المصرية بقبوله.[217]
وقد سافرت هذه الكتيبة عن طريق ميناء بورسعيد في 10 مارس 1948، وقبل مغادرتها خرجت بورسعيد عن بكرة أبيها لتحيَّتهم وتوديعهم، وخطب البنا في الجميع ومما قاله "هذه كتيبة الإخوان المسلمين المجاهدة بكل عددها وأسلحتها تتقدم للجهاد في سبيل الله ومقاتلة اليهود أعداء الإسلام والوطن. ستذهب إلى سوريا حتى تنضم إلى باقي المجاهدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وفي هذا فليتنافس المتنافسون".[218]
وقد استقبلت هذه الكتيبة في سوريا استقبالاً شعبياً كبيراً، وكان في مقدمة المستقبلين المراقب العام للإخوان في سوريا مصطفى السباعي، وعمر بهاء الدين الأميري، والشيخ محمد الحامد وغيرهم، وفي ظهر يوم الثلاثاء 23 مارس سافر حسن البنا إلى دمشق على متن طائرة لتفقد أحوال المتطوعين هناك.[219]
قام الإخوان المسلمون بدور مشرف في حرب فلسطين اعترف لهم به كل من كتب عن هذه الحرب،[220] وكان لهم دور مشهود في جنوب فلسطين في مناطق غزة ورفح وبئر السبع، حيث كانوا يهاجمون المستعمرات ويقطعون مواصلات اليهود. ومن أبرز المعارك التي شاركوا فيها هناك معركة التبة 86 التي يذكر العسكريون أنها هي التي حفظت قطاع غزة عربياً، ومعركة كفار ديروم، واحتلال مستعمرة ياد مردخاي وغيرها، كما أسهموا بدور هام في تخفيف الحصار عن القوات المصرية المحاصَرَة في الفالوجا. كما كان للإخوان المصريين مشاركتهم الفعالة في معارك القدس وبيت لحم والخليل وخصوصاً صور باهر. وكان من أبرز المعارك التي شاركوا فيها في تلك المناطق معركة رامات راحيل، واسترجاع مار الياس، وتدمير برج مستعمرة تل بيوت قرب بيت لحم، والدفاع عن "تبة اليمن" التي سميت تبة الإخوان المسلمين نظراً للبطولة التي أبدوها ... وغيرها.[221]
وقد استشهد من إخوان مصر في معارك فلسطين حوالي مائة، وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم.[222] وكانت وطأة الإخوان شديدة على اليهود، وقد سئل موشي ديان بعد الحرب بقليل عن السبب الذي من أجله تجنب اليهود محاربة المتطوعين في بيت لحم والخليل والقدس فأجاب "إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا .. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة .. ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك بهم"،[223] وكتبت مجلة حائطية في الجامعة العبرية تعليقاً تحت صورة للشيخ حسن البنا ذكرت فيه "إن صاحب الصورة كان من أشد أعداء إسرائيل، لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948، من مصر ومن بعض البلدان العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم الحرب مزعجاً لإسرائيل لدرجة مخيفة ..."،[224] ولذلك كان انتقام اليهود من الإخوان رهيباً إذا وقعوا أسرى في أيديهم، فقد كانوا يقتلونهم، ويشوهون أجسامهم.[255]
لقد كان من أشد المناظر التاريخية إيلاما أن مئات الإخوان المصريين الذين تمكنوا من المشاركة في المعارك وقاموا بأدوار بطولية، كان مصيرهم الاعتقال والسجون حتى قبل عودتهم إلى مصر، حيث تم حل جماعة الإخوان في مصر في ديسمبر قبل أن تنتهي المعارك، وقامت المخابرات المصرية باغتيال حسن البنا نفسه في 11 فبراير 1949 قبل قليل من توقيعها اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني لإنهاء الحرب.

دور الإخوان المسلمين السوريين:
قام الإخوان السوريون بدور مشهود خصوصاً في معارك منطقة القدس وقد تدربت كتيبة الإخوان السوريين في (قطنا) ثم سافرت إلى منطقة القدس وقد شارك من الإخوان السوريين حوالي 100 أخ، بقيادة المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، وقد اشتركوا ببسالة في معارك القدس مثل معركة باب الخليل التي أصيب فيها 35 منهم بجراح، وكان النصر معقوداً فيها للمجاهدين، ومعركة القسطل حيث شارك فيها فوجٌ، منهم عبدَ القادر الحسيني، ومعركة الحي القديم في القدس، ومعركة القطمون، ونسف الكنيس اليهودي الذي اتخذه اليهود مقراً حربياً وغيرها.[226]
وكان الدفاع عن مناطق القدس التالية: الشيخ جراح، المصرارة، سعيد وسعيد، من مسئولية الأخ عدنان الدبس، وكان الأخوان زهير الشاويش وكامل حتاحت مسئولين عن الدفاع عن القطمون. كما تألف من الإخوان السوريين فريق لحفظ الأمن والانضباط في المدينة بقيادة الشيخ ضيف الله مراد، ثم انضم إليه بعد انتهاء معارك القطمون الأخ زهير الشاويش، الذي طارد اللصوص والفجار وأغلق الخمارات وأندية القمار، وشعر السكان في المدينة بالأمن والطمأنينة إثر ذلك، وجاء وفد منهم يشكرون الإخوان على جهودهم. أما الإشراف على الاتصال بين المراكز وأمور السلاح والذخيرة فكان يشرف عليه الأخ لطفي السيروان،[227] وقد استشهد العديد من الإخوان السوريين في أثناء المعارك كما جُرح الكثيرون. وذكر السباعي أسماء عشرة منهم في نهاية حديثه عن دور الإخوان السوريين في حرب فلسطين.[228]
دور الإخوان المسلمين الأردنيين:
تفاعل سكان شرق الأردن مع حرب فلسطين، وشكل الإخوان المسلمون هناك لجنة لجمع التبرعات والمساعدات، كما فتحوا باب التطوع للمشاركة في الجهاد، وكان تجاوب الناس رائعاً، فيذكر محمد عبد الرحمن خليفة أنه عندما فتح باب التطوع في شعبة السلط سجل أكثر من ثلاثة آلاف شخص أنفسهم.[229]
وتكونت من إخوان منطقة عمان وما حولها سرية متطوعين تضم نحو 120 مجاهداً من الإخوان المسلمين، وسميت باسم سرية أبي عبيدة وقد تولى قيادتها الإخوانية الحاج عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في تلك الفترة، أما قيادتها العسكرية فقد تولاها الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة، وقد دخلت فلسطين في 14 إبريل 1948 وتمركزت في عين كارم وصور باهر.[230]
وقد خاضت هذه السرية عدة معارك واستشهد عدد من أفرادها مثل سالم المسلم وبشير سلطان.[231]
وفي إربد تولى مسئول شعبة الإخوان هناك السيد أحمد محمد الخطيب قيادة الإخوان فيها في حرب فلسطين، وبلغ مجموع من شارك معه في الجهاد من إخوان إربد وأهلها المتطوعين حوالي مائة مجاهد، بحيث كان يشترك في المعركة الواحدة من 20 ـ 25 مجاهداً.[232]
وكان إخوان إربد يقومون بمهاجمة المستعمرات القريبة من الحدود، ويرجعون إلى إربد ثانية بعد القيام بعملياتهم، وقد استشهد من إخوان إربد شهيدٌ واحد، كما أصيب أحمد الخطيب بجراح خطيرة حيث تماثل للشفاء بعد فترة طويلة.[233]
دور الإخوان المسلمين العراقيين:
بعد أسبوع واحد من قرار التقسيم أسهم الإخوان المسلمون في العراق بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف بشكل فعال في تأليف (جمعية إنقاذ فلسطين) في بغداد، ولقد لبى نداء التطوع 15 ألفاً معظمهم ممن تدرب في الجندية أو الشرطة. وكان للإخوان المسلمين في تلك الفترة دور أساسي في تعبئة الجماهير للجهاد، وكانوا على رأس المظاهرات التي خرجت للتنديد بقرار تقسيم فلسطين، والتي اشترك فيها 200 ألف عراقي في بغداد.[234]
وتألف من المتطوعين للجهاد فوجا الحسين والقادسية وسرية المغاوير وغيرها، وكلما تدرب فريق منهم كانت الجمعية ترسله إلى اللجنة العسكرية في دمشق، وفي السابع من يناير 1948 وصلت أول سرية مغاوير إلى دمشق، وبعد أسبوع وصل فوجان آخران مع السلاح والعتاد. وبينما كانت الجمعية تستعد لإرسال فوج جديد تلقت إنذاراً من اللجنة العسكرية، بأن تكف عن إرسال المتطوعين حتى إشعار آخر!! كما أشار صالح جبر (بعد أن وقع معاهدة بورتسموث) بعدم إرسال أكثر من 500 متطوع، كما أن طه الهاشمي قال لرئيس الجمعية "إذا أرسلتم مدداً آخر من المتطوعين أعدتهم إلى بغداد على نفقة الجمعية!!" فاكتفت الجمعية بعد ذلك بإرسال التبرعات،[235] وقد كان الإخوان من أبرز وأنشط عناصر هذه الجمعية،[236] وقد وصلت كتيبتا الحسين والقادسية من متطوعي العراق (كل واحدة تتكون من 360 مقاتلاً) إلى فلسطين في مارس 1948.[237]
كما اشترك ضمن الأفواج التي ذهبت للجهاد الكثير من إخوان العراق الذين قاتلوا ضمن قوات جيش الإنقاذ، ورأوا الكثير من تخاذل وضعف وسوء إدارة قيادته وعلى رأسه فوزي القاوقجي، إلا أنهم بذلوا ما استطاعوا في المعارك التي شاركوا فيها خصوصاً في شمال فلسطين.[238]
يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:50 am

هوامش الكتاب
________________________________________
[149] حول حرب 1982، انظر: المرجع نفسه، ص 491-507، وانظر: Herzog, op. cit., pp. 339-359.
[150] حسب المصادر "الإسرائيلية" فإن خسائر م.ت.ف حتى منتصف يوليو 1982 كانت ألف شهيد وستة آلاف أسير، وخسرت سوريا 370 شهيداً وألف جريح و250 أسيراً، كما خسرت سوريا 350-400 دبابة، و86 طائرة مقاتلة، وخمس طائرات هليوكبتر، و19 منصة إطلاق صواريخ، وخسر الكيان الإسرائيلي 35-40 دبابة، وطائرة حربية واحدة، وطائرتي هليوكبتر، و300 قتيل، و1600 جريح. انظر: Herzog, op. cit., p. 353.
[151] حول هذه العمليات، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 498، وص 506.
[152] المرجع نفسه، ص 506-507.
[153] غسان حمدان، الانتفاضة المباركة: وقائع وأبعاد (الكويت: مكتبة الفلاح، 1989)، ص 36-38.
[154] انظر: البيان الأول في: أسعد عبد الرحمن ونواف الزرو، الانتفاضة: مقدمات ونتائج، تفاعلات وآفاق (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1989)، ص 194-195.
[155] انظر مثلاً: جواد الحمد، "الانتفاضة الكبرى وتطور القضية الفلسطينية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 407-413.
[156] جريدة صوت الشعب، الأردن، 8 ديسمبر 1993.
[157] جواد الحمد، "الانتفاضة الكبرى وتطور القضية الفلسطينية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 410.
[158] انظر: الرأي 7 يناير 1996، والأعداد الصادرة في 26 فبراير - 5 مارس 1996، وفلسطين المسلمة، إبريل 1996، وقد نفذت حماس أربع عمليات انتقاماً لاستشهاد يحيى عياش أدت إلى مقتل 47 صهيونياً وجرح 105 آخرين (حسب المصادر "الإسرائيلية")، ونفذت الجهاد الإسلامي العملية الخامسة - بالتنسيق مع حماس - مما أدى إلى مقتل 14 صهيونياً وجرح 125 آخرين (حسب المصادر "الإسرائيلية").
[159] انظر: أخبار الصحف العربية، مثلاً: الرأي والدستور ليومي 9-10 أكتوبر 1990.
[160] غطت الصحف العربية اليومية هذه الانتفاضة، مثلاً: الرأي والدستور 25-29 سبتمبر 1996.
[161] الخليج، 23 فبراير 2000.
[162] انظر مثلاً: جريدة الأيام، فلسطين، 16 فبراير 2000، نقلاً عن يديعوت أحرونوت، 15 فبراير 2000.
[163] جريدة الخليج، 10 نوفمبر 2000.
[164] يمكن مراجعة التقارير المنشورة في الإنترنت في أشهر أكتوبر وديسمبر 2000 في Islamonline.com، Palistine-info.org، لقراءة العديد من النماذج والتقارير.
[165] انظر مثلاً حول الآثار القوية للمقاطعة في مصر في: الخليج، 27 ديسمبر 2002.
[166] انظر مجلة المجتمع، الكويت، 22 فبراير 2003.
[167] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[168] حسب تصريح وزير الصحة الفلسطيني لقناة فلسطين الفضائية فإن عدد الشهداء حتى منتصف فبراير 2003 هو 2836 شهيداً، انظر الخليج، 16 فبراير 2003.
[169] الخليج، 11 ديسمبر 2000.
[170] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[171] الخليج، 19 ديسمبر 2002.
[172] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[173] Ibid، ذكرت جريدة معاريف الإسرائيلية في 8 يناير 2003 أن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 718 قتيلاً و 4049 جريحاً قُتل منهم 297 في العمليات الاستشهادية، وأن 213 قتيلاً و 1447 جريحاً كانوا من الجيش والشرطة. انظر:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[174] انظر: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وانظر: قدس برس، نشرة بانوراما، 2 يناير 2003.
[175] قدس برس، نشرة بانوراما، 3 يناير 2003.
[176] سورة النساء: 104.
[177] نقلاً عن: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 30/11/02
[178] جريدة الخليج، 18 فبراير 2003.
[179] تعتمد المعلومات التي نضعها بين يدي القارئ هنا أساساً على جزء من فصل سبق وأن كتبناه، ونُشر ضمن كتاب: التيار الإسلامي في فلسطين، والذي سبقت الإشارة إليه.
[180] حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ط5 (بيروت ـ دمشق: المكتب الإسلامي، 1983)، ص 28.
[181] حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (القاهرة: دار الشهاب، لا تاريخ)، ص 271 ـ 273.
[182] المرجع نفسه، ص 156 ـ 157.
[183] نفس المرجع، ص 271، 273 ـ 274.
[184] كامل الشريف، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، ط3 (الزرقاء، (الأردن): مكتبة المنار، 1984)، ص 31.
[185] محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ ـ رؤية من الداخل 1928 ـ 1948، (الإسكندرية: دار الدعوة، 1983)، ج1، ص 173 ـ 177، وحسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص 207 ـ 215، 224 ـ 226، 226.
[186] أكرم زعيتر، الحركة الوطنية الفلسطينية 1935 ـ 1939 (من أوراق أكرم زعيتر)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، سلسلة الدراسات، رقم 55 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1980)، ص 322.
[187] المرجع نفسه، ص 403.
[188] محمود عبد الحليم، مرجع سابق، ص 177.
[189] كامل الشريف، مرجع سابق، ص 31.
[190] ريتشارد ميتشل، الإخوان المسلمون، ترجمة محمود أبو السعود، تعليق صالح أبو رقيق (انديانا بوليس، (الولايات المتحدة)، دار النشر الأمريكية، 1980)، ص 142.
[191] عصام الشربيني، مقابلة، الكويت: 16 أكتوبر 1985. (الدكتور عصام الشربيني أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1943).
[192] محمود عبد الحليم، مرجع سابق، ص 200 ـ 201. (أحمد رفعت: أحد أفراد "الإخوان" في مصر، وقد خرج من جماعتهم إثر فتنة وقعت كان هو من أسبابها، فأراد بعد ذلك الذهاب لفلسطين للجهاد فأشار عليه الإخوان بأن يأخذ بنصيحتهم فيلتحق بمن لهم به علاقة هناك فيزكونه لهم فرفض، وذهب باجتهاده فقتله المجاهدون الفلسطينيون ظناً منهم أنه جاسوس).
[193] المرجع نفسه، ص 258 ـ 260، وميتشل، مرجع سابق، هامش ص 108.
[194] حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ص 198 ـ 199.
[195] انظر: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 438 ـ 445.
[196] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 503.
[197] المرجع نفسه، ص 794.
[198] حرب فلسطين 1947 ـ 1948 (الرواية الإسرائيلية الرسمية)، ص 14.
[199] كامل الشريف، مرجع سابق، ص 64.
[200] كامل الشريف، مقابلة، عمّان، الأردن: 28 أكتوبر 1985.
[201] يوسف عميرة، مقابلة، الكويت: 6 نوفمبر 1985.
[202] عارف العارف، مرجع سابق، ج1، ص 227 ـ 229.
[203] يوسف عميرة، مقابلة، الكويت: 6 نوفمبر 1985.
[204] عارف العارف، مرجع سابق، ج1، ص 234.
[205] يوسف عميرة، مقابلة، الكويت: 6 نوفمبر 1985.
[206] بيان نويهض، مرجع سابق، ص 504.
[207] كامل الشريف، مرجع سابق، ص 34، وعبد العزيز علي، مقابلة، الكويت: 27 سبتمبر 1985. (عبد العزيز علي: أحد مجاهدي الإخوان المسلمين المصريين في حرب 1948)، ومحمد علي الطاهر، معتقل هاكستب: مذكرات ومفكرات (مصر: المطبعة العالمية، 1950)، ص 61.
[208] انظر مثلاً: محمود عبد الحليم، مرجع سابق، ص 412، وعصام الشربيني، مقابلة، الكويت: 16 أكتوبر 1985.
[209] عصام الشربيني، مقابلة، الكويت: 16 أكتوبر 1985.
[210] ريتشارد ميتشل، مرجع سابق، ص 151 ـ 152.
[211] عارف العارف، مرجع سابق، ج2، ص 398.
[212] محمود عبد الحليم، مرجع سابق، ص 412.
[213] صلاح شادي، صفحات من التاريخ: حصاد العمر (الكويت: دار الشعاع، 1980)، ص 56.
[214] كامل الشريف، مرجع سابق، ص 40 ـ 41، 71 ـ 74، 126، وصلاح شادي، مرجع سابق، ص 63.
[215] عباس السيسي، في قافلة الإخوان المسلمين (دون مكان: دون ناشر، 1986)، ص 166.
[216] عارف العارف، مرجع سابق، ج2، ص 399، وكامل الشريف، مرجع سابق، ص 45، 78، وعبد العزيز علي، مقابلة، الكويت: 27 سبتمبر 1985.
[217] صلاح شادي، مرجع سابق، ص 63.
[218] عباس السيسي، مرجع سابق، ص 152 ـ 153.
[219] نفس المرجع، ص 153.
[220] زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928 ـ 1948 (القاهرة: مكتبة وهبة، 1979)، ص 131.
[221] عن العمليات العسكرية للإخوان بالتفصيل انظر: كامل الشريف، مرجع سابق.
[222] صلاح شادي، مرجع سابق، ص 63.
[223] حلمي سلام، "كان الفدائيون قوة فأضعناها"، مجلة المصور، عدد 1351، 1 سبتمبر 1950، ص 19.
[224] زياد محمود علي، عداء اليهود للحركة الإسلامية (عمّان، الأردن: دار الفرقان، 1982)، ص 19 ـ 20.
[225] كامل الشريف، مرجع سابق، ص 39 ـ 40.
[226] انظر: مصطفى السباعي، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، دار النذير، (دون مكان، دار النذير، 1985)، وعارف العارف، مرجع سابق، ج1، ص 326، 329، 435 ـ 437.
[227] مصطفى السباعي، مرجع سابق، ص 27.
[228] المرجع نفسه، ص 28 ـ 57.
[229] محمد عبد الرحمن خليفة، مقابلة، عمّان (الأردن): 30 أكتوبر 1985.
[230] سليمان موسى، أيام لا تنسى: الأردن في حرب 1948 (الأردن: مطبعة القوات المسلحة الأردنية، 1982)، ص 44 ـ 45، ومحمد عبد الرحمن خليفة، مقابلة، عمان (الأردن): 30 أكتوبر 1985.
[231] سليمان موسى، مرجع سابق، ص 45.
[232] أحمد محمد الخطيب، مقابلة، عمّان (الأردن): 29 أكتوبر 1985.
[233] أحمد محمد الخطيب، مقابلة، عمّان (الأردن): 29 أكتوبر 1985.
[234] محمد محمود الصواف، مقابلة، الكويت: 2 ديسمبر 1985، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 612.
[235] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 612 ـ 613.
[236] محمد محمود الصواف، مقابلة، الكويت: 2 ديسمبر 1985.
[237] حرب فلسطين 1947 ـ 1948 (الرواية الإسرائيلية الرسمية)، ص 221.
[238] انظر لمزيد من المعلومات: محمد محمود الصواف، معركة الإسلام أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم (لبنان، دون ناشر، 1969)، ص 158 ـ 175.

الفصل الثاني
منظمات وحركات التحرير الفلسطينية

أولاً - المؤسسات الناطقة باسم الشعب الفلسطيني:
شعب فلسطين جزء من الأمة العربية والإسلامية. وقبل ظهور الدول القُطرية في عالمنا العربي والإسلامي، كان شعب فلسطين ممثلاً بشكل طبيعي في بنية الدول الإسلامية التي تتابعت على حكم المنطقة من راشدين وأمويين وعباسيين ومماليك وعثمانيين ... ولم تكن هناك مشكلة هوية أو انتماء وذلك لشعور الجميع بالانتماء والولاء لأمة الإسلام، بغض النظر عن نظام الحكم. غير أن ظهور الأيديولوجيات القومية والوطنية، وسقوط الدولة العثمانية، ووقوع فلسطين ـ وغيرها من بلدان العالم الإسلامي ـ تحت الاستعمار، وقيام الاستعمار بتقطيع بلدان العالم الإسلامي إلى وحدات مختلفة، لها حدودها الخاصة التي تعزلها عن غيرها. كل ذلك جعل شعب كل منطقة يقوم بنفسه بأعباء مواجهة الاستعمار، فتشكلت لذلك حركات وطنية وإسلامية، قادت شعوبها نحو التحرر والاستقلال.

وعندما سقط الحكم العثماني في فلسطين نهائياً في سبتمبر 1918، اعتبر الفلسطينيون أنفسهم تابعين للحكومة العربية التي تشكلت في دمشق في مطلع أكتوبر 1918 بزعامة فيصل بن الشريف حسين. فقد كان الفلسطينيون ممثلين في المؤتمر السوري العام، وكان الكثير من رجالاتهم في دمشق، وكان منهم نواب في المؤتمر السوري الذي أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920. وظلت فلسطين تُعدُّ "سوريا الجنوبية" طوال عهد الحكومة العربية في دمشق، إلى أن سقطت هذه الحكومة إثر معركة ميسلون في 24 يوليو 1920، وبِدْء الاستعمار الفرنسي على سوريا.[239]

وكان أول شكل تمثيلي لأبناء فلسطين هو "المؤتمر العربي الفلسطيني" الذي عَقَد باسم عرب فلسطين سبع دورات خلال 1919 ـ 1928. ولأن الفلسطينيين كانوا تحت الاستعمار البريطاني ومحرومين من ممارسة حقوقهم السياسية، فقد كان هذا المؤتمر مؤسسة وطنية تشبه المجلس النيابي، تنبثق عنها قيادة هي "اللجنة التنفيذية" والتي كانت تمثل الفلسطينيين سياسياً. وفي المؤتمرين الأول (القدس 27 يناير ـ 9 فبراير 1919) والثاني (دمشق 27 فبراير 1920) جرى التأكيد على أن فلسطين جزء من سوريا، فضلاً عن رفض الهجرة اليهودية، والمطالبة باستقلال العرب ووحدتهم. ومنذ المؤتمر الثالث (حيفا 13 ـ 19 ديسمبر 1920) صار على الفلسطينيين لزاماً أن ينظموا أمورهم بالاعتماد على أنفسهم، بعد أن أحكم الاستعمارين البريطاني والفرنسي قبضتهما على المنطقة. فطالبوا بإنشاء حكومة وطنية في فلسطين، مسئولة أمام مجلس نيابي ينتخبه الشعب العربي. ومنذ ذلك المؤتمر، تولى رئاسة اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني الذي أصبح رسمياً زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية إلى حين وفاته سنة 1934.[240]

وبسبب عوامل الضعف والتفكك التي أصابت الحركة الوطنية الفلسطينية خلال 1923 ـ 1928 فقد ضعفت فعالية المؤتمر العربي ولجنته التنفيذية. وفي الوقت نفسه، أخذت تبرز شخصية الحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الذي قاد الحركة الوطنية من وراء ستار. ومنذ 1932 أخذت تظهر الأحزاب الفلسطينية، وكان أولها حزب الاستقلال ثم ظهرت أحزاب الدفاع (النشاشيبية)، والعربي (حزب المفتي ـ الحسينية)، وغيرها.[241] غير أن الحزب العربي الذي حظي بدعم المفتي كان أقواها وأكثرها شعبية. ومع وفاة موسى كاظم تلاشى عملياً المؤتمر العربي، وحلت مكانه الأحزاب السياسية.

وعندما اندلعت الثورة الكبرى في إبريل 1936 شكَّلت الأحزاب العربية "اللجنة العربية العليا" برئاسة الحاج أمين الحسيني (في 25 إبريل 1936) الذي نزل إلى الميدان، وأخذ يتولى قيادة الحركة الوطنية مباشرة، وليس من وراء ستار كما كان يحدث من قبل. وأصبحت "اللجنة العربية العليا" هي الجهة التي تمثل الفلسطينيين وتطلعاتهم.[242]

وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية أعاد الفلسطينيون ترتيب أنفسهم، وشكّلوا "الهيئة العربية العليا"[243] برئاسة الحاج أمين الحسيني في 11 يونيو 1946. وحظيت هذه الهيئة بدعم الهيئات والأحزاب والفئات الفلسطينية، وبالتفاف الشعب الفلسطيني حولها، واعترفت الدول العربية بها ممثلة للفلسطينيين. غير أن الهيئة العربية العليا عانت من عدم قدرتها على العمل المتناسب مع خطورة المرحلة في داخل فلسطين، بسبب وجود الاستعمار البريطاني فيها، والذي منع عدداً من قياداتها من دخول فلسطين، وبالذات الحاج أمين الحسيني. كما عانت اللجنة من مشاكلها (ومشاكل رئيسها) مع عدد من الأنظمة العربية وخصوصاً الأردن والعراق، وقامت الأنظمة العربية بفرض قراراتها وتوجهاتها على الهيئة وتجاهل قيادتها وتجاوزها، بحجة أن قضية فلسطين قضية عربية، وأن الأنظمة العربية تتولى عملية التحرير. بينما كان عدد من الأنظمة العربية لا يزال تحت النفوذ الاستعماري القوي لبريطانيا والنفوذ المتصاعد لأمريكا، واللتان تدخلتا بفعالية لتحديد سياسات هذه الدول، والخطوط الحمراء لتحركها تجاه فلسطين. وحتى عندما دخلت الجيوش العربية فلسطين في مايو 1948 فإنها منعت الحاج أمين الحسيني من دخول فلسطين أو الوجود في الأماكن التي سيطرت عليها، ولم تمكِّن الأنظمة العربية الحاج أمين ورفاقه من تولي تنظيم وقيادة الشعب الفلسطيني في المناطق المحررة، بل باشرت بنفسها نزع أسلحة الفلسطينيين، وخصوصاً جيش الجهاد المقدس الذي نظمته الهيئة العربية العليا.

وكانت الهيئة العربية العليا قد قررت إنشاء حكومة فلسطينية لملء الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا من فلسطين، وسعت خلال أشهر مارس وإبريل والنصف الأول من مايو 1948 لإقناع الحكومات العربية بذلك، ولكن دون جدوى. وفي 23 سبتمبر 1948 قامت الهيئة بإعلان "حكومة عموم فلسطين" في غزة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. وقد أقرَّت الحكومات العربية ذلك، واعترفت بحكومة عموم فلسطين، ما عدا حكومة الأردن. وتأكيداً لشرعيتها، قامت حكومة عموم فلسطين والهيئة العربية العليا بالدعوة إلى مجلس وطني فلسطيني في غزة في الأول من أكتوبر 1948 برئاسة الحاج أمين. وقد انعقد المؤتمر بحضور جمهرة كبيرة من الشخصيات الفلسطينية، حيث تم الإعلان عن شرعية الحكومة الجديدة، وتقرر إعلان استقلال فلسطين، وإقامة دولة حرة ديموقراطية ذات سيادة، بحدودها الدولية المتعارف عليها في أثناء الاحتلال البريطاني.

وقام ملك الأردن الملك عبد الله من جانبه بالسعي لتمثيل الفلسطينيين، فانعقد بدعمه في عمان في الأول من أكتوبر 1948 مؤتمر في عمان برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي أنكر على مؤتمر غزة تمثيله للفلسطينيين. وانعقد في أريحا مؤتمر في الأول من ديسمبر 1948 برئاسة محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل، تم الإعلان فيه عن وحدة الأرضي الأردنية والفلسطينية، ومبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين. وفي آخر ديسمبر من العام نفسه، انعقد مؤتمرٌ ثالثٌ في رام الله ورابعٌ في نابلس، وقد أيدا قرارات مؤتمر أريحا. وقد أثار موقف الأردن معارضة شديدة في الأوساط العربية والفلسطينية الرسمية والشعبية، غير أن سيطرة القوات الأردنية على معظم ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية) مكّنها من منع حكومة عموم فلسطين من ممارسة صلاحياتها، وتم في النهاية توحيد الضفة الغربية مع شرق الأردن في إبريل 1950.[244]

وعندما حاولت حكومة عموم فلسطين ممارسة صلاحياتها في قطاع غزة، تدخلت السلطات المصرية، فنقلت الحاج أمين الحسيني بالقوة إلى القاهرة، وأجبرت عدداً من أعضاء المجلس الوطني على مغادرة غزة إلى القاهرة. ثم ما لبثت أن أكرهت رئيس وأعضاء حكومة عموم فلسطين على الانتقال إلى مصر. وبقيت حكومة عموم فلسطين قائمة في مصر دون أن تستطيع القيام بأي من الأعمال المنوطة بها، لا سيما في الحقل السياسي. وفرضت السلطات المصرية حصاراً على دار الهيئة العربية العليا في القاهرة، ووضعت الحاج أمين تحت رقابة مُشدَّدة، حرمته من حرية العمل والتنقل. ومع الزمن، لم تعد حكومة عموم فلسطين غير هيئة شكلية ظلَّت تبعث بممثلين عنها لحضور اجتماعات الجامعة العربية. أما الحاج أمين والهيئة العربية العليا فقد عانيا من استمرار الحصار والتجاهل، واضطر الحاج أمين لمغادرة القاهرة سنة 1958 إلى لبنان، بسبب الضغط والتضييق من عبد الناصر عليه، وخصوصاً لخلفيته الإسلامية وعلاقاته المتميزة بالإخوان المسلمين الذين كان عبد الناصر يلاحقهم ويسجنهم. وعملياً، فقد انتهى أي تأثير للهيئة العربية العليا بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، وظهور العمل الفدائي الفلسطيني، وبوفاة الحاج أمين الحسيني نفسه في 4 يوليو 1974، ولا يزال لهذه الهيئة مكتب صغير في عمان.[245]

منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف):[246]
كانت فلسطين ممثلة لدى جامعة الدول العربية منذ إنشائها سنة 1945. فقد مثَّلها في البداية موسى العلمي، ثم تولى ذلك أحمد حلمي عبد الباقي إلى حين وفاته سنة 1963. وفي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين أخذت الساحة الفلسطينية تموج بالحركات والمنظمات الفدائية والسياسية التي تسعى لتحرير فلسطين. وكان نجاح الثورة الجزائرية سنة 1962 عاملاً مُحفِّزاً ونموذجاً دفع الكثير من الفلسطينيين للاعتقاد بإمكان أن يتولى أبناء القُطر الواحد عملية المقاومة والتحرير في الوقت الذي يتلقون الدعم والإسناد من أشقائهم العرب. كما كان فشل تجربة الوحدة المصرية ـ السورية 1958 ـ 1961 عاملاً آخر في دفع الفلسطينيين إلى عدم انتظار تحقق الوحدة العربية، وعدم التعويل عليها، بالنظر إلى واقع الأنظمة العربية وخلافاتها. وقد خشيت الأنظمة العربية ـ وخصوصاً مصر ـ أن يفلت زمام القضية الفلسطينية من يدها، فبادرت إلى محاولة إيجاد شكل مؤسسي تمثيلي للفلسطينيين، يستوعب الساحة الفلسطينية، ويُبقي الأمور تحت السيطرة قدر الإمكان.

ولم تعبأ الجامعة العربية - في دورتها الأربعين سنة 1963 - برأي الهيئة العربية العليا ولا حكومة عموم فلسطين في تعيين مندوب فلسطين لدى الجامعة. وعينت بنفسها أحمد الشقيري الذي حظي بدعم عبد الناصر، وقد أُرفق بقرار اختياره تكليفه ببحث القضية الفلسطينية في جميع جوانبها، والوسائل التي تؤدي إلى دفعها في ميدان الحركة والنشاط. وعندما انعقد مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة في 13 يناير 1964 أصدر قراراً بإنشاء كيانٍ فلسطيني يُعبِّر عن إرادة شعب فلسطين، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه، لتمكينه من تحرير أرضه وتقرير مصيره. ومن الجدير بالذكر أن الجامعة العربية كانت قد أقرَّت سنة 1959 فكرة إنشاء كيان فلسطيني، لكنه ظلَّ عرضة للتسويف والتأجيل، إلى أن أعيد إحياء الفكرة سنة 1963.

وقام أحمد الشقيري، مستفيداً من الدعم المصري، ومن حماسة الفلسطينيين لإنشاء كيان خاص بهم، بعمل ثلاثين جولة في مناطق التجمعات الفلسطينية. وقام خلال الجولة بوضع "الميثاق الوطني الفلسطيني" والنظام الأساسي "لمنظمة التحرير الفلسطينية"، وأجرى ترتيبات عقد مؤتمر فلسطيني عام في القدس، والذي انعقد في 28 مايو ـ 2 يونيو 1964، وقام الملك حسين بافتتاحه. وسمُّي هذا المجلس "المجلس الوطني الأول" وهو الذي أعلن إنشاء "منظمة التحرير الفلسطينية"، وانتخب أحمد الشقيري رئيساً لها، وأقر الميثاق القومي الفلسطيني، كما قرر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً للقيام بدوره في تحرير وطنه، كما وافق على إنشاء الصندوق القومي الفلسطيني.

وقد أكد الميثاق القومي الفلسطيني[247] على عروبة فلسطين، وحق أبناء فلسطين في أرضهم، ورفض المشروع الصهيوني، ورفض الاعتراف بالدولة اليهودية الصهيونية، ورفض قرار تقسيم فلسطين. وأكد تصميم الشعب الفلسطيني على المضي قدماً على طريق الجهاد المقدَّس حتى يتحقق له النصر النهائي، واعتبر أن تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية هدفان متكاملان يؤدي أحدهما إلى تحقيق الآخر، ويجب أن يسيرا جنباً إلى جنب. وقد اتسم هذا الميثاق بروح قومية علمانية عكست الواقع السياسي والأيديولوجي العربي والفلسطيني في ذلك الوقت.

لم يكن مطلوباً من الشقيري أن ينشئ "الكيان" الفلسطيني، إذ كان مكلفاً فقط بتقديم دراسته وتوصياته عن الموضوع إلى مؤتمر القمة العربي الثاني. لكن الشقيري "تجاوز صلاحياته" ـ بدعم مصري ـ وأنشأ م.ت.ف على أرض الواقع، خشية أن تعود القضية إلى أدراج الجامعة العربية ومداولات لجانها و"يموت" المشروع مرة أخرى.

وقد عادت "إشكالية" حق تمثيل الفلسطينيين لتبرز مرة أخرى بإنشاء م.ت.ف. وتميز الأمر بحساسية شديدة خصوصاً بالنسبة إلى الأردن التي يحمل غالبية الفلسطينيين جنسيتها، ويُشكِّلون غالبية سكانها. وقد اضطر الشقيري لطمأنة الملك حسين مراراً مؤكداً أن تركيز عمل م.ت.ف سيكون على تحرير الأرض "غرب" الضفة الغربية (أي فلسطين المحتلة 1948). ومع ذلك فإن محاولات م.ت.ف إنشاء قوات فلسطينية وتجنيد الفلسطينيين في الضفة الغربية قد لقي معارضة الأردن. ودخلت العلاقة بين م.ت.ف والأردن مرحلة من التوتر والاتهامات المتبادلة منذ 1966، مما أعاق عمليات تنظيم وتعبئة الفلسطينيين غربي الأردن وشرقيه.

وفي الوقت نفسه نظرت المنظمات الفدائية الفلسطينية (فتح وغيرها) إلى م.ت.ف نظرة شكٍّ وتوجُّس، وعدّتها نتاج الواقع العربي بضعفه وتمزقه وخشيت أن تكون أداة لهيمنة الأنظمة العربية على الساحة الفلسطينية. ولذلك لم تندمج هذه المنظمات أو تشارك في م.ت.ف، واكتفت "فتح" بتمثيل فردي رمزي في المجلس الوطني كموطئ قدم، ولتكون على اطلاع بما يجري.[248]

وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة إلا أن م.ت.ف نجحت في تثبيت مؤسساتها، وأصبحت الجهة الأوسع تمثيلاً للشعب الفلسطيني.

وعندما حدثت كارثة حرب 1967 وضاع ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وانكشف الضعف العربي، وتبخرت الآمال في قيادة عبد الناصر، وفي الشعارات القومية لتحرير فلسطين، شَعَرَ الفلسطينيون بوجوب أخذ زمام المبادرة والتخلص من حالة الهيمنة والوصاية العربية. واضطرت الأنظمة العربية على أن توافق على فتح المجال أمام العمل الفدائي الفلسطيني، تنفيساً عن مشاعر الجماهير، وتوجيهاً لغضبها وثورتها ضد العدو الصهيوني. ولذلك تمَّ إعادة النظر في م.ت.ف ودورها وقيادتها، واضطر أحمد الشقيري للاستقالة في 24 ديسمبر 1967 لإفساح المجال أمام تحقيق الوحدة الوطنية، ودخول المنظمات الفدائية في المنظمة. وقد تولى يحيى حمودة رئاسة اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بالوكالة خلفاً للشقيري، وبدأ جهوداً حثيثة لإعادة صياغة م.ت.ف والعلاقات الداخلية الفلسطينية. ونجحت هذه الجهود بدخول معظم المنظمات الفدائية م.ت.ف وخصوصاً حركة فتح، وبإعادة صياغة الميثاق القومي الفلسطيني ليحل مكانه "الميثاق الوطني الفلسطيني"، كما تم إعادة ترتيب عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ليتكون من مائة عضو فقط. وبناء على ذلك عقد المجلس الوطني الرابع في القاهرة 7 ـ 17 يوليو 1968 حيث أقرّت هذه التغييرات، وتحقق للمنظمات الفدائية السيطرة على م.ت.ف. وفي المجلس الوطني الخامس في القاهرة 1 ـ 4 فبراير 1969 تمت للمنظمات الفدائية السيطرة على قيادة اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وتولى ياسر عرفات زعيم حركة فتح رئاسة المنظمة منذ ذلك الحين.[249]
وقد تمكنت م.ت.ف من انتزاع صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في مؤتمر القمة العربي في الرباط في أكتوبر 1974. وفي الشهر التالي استطاعت الحصول على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة. وعندما أعلنت م.ت.ف استقلال فلسطين في نوفمبر 1988 اعترفت بها أكثر من 120 دولة في العالم، وحوَّلت كثير منها مكاتب م.ت.ف فيها إلى سفارات لدولة فلسطين رغم أن هذه الدولة لم تقم بعدُ على الأرض. وفي أعين الأنظمة العربية والأمم المتحدة لا تزال م.ت.ف تمثل الفلسطينيين. غير أن قدرتها على تمثيل الفلسطينيين كافة ظلَّت أمراً نسبياً، وتواجهه مشكلات عملية وميدانية في كثير من الأحيان، ومن ذلك:
1. عدم قدرة م.ت.ف على تشكيل مجلس وطني فلسطيني منتخب شعبياً، ويمثل بدقة الشرائح المختلفة للفلسطينيين، لاستحالة ذلك عملياً في البلاد العربية التي يمنع معظمها مثل تلك الممارسة.
2. دخول وخروج عدد من المنظمات الفدائية الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انضمت متأخرة، ثم ما لبثت أن خرجت سنة 1974 مُشكِّلة "جبهة الرفض" مع عدد من الفصائل الأخرى. ثم تكررت عودتها أو مقاطعتها للمجلس الوطني أو للجنة التنفيذية بحسب التطورات السياسية.
3. وجود عدد من المنظمات الفدائية الفلسطينية التي تمثل أنظمة عربية معينة وتلتزم بسياساتها، وتتأرجح علاقاتها بـ م.ت.ف وفق علاقات النظام العربي نفسه مع م.ت.ف، مثل "الصاعقة" التي تتبع "البعث" السوري، ومثل جبهة التحرير العربية التي تتبع "البعث" العراقي ...
4. ظهور قوى إسلامية فلسطينية تتمتع بحضور شعبي واسع (حماس والجهاد الإسلامي) ورفضها الانضمام إلى م.ت.ف.
5. خسارة م.ت.ف لقاعدة وجودها في الأردن إثر أحداث 1970 ـ 1971، ولقاعدتها في لبنان إثر الاجتياح "الإسرائيلي" سنة 1982، وتراجع قدرتها على التفاعل مع الحياة اليومية للفلسطينيين في الخارج.
6. دخول م.ت.ف في مسار التسوية السلمية، وتوقيعها اتفاقات أوسلو سنة 1993، أوجد انقساماً شديداً في الشارع الفلسطيني، الذي وجدت قطاعات كبيرة منه أن م.ت.ف لم تعد تمثل طموحاته ولا همومه، بعد أن تنازلت رسمياً عن 77% من أرض فلسطين للكيان الإسرائيلي، ونبذت الكفاح المسلح.
7. تشكيل السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة والقطاع، نقل مركز الثقل في قيادة م.ت.ف إلى سلطة الحكم الذاتي، وهمَّش دور م.ت.ف السياسي، كما أضعف بشكل كبير فعالية مؤسساتها المختلفة.
8. إن طريقة قيادة رئيس المنظمة لـ م.ت.ف، وتركز السلطات في يديه، وعدم تشجيع استقرار ونمو مؤسسات م.ت.ف وقيامها بدورها بفعالية وممارسة صلاحياتها ... أفرغ كثيراً من مؤسسات م.ت.ف من محتواها ورسالتها.

يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:53 am

هيكلية م.ت.ف:
أ. المجلس الوطني الفلسطيني:[250]
هو أعلى سلطة في م.ت.ف، وهو يمثل المجلس النيابي التشريعي في الدول، وهو الجهة التي تضع السياسات العامة، وتضع الخطط، وتتابع أداء قيادة م.ت.ف وتحاسبها. ويتكون من مندوبي الفصائل الفدائية الفلسطينية، وممثلي الاتحادات النقابية والطلابية والمستقلين ... وكان يفترض في هذا المجلس أن ينعقد مرة كل سنة، لكن عدم وجود جهات مضيفة تسمح له بحرية القرار ولقيادته بحرية الحركة، وعدم سهولة تجميع الممثلين المشتتين على مواطن الشتات الفلسطيني، أَضْعَف من فرص اجتماعاته. ومنذ السبعينيات أخذ ينعقد مرة كل 3 ـ 5 سنوات، ولم تعد قيادة م.ت.ف تدعو هذا المجلس إلا لتمرير قرارات سياسية تم إعدادها سابقاً. كما تأثرت مصداقية المجلس التمثيلية للشعب الفلسطيني بشكل كبير عندما أخذت قيادة م.ت.ف تُدخل عناصر كثيرة موالية تحت بند المستقلين. وتضخمت أعداد أعضاء المجلس من مائة سنة 1968 إلى أكثر من خمسمائة في الثمانينيات، ووصل في المؤتمر الـ21 المنعقد في غزة في مايو 1996 إلى 604 أعضاء. وفي كثير من الأحيان كانت القرارات تؤخذ "بالتصفيق"!! وفقد المجلس مع الزمن قدرته على الرقابة والمحاسبة والمتابعة، وتحولت اجتماعاته إلى مظاهر احتفالية أكثر منها ممارسات تشريعية. وتتحمل قيادة م.ت.ف مسئولية تحويل المجلس إلى هذه الحالة "المريحة لها" التي جعلت منه أداة بيدها وليس العكس. وهذا من أسباب استنكاف التيار الإسلامي عن المشاركة في المجلس.

وكان من أهم محطات هذا المجلس مجلسه الوطني الـ12 (القاهرة 1 ـ 9 يوليو 1974) الذي أقر البرنامج السياسي المرحلي (برنامج النقاط العشر) الذي أقر لأول مرة أن يكون الكفاح المسلح وسيلة رئيسية للتحرير وليس الوسيلة الوحيدة. والمجلس الوطني الـ19 (الجزائر 12 ـ 15 نوفمبر 1988) الذي أعلن دولة فلسطين، واعترف لأول مرة بقرارات الأمم المتحدة 242 و338. والمجلس الوطني الـ21 الذي انعقد في غزة في مايو 1996 وقرر حذف جميع البنود المعادية للكيان الصهيوني من الميثاق الوطني الفلسطيني!!

ب. المجلس المركزي:[251]
في الدورة الحادية عشر للمجلس الوطني (6 ـ 12 يناير 1973) تقرر تشكيل مجلس مركزي بحيث يكون هيئة وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. وذلك لسدِّ الفراغ التشريعي والتوجيهي بسبب تباعد المدى الزمني للقاءات المجلس، ويتولى اتخاذ القرارات في القضايا التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية، ويُقرّ خُططها التنفيذية، ويتابع تنفيذها لقرارات المجلس.

وقد تشكل المجلس المركزي الأول من 32 عضواً مناصفة بين المنظمات الفدائية والكفاءات الفلسطينية غير المنتمية والاتحادات الشعبية. وكان يفترض أن يجلس مرة كل شهرين على الأقل، وأن يكون أداة ديناميكية فعّالة في مراقبة أداء م.ت.ف. وتطويره. ولكن مصير هذا المجلس لم يختلف كثيراً عن المجلس الوطني، إذ تمت مضاعفة أعداد أعضائه (وصل سنة 1990 عدد أعضائه إلى 108)، و"ترهّل" جسمه، وعانى بالتالي من مصاعب الاجتماع واتخاذ القرار ...، فبقيت القدرة على المبادرة، واتخاذ القرار بيد اللجنة التنفيذية، أو بالأحرى شخص رئيسها.

ج. اللجنة التنفيذية:[252]
تشبه اللجنة التنفيذية الحكومة أو السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية، وهي أعلى سلطة تنفيذية في م.ت.ف. وتكون دائمة الانعقاد وأعضاؤها متفرغون للعمل. وتتولى تنفيذ السياسات والخطط والبرامج التي يُقرُّها المجلس الوطني. وتتولى مهام تمثل الشعب الفلسطيني، والإشراف على مؤسسات م.ت.ف، وإصدار اللوائح والتعليمات والقرارات التي تنظم أعمال م.ت.ف، وتُنفذ السياسة المالية لـ م.ت.ف، وتُعِدُّ ميزانيتها.

وفي المجالس الوطنية الثلاث الأولى كان النظام يقتضي أن يقوم المجلس بانتخاب رئيس اللجنة التنفيذية، ثم يقوم هو باختيار باقي أعضاء اللجنة. ومنذ المؤتمر الرابع أصبح النظام يقتضي أن ينتخب المجلس الوطني اللجنة التنفيذية، وتقوم هي باختيار الرئيس من بين أعضائها. وعادة ما كان عدد أعضاء اللجنة التنفيذية 15 عضواً (ثمانية من الفصائل الفلسطينية وسبعة من المستقلين)، لكن العدد زاد في المجالس الأخيرة إلى 18 عضواً.

ومن الناحية العملية، فإن اللجنة التنفيذية تقوم بدورٍ محوريٍ في عمل م.ت.ف، وهي تتولى السلطات الفعلية في المنظمة، وعادة ما تفرض سياسة "الأمر الواقع" على المجلس المركزي والمجلس الوطني، إذ تفعل ما تشاء ثم تعود لأخذ الموافقة و"البركة" من هذين المجلسين. ويمسك رئيس اللجنة التنفيذية بزمام الأمور، وعادة ما يفرض على "التنفيذية" توجهاته وقراراته.

د. دوائر م.ت.ف:[253]
للمنظمة عدد من الدوائر تشبه الوزارات في الأنظمة السياسية، وتقوم اللجنة التنفيذية بإنشاء هذه الدوائر، وعادة ما يتولى أحد أعضاء اللجنة التنفيذية مسئولية دائرة من الدوائر، وقد تتعرض هذه الدوائر للتغيير والحذف والزيادة. أما أهم هذه الدوائر فهي:
1. أمانة السر. 2. الدائرة السياسية.
3. الدائرة العسكرية 4. الصندوق القومي.
5. دائرة شئون الوطن المحتل. 6. دائرة التربية والتعليم العالي.
7. دائرة العلاقات القومية. 8. دائرة الإعلام والثقافة.
9. دائرة التنظيم الشعبي. 10. دائرة الشئون الاجتماعية.
11. دائرة الشؤون الإدارية.

السلطة الوطنية الفلسطينية:
تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية بناء على اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) مع الكيان الإسرائيلي. وهي تتولى السلطة في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أخذت هذه السلطة بُعداً تمثيلياً للفلسطينيين في الضفة والقطاع، إذ تم شعبياً في يناير 1996 انتخاب مجلس تشريعي من 88 عضواً، كما تم انتخاب رئيس السلطة (ياسر عرفات) مباشرة من فلسطيني الضفة والقطاع. ورغم أن المعارضة الفلسطينية (حماس والجهاد والشعبية والديموقراطية وغيرها) قاطعت الانتخابات، إلا أنها المرة الأولى التي يمارس فيها جزء كبير من الفلسطينيين حقوقاً انتخابية سياسية. ومع ذلك فإن تمثيل السلطة للفلسطينيين ظلَّ محصوراً بأبناء الضفة والقطاع، دون أن يشمل فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948، ولا فلسطينيي الخارج.

ثانياً - حركات المقاومة الفلسطينية حتى سنة 1956
جماعة القسام "الجهادية":[254]
الشيخ عز الدين عبد القادر مصطفى القسام، من مواليد بلدة جبلة قضاء اللاذقية في سوريا سنة 1882، درس في الأزهر، وعاد ليكون أحد دعاة الإسلام النشطين في بلدته في سوريا. كان من قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين خلال الفترة 1918 ـ 1920، وقد انتقل إلى فلسطين بعد توقفها، واستقر في حيفا.

عُرف الشيخ القسام بتقواه وورعه، وذكائه، وسعة علمه، وكان سلفي العقيدة محارباً للانحرافات والبدع، وكان قدوة في سلوكه وما يدعو إليه. وكان القسام شجاعاً جريئاً ومن أكثر العلماء تطرقاً للجهاد، قال يوماً وهو على المنبر يخطب "رأيت شباناً يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شباناً يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب".

ولقد كان القسام متفاعلاً مع الواقع، ذا شخصية اجتماعية منفتحة محببة، تحمل هموم الناس وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولأنه كان حسن السيرة والعشرة، ومحدثاً لبقاً وخطيباً بارعاً، قوي الحجة، ومتواضعاً بعيداً عن الغرور، فقد كان لذلك أثره في أن يكون ذا شعبية كبيرة.

وقد جعلته هذه الصفات، فضلاً عن رصيد تجربته الجهادية، مؤهلاً لأن يكون مؤسساً لتنظيم جهادي قوي له دوره المهم في تاريخ فلسطين الحديث المعاصر.[255]

ترجع نشأة جماعة القسام إلى سنة 1925 عندما ابتدأ الشيخ عز الدين القسام في إنشاء تنظيم جهادي سري، يستمدُّ فهمه ومنهجه من الإسلام، ويَعدُّ الجهاد طريقاً وحيداً لإنقاذ فلسطين.[256] وقد عدّ أميل الغوري هذا التنظيم "أخطر منظمة سرية وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بل تاريخ الجهاد العربي الحديث".[257] وقد أطلق على هذا التنظيم اسم "المنظمة الجهادية"،[258] ولكن غلب عليه بعد استشهاد القسام اسم جماعة القسام أو القساميون،[259] وكان شعار التنظيم "هذا جهاد نصر أو استشهاد".[260]

وكانت جماعة القسام لا تقبل أي عضو إلا بعد انتقاء وتمحيص، ولا تدخل في عضويتها إلا من كان "مؤمناً مستعداً أن يموت في سبيل بلاده" ومن أهل الدين والعقيدة الصحيحة،[261] وقد استفاد القسام من وظيفته إماماً وخطيباً لمسجد الاستقلال في حيفا منذ سنة 1925، وكمأذون شرعي منذ سنة 1930، في الاتصال بالناس وانتقاء العناصر المناسبة لجماعته. كما استفاد من رئاسته لفرع جمعية الشبان المسلمين في حيفا كغطاء مقبول لحركته ونشاطه وزياراته للقرى، وإنشاء فروع لهذه الجمعية في اللواء الشمالي، والتي أصبحت غطاءً مناسباً لإخوانه المجاهدين المحليين.[262] وتشكلت القيادة الأولى للتنظيم القسامي سنة 1928، وضمت فضلاً عن رئيسها القسام كلاًّ من العبد قاسم ومحمود زعرورة ومحمد الصالح الحمد وخليل محمد عيسى. وكان مركزها حيفا، وكانت القيادة جماعية ومسؤولة عن اتخاذ كافة القرارات المهمة.[263] وبلغ عدد أفراد الجماعة سنة 1935 حوالي مائتي منتظم أكثرهم يشرف على حلقات توجيهية من الأنصار، الذين يصل عددهم إلى ثمانمائة.[264]

وقد أنشأ تنظيم القسام خمس وحدات متخصصة تضمنت وحدة لشراء السلاح، ووحدة للتدريب، ووحدة للتجسس على اليهود والإنجليز، وكان أفرادها بشكل عام ممن يشتغل في دوائر الحكومة وخصوصاً الشرطة، ورابعة للدعاية للثورة، وخامسة للاتصالات السياسية.[265] أما ماليتها فقد اعتمدت على اشتراكات الأعضاء وتبرعات الموثوقين.[266] وكان من منهج التنظيم أن يتدرب جميع أفراده على حمل السلاح، بحيث يكونون مستعدين لخوض معارك الجهاد عند إعلانها، وكان على كل عضو أن يدبر أمر تجهيز نفسه بالسلاح.[267] ولم يكن حال أغلب الأعضاء ميسورة، إذ كانوا يكدون من أجل لقمة العيش ومع هذا "فقد منعوا أنفسهم الخبز من أجل ابتياع السلاح" ومن أجل أن يعتمدوا على أنفسهم في العمل والإعداد.[268]

ويبدو أن انتقال جماعة القسام إلى مرحلة التسليح والتدريب كان في أواخر سنة 1928،[269] وجاءت ثورة البراق في أغسطس 1929 لتعزز الاتجاه العسكري لدى الجماعة، فأخذ القسام يسهم في عملية التدريب بنفسه، والتي شملت رحلات ليلية وحركات استطلاعية وتمارين على إصابة الهدف.[270] وعندما أرادت الجماعة أن تعلن عن نفسها في نوفمبر 1935 كانت تملك حسبما ذكر صبحي ياسين ـ وهو أحد أعضائها ـ ألف قطعة سلاح وقاعدة تسليح في منطقة اللاذقية.[271]

ورغم أن جماعة القسام لم تعلن عن نفسها إلا في وقت متأخر، فإنها قامت بعدد من العمليات العسكرية خصوصاً في الفترة 1930 ـ 1932 وقد بدت وكأنها عمليات فردية. ويبدو أن هذه العمليات كانت من باب كسر حاجز الخوف لدى أفراد الجماعة، وجس النبض وردود الفعل لدى العرب والإنجليز واليهود، وربما كانت تعبيراً عن الحماس والتفاعل مع القضايا الوطنية ومحاولة تصعيدها بما يتناسب وخطة الإعداد والتعبئة.

وفي نوفمبر 1935 أعلنت جماعة القسام "الجهادية" الجهاد، وقد اختفى القسام وعدد من إخوانه في أواخر أكتوبر، بعد أن باع بيته الوحيد في حيفا، وباع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم ليوفروا الرصاص والبنادق.[272]

وبعد فجر يوم 20 نوفمبر 1935 طوقت قوات كبيرة من الشرطة تقدر بأربعمائة رجل ـ معظمهم من الإنجليز ـ القسام وعشرة من إخوانه في أحراش (يعبد) عند قرية الشيخ زيد. وقد بدأت المعركة في الخامسة والنصف صباحاً واستمرت أربع ساعات ونصف الساعة. وقد استشهد في هذه المعركة الشيخ عز الدين القسام ويوسف الزيباوي ومحمد حنفي المصري، وقبض على نمر السعدي وأسعد المفلح اللذين أصيبا بجراح، كما قبض على عربي بدوي ومحمد يوسف وأحمد جابر وحسن الباير.[273]

وكان لجماعة القسام شرف تفجير الثورة الكبرى 1936 ـ 1939[274] في عملية عنبتا ـ نور الشمس في 15 إبريل 1936، والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ فرحان السعدي. كما كان لها شرف تفجير المرحلة الثانية من الثورة عندما قامت في 26 سبتمبر 1937 باغتيال أندروز الحاكم البريطاني لمنطقة الجليل. وأسهم القساميون في تنظيم وقيادة الثورة فشارك ثلاثة منهم (من أصل ستة) في عضوية القيادة العسكرية والتي اختارت في 2 سبتمبر 1936 فوزي القاوقجي قائداً عاماً للثورة الذي استمر في القيادة حتى نهاية المرحلة الأولى من الثورة في 12 أكتوبر 1936.

وقد تولى قيادة الثورة في شمال فلسطين القائد القسامي أبو إبراهيم الكبير وكان معظم قيادته من الحركة القسامية (أبو محمود الصفوري، وسليمان عبد الجبار، وعبد الله الأصبح، وتوفيق الإبراهيم، وعبد الله الشاعر، ... وغيرهم). وفي منطقة لواء نابلس المقسمة إلى أربعة أقسام، كان هناك قائدان قساميان بارزان هما الشيخ عطية أحمد عوض والذي خلفه في منطقته الشيخ القسامي يوسف أبو درة، والشيخ محمد الصالح الحمد (أبو خالد) والذي خلفه في منطقته الشيخ القسامي عبد الفتاح محمد الحاج مصطفى. هذا بالإضافة إلى منطقة يقودها عبد الرحيم الحاج محمد، وأخرى يقودها عارف عبد الرازق.

وبشكل عام فقد كان لجماعة القسام دورٌ أساسي في الثورة الكبرى قيادةً وتوجيهاً وأفراداً وتضحيات.

وعندما أعلنت الحرب عامي 1947 ـ 1948 عاد القساميون للمشاركة في ميادين الجهاد من جديد، وقد عمل معظمهم تحت توجيه الحاج أمين الحسيني ضمن جيش الجهاد المقدس، أو مع جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي. وقد ظل القساميون يعملون بالذات في مناطق الشمال كأبي إبراهيم الكبير وأبي إبراهيم الصغير، وأبي محمود الصفوري، وسرور برهم، ولكن هذه المرة لم يكونوا هم القيادات الموجهة المسيطرة المحركة للوضع، وإنما كانوا تابعين لقيادات أعلى ـ كثيراً ما وضعتهم في ظروف صعبة ـ بحيث لم يتمكنوا من أداء واجبهم كما يشاؤون. شارك أبو إبراهيم الكبير ضمن قيادة فوج اليرموك الثاني التابع لجيش الإنقاذ، والذي كان يتولى قيادته أديب الشيشكلي. وتولى أبو إبراهيم الصغير العمل في منطقة الناصرة تابعاً لجيش الجهاد المقدس. وتولى أبو محمود الصفوري الدفاع عن شفا عمرو تحت إمرة الجهاد المقدس أيضاً.[275]

منظمة الجهاد المقدس:
كان لعبد القادر الحسيني (ابن زعيم الحركة الوطنية في فلسطين موسى كاظم الحسيني) دورٌ أساسيٌ في إنشاء هذه المنظمة وقيادتها. وعبد القادر من الشخصيات الفلسطينية المشهورة بوطنيتها الصادقة والتزامها الإسلامي. وكان قد درس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي حفلة تخرجه سنة 1932 - قام بتمزيق شهادة التخرج بعد أن استلمها من رئيس الجامعة - على مرأى من الحشد الكبير الذي حضر الحفل من رجال السياسة والعلم والمكانة في مصر. وصرخ في وجه رئيس الجامعة قائلاً: إني لست في حاجة إلى شهادة معهدكم الذي هو معهد استعماري تبشيري .. وألقى في الحاضرين كلمة عن الاستعمار والتبشير وهتف لفلسطين، وما لبث الجمهور المذهول أن قابله بعاصفة من التصفيق الحاد. ويعكس هذا الموقف غيرته على الإسلام ووطنيته وجرأته. وقد قامت الجامعة بسحب شهادته، كما قامت السلطات المصرية ـ تحت ضغط بريطاني أمريكي ـ بطرده من مصر.[276]

وبعد أن عاد عبد القادر الحسيني من مصر في يوليو 1932، أخذ يشكل مع مجموعة من الشباب الوطني المتحمس تنظيماً سرياً عسكرياً، يهدف إلى مقاومة السلطات البريطانية، وتحطيم المشروع اليهودي الصهيوني، حيث تم ترتيب أمور هذا التنظيم في مارس 1934، برئاسة عبد القادر الحسيني، وأطلق عليه بعد ذلك اسم "منظمة المقاومة والجهاد"، واتسع ليشمل مناطق مختلفة من فلسطين، غطّت 17 فرعاً في مدن فلسطين، ووصل عدد أعضائه إلى نحو 400 شخص، كما أوجد التنظيم سبعة مراكز سرية للتدريب.[277] وقد اصطبغ هذا التنظيم بالصبغة الوطنية، وشارك في عضويته العديد من النصارى، كان من أبرزهم أميل الغوري، وحنا خلف.[278]

ويذكر أميل الغوري، أن الحاج أمين الحسيني، كان يتابع هذا النشاط السري، دون أن يلاحظ أعضاء التنظيم ذلك، وفي صيف 1935 دعا الحاج أمين عبد القادر الحسيني وزملاءه المسئولين، وطلب منهم توحيد جهودهم مع جهوده التنظيمية السرية التي كان يعدها هو أيضاً، ويضيف أنه نتيجة هذا التوحيد، تشكلت "منظمة الجهاد المقدس" برعاية الحاج أمين وتحت إشرافه.[279]

ويضيف الغوري قائلاً: أنه لما تشكلت اللجنة العربية العليا لفلسطين في إبريل 1936 برئاسة الحاج أمين، تبنت اللجنة "منظمة الجهاد المقدس"، فأصبحت بمثابة جهازها العسكري، حيث أسند الحاج أمين قيادتها لعبد القادر الحسيني.[280]

وقد تولى عبد القادر الحسيني فعلياً قيادة منطقة القدس في أثناء الثورة الكبرى (1936 ـ 1939). وفي بداية الثورة، اجتمع عبد القادر ونفر من إخوانه المجاهدين في منطقة القدس، حيث أدى الجميع الصلاة متضرعين إلى الله تعالى أن يأخذ بأيديهم وينصرهم على أعدائهم، مؤكدين أن هجرتهم خالصة لله سبحانه وتعالى، وعزمهم على ترك مدينة القدس والاعتصام بجبالها "لا تشرداً ولا بطراً، ولكن حباً لله وجهاداً في سبيله، ونصرة للدين وذوداً عن الوطن، ودفاعاً عن الحرمات. والأعراض والحريات والمقدسات".[281]

وأخذت فصائل المجاهدين بقيادة عبد القادر الحسيني تهاجم القوات الإنجليزية وتجمعات اليهود، وتقطع طرق المواصلات في البلاد، وكان من أشد المعارك التي خاضها عبد القادر الحسيني معركة "حوسان ـ الخضر"، في 4 أكتوبر 1936، التي انتهت باستشهاد البطل السوري سعيد العاص، وأصيب فيها عبد القادر الحسيني نفسه، بجراح ثم أُسر بعد ذلك. وقد وقعت بالقوات البريطانية خسائر كبيرة، وقبل أن تحاكم السلطة البريطانية عبد القادر بيوم واحد استطاع الهرب في 11 ديسمبر 1936 إلى العراق.[282]

ثم ما لبث عبد القادر الحسيني أن عاد للقدس في خريف 1937، بعد أن تدرب تدريباً عسكرياً في ألمانيا، وهناك رتب الفصائل وقاد أعمال الجهاد من جديد، وكان من أهم المعارك التي خاضتها فصائله، "معركة عرتوف الكبرى" في 14 أكتوبر 1937، ومعركة "بني نعيم الكبرى"، في 4 أكتوبر 1938، والتي أصيب فيها عبد القادر بجراح. ومع تغير ظروف الثورة، وزيادة البطش البريطاني، ونشوب الحرب العالمية الثانية، توقفت الثورة في منطقة القدس، وغادر عبد القادر الحسيني فلسطين إلى العراق.[283]

وفي ديسمبر 1947 أعادت الهيئة العليا لفلسطين تشكيل الجهاد المقدس باسم "جيش الجهاد المقدس" وبقيادة عبد القادر الحسيني نفسه. وكان هذا الجيش يمثل "الجيش الفلسطيني" الذي وضعت القيادة الوطنية الفلسطينية ثقلها فيه. وكان يتكون من 5 ـ 7 آلاف مقاتل، تساندهم فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم والذين يستدعون عند الحاجة، ويبلغ مجموعهم نحو عشرة آلاف.[284]

وعلى الرغم من حماسة أفراد الجهاد المقدس وتضحياتهم، لكن هذا الجيش كان ضعيف التسليح والتدريب قياساً بإمكانات القوات اليهودية الصهيونية. وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع "الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي كان يتم التبرع بها إلى هذا الجيش، والذي كان بأمس الحاجة إليها.

توزعت قوات الجهاد المقدس على مختلف مناطق فلسطين، وخاضت معارك كثيرة ناجحة مثل معارك جوليس، والنبي داود، وأبو شريتح، ومجد الكروم، والكابري، والبروة، وبيت سوريك، والماصيون، وميكور حاييم. وقامت فرقة التدمير في الجهاد المقدس بنسف شارع هاسوليل في القدس الجديدة مما أدى إلى قتل وجرح المئات، كما فجرت شارع بن يهودا في القدس حيث أصيب أكثر من ألفي يهودي بين قتيل وجريح.[285]

وكان استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 9 إبريل 1948، أحد النماذج المشرفة للتضحية والجهاد في فلسطين، وكان له أثر بالغ على جيش الجهاد المقدس.

وعندما حدثت الهدنة الأولى بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني في يونيو 1948، وضعفت الإمكانات العسكرية للهيئة العربية العليا، اضطرت الكثير من عناصر الجهاد المقدس إلى الانضمام للجيش الأردني (1438 مجاهداً)، وللجيش العراقي (276 مجاهداً)، والجيش المصري (150 مجاهداً)، وجيش الإنقاذ (600 مجاهد). وظلت قوات الجهاد المقدس قائمة إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بحلها في 18 ديسمبر 1948، لكنها ظلّت ترابط في أماكنها إلى أن أتاها أمر الحل من الهيئة العربية العليا في 15 مايو 1949.[286]

حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح":
تشير الدلائل إلى أن حركة فتح قد نشأت في البداية في أحضان حركة الإخوان المسلمين، وخصوصاً بين أفرادها من أبناء قطاع غزة. ويظهر أن عامة الإخوان كانوا يعدُّونها جزءاً منهم أو على الأقل رصيداً لهم. غير أن الطرفين اتخذا خط الانفصال والتمايز عن بعضهما منذ صيف 1963. واتخذت حركة فتح لنفسها خطاً وطنياً علمانياً ميَّزها عن كافة الأطراف والأيديولوجيات المتواجدة على الساحة.

ولكن المبادرة لإنشاء هذه الحركة لم تكن بقرار من قيادة الإخوان الفلسطينيين، وإنما بين عدد من القيادات الوسطى التي كانت تملك قدراً كبيراً من النشاط والتأثير في الأفراد، الذين كانوا ينظرون إليها باحترام ويفترضون (في جو العمل السري) أن ما يصدر عن هذه القيادات هو توجه الإخوان، خصوصاً أولئك الذين يصعب عليهم الاتصال المباشر بالقيادة كأفراد الإخوان في الكويت وقطر والسعودية ... ويذكر عبد الله أبو عزة الذي كان في موقع قيادي بارز في الإخوان في تلك الفترة أن أبا جهاد "خليل الوزير" قدَّم تصوراً إلى زعيم الإخوان في القطاع هاني بسيسو يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، وإنما يركز على تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح، ونوَّه أبو جهاد في مذكرته أن هذا سيفتح الأبواب المغلقة بين الإخوان والجماهير بسبب حصار جمال عبد الناصر للحركة، وسوف يُبقي قضية فلسطين حية، ويجبر الدول العربية على خوض الحرب. ولم تستجب قيادة الإخوان لهذا التصور، ولعلها أهملته فلم تردّ عليه. إذ إن التوجه العام للقيادة كان يميل نحو التريث، والسلوك الأمني الحذر، والتركيز على التربية سعياً للمحافظة على الجماعة في أجواء ملاحقة عبد الناصر لها.[287] وقام عدد من الإخوان ـ من ذوي المكانة والاحترام ـ ممن اقتنع بهذا التصور بدعوة إخوانهم للانضمام للحركة، وكان من بين هؤلاء الدعاة سعيد المزيّن (أبو هشام) وغالب الوزير، وانضم إليهم عدد من الإخوان البارزين أمثال سليم الزعنون، وصلاح خلف، وأسعد الصفطاوي، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، ورفيق النتشة.

وتشير أحد المصادر الإخوانية إلى أن القيادة الأولى لفتح كانت من خمسة هم أبو جهاد خليل الوزير وعبد الفتاح حمود ويوسف عميرة وسليمان حمد وياسر عرفات. والأربعة الأوائل كلهم من الإخوان، أما ياسر عرفات فكان يُعدُّ مؤيداً ومحسوباً على التيار العام للإخوان، إذ شارك مع أفرادهم في حرب 1948، وتدرب في معسكراتهم في مصر أيام المقاومة المصرية للإنجليز لإجبارهم على الخروج من قناة السويس 52 ـ 1954، كما دعمه الإخوان لرئاسة رابطة طلبة فلسطين في مصر في منتصف الخمسينيات.[288]

ولكن كيف ينشأ تنظيم داخل تنظيم، وكيف يتبنى كثير من هؤلاء من أصحاب الخلفيات الإخوانية أطروحات علمانية ..؟! ربما نستطيع توضيح الأمر باختصار في النقاط التالية:
1. إن الانضمام للإخوان المسلمين حتى منتصف الخمسينيات كان أمراً سهلاً، وكان أشبه بالاشتراك في أحد الأندية أو الجمعيات العامة. وكانت حركة الإخوان حركة شعبية مفتوحة اجتذبت قطاعات واسعة من المجتمع وخصوصاً الشباب، بسبب دعوتها الأقرب إلى فطرة الناس، وبسبب مواقفها الوطنية ومشاركة أفرادها البطولية في حرب 1948، فضلاً عن نشاط أفرادها في الجوانب الاجتماعية والخيرية، ولذلك كانت الحركة الشعبية الأولى في قطاع غزة.
2. كان أفراد الإخوان يتفقون على الأطر العامة للفكرة الإسلامية، ولكن لم يكن هناك تركيز على التربية الإيمانية والسلوكية ولا معاني الانضباط والطاعة لجميع الأفراد. وقد أسهم ذلك في انفضاض الكثيرين عن هذه الجماعة عندما تعرضت لضغط وملاحقة عبد الناصر لها منذ عام 1954. وقد ظل هؤلاء يحملون في تاريخهم أنهم يوماً ما كانوا في جماعة الإخوان، دون أن يعني ذلك الكثير بالنسبة إليهم. خصوصاً وأن كثيراً من هؤلاء كانوا من طلبة المدارس الذين لم تنضج أو تتشكّل شخصياتهم بعد.
3. انضم كثير من الأفراد إلى الإخوان باعتبارها حركة تمثل طموحهم الوطني ورغبتهم الملحّة في الجهاد لاسترداد فلسطين. وعندما لم تستطع هذه الحركة التعبير عن هذا المشروع ـ بسبب ظروفها الخاصة ـ فإنهم سعوا إلى إيجاد مشروع وطني يتجاوز هذه الظروف، ويلبي رغبتهم الملحّة في العمل الجهادي النضالي.
4. يبدو أن ظروف حركة الإخوان في أواخر الخمسينيات لم تمكنها من تحقيق قدر من التماسك والانضباط التنظيمي خصوصاً مع أفرادها في الخليج، مما سهَّل على الشخصيات التي انتمت لمشروع فتح أن تجند الكثير من هؤلاء.
5. حافظ الكثير من الإخوان الذين انضموا إلى فتح على تدينهم الشخصي، وعلى العديد من المراكز القيادية، لكنهم أعطوا الأولوية لتحويل الحركة إلى حالة شعبية وجبهة وطنية تضم كل من يرغب في المشاركة بغض النظر عن خلفياته العقدية والأيديولوجية.

وحسب خالد الحسن ـ أحد أبرز قادة فتح ـ فإن أبا جهاد خليل الوزير هو الذي بدأ حركة فتح.[289] وأبو جهاد هو الذي قدم هذا المشروع لقيادة الإخوان، وكان من قادة التنظيم الإخواني السري العسكري الذي نظم عدداً من العمليات الفدائية في النصف الأول من الخمسينيات وكان يتولى مسئولية منطقة غزة وشمال القطاع، وكان يعمل تحت إشراف وتوجيه الأستاذ محمد أبو سيدو الذي كان صلة الوصل مع قيادة هذا العمل في العريش (الأستاذ كامل الشريف...).[290] ومنذ تأسيسها ظل أبو جهاد الرجل الثاني في فتح حتى استشهاده في إبريل 1988.

وعلى أي حال، فلا ينبغي للإخوان أن يبالغوا في نسبة حركة فتح إليهم، كما لا ينبغي لحركة فتح أن تتنكر لجذورها وبداياتها الأولى، فإذا كان الإخوان هم المحضن الذي خرجت منه الفكرة وبداياتها الأولى، فإن فتح لم تنشأ بقرار من قيادة الإخوان ولا وفق خططهم، كما أن مشروعها لم يحمل أيديولوجية الإخوان ولا الضوابط التي تضمن سيره كمشروع يخدم أهدافهم. وعندما طالبت قيادة الإخوان في غزة بالإشراف المباشر على فتح وأن تعيِّن بنفسها ثلاثة من بين قادتها الخمسة، في صيف 1962، رفضت قيادة فتح ذلك، ونظرت بعين الشك إلى قدرة قيادة الإخوان في ظل ظروفها الصعبة على القيادة والتوجيه وتحقيق الطموحات. وهذا، وإن كان يدل على وجود صلة قوية بين الإخوان وفتح، إلا أنه يدل على أن قيادة فتح كانت تملك من الجرأة والثقة ما جعلها ترفض التوجيه، كما يدل أن فتح كانت قد اختطت منذ أمدٍ خطاً مستقلاً في التعبئة والتنظيم والعمل. وأمرت كلاً من فتح والإخوان أفرادهما منذ صيف 1963 بالتمايز إما لفتح أو الإخوان، وخسر كلا التنظيمين العديد من أفرادهما.

ومن الناحية التاريخية فيظهر أن فكرة فتح نشأت مع أبي جهاد ووسط رابطة طلبة فلسطين الدارسين في مصر سنة 1956، وعندما تخرَّج هؤلاء عملوا في أماكن عملهم الجديدة وعبر اتصالاتهم على إنشاء أنوية للحركة. ويبدو أن أول وأنشط هذه الأنوية كان في الكويت حيث ترجع بداية نشأته إلى أكتوبر 1957 وتحديداً في منطقة الصليبيخات، وكان من أوائل مؤسسي هذه النواة أبو جهاد وياسر عرفات ويوسف عميرة وسليمان حمد وعادل عبد الكريم وغيرهم. وقد أصدرت مجموعة الكويت مجلة "فلسطيننا" في لبنان في نوفمبر 1959 (واستمرت في الصدور حتى نوفمبر 1964)، وقد كان ذلك وسيلة جيدة للتعرّف والتواصل مع أولئك الذين يحملون الأفكار نفسها في البلدان الأخرى ودعوتهم للانضمام للحركة. وحسب أبو إياد صلاح خلف فإن أول اجتماع تأسيسي لممثلي الحركة كان في الكويت في 10 أكتوبر 1959. أما خالد الحسن فيذكر أنه قد تشكلت مجموعات مشابهة في السعودية (عبد الفتاح حمود)، وفي قطر (محمد يوسف النجار ومحمود عباس)، وفي العراق وغزة ودمشق وألمانيا وإسبانيا والنمسا، وأن ممثلي هذه المجموعات قد اجتمعوا في الكويت في سنة 1962 وتوحَّد الجميع في إطار حركة فتح. وربما يتحدث خالد الحسن عن مرحلة ثانية من التوسع والانطلاق لفتح.[291]

ويشير أبو إياد إلى أن اسم الحركة "فتح" والبرنامج السياسي للحركة قد تمت الموافقة عليه في عام 1958. وأنه كان في الكويت أكثر من 35 مجموعة أو منظمة فلسطينية، تم توحيد معظمها في فتح حوالي سنة 1961.[292]

الرؤية الفكرية والسياسية:
أتمت حركة فتح في مؤتمرها الثاني سنة 1968 صياغة وثيقة "مبادئ وأهداف وأساليب حركة فتح" وقد أُقرت في المؤتمر الثالث سنة 1971، والرابع 1980 مع بعض التعديلات. غير أن حركة فتح منذ إنشائها ركزت على فكرة تحرير فلسطين، وتميزت بالتأكيد على الهوية الوطنية، واستقلالية القرار الفلسطيني، واستبعاد الأيديولوجيات من هوية الحركة، ليتوحد الجميع في معركة التحرير. ومن خلال استقراء مجمل أدبيات الحركة على مدى سنوات عديدة، يمكن اختصار مبادئها واستراتيجياتها ورؤيتها في النقاط التالية:[293]
1. لا يمكن استرداد فلسطين إلا عن طريق الحرب الشعبية طويلة الأمد والنضال العسكري.
2. لمعركة التحرير الأولوية على أية تناقضات فكرية أو سياسية أو اجتماعية، ولا بد من استقطاب كل القوى الثائرة وتوحيدها في المعركة ضد الكيان الصهيوني، ولذلك لا بد من استبعاد الأيديولوجيات والمبادئ، حتى ينشغل الجميع بمعركة المصير. فلا أيديولوجيات إسلامية أو يسارية أو قومية، وإنما الهوية التي تجمع الجميع هي البندقية "هويتي بندقيتي".
3. تحرير فلسطين هو الطريق إلى توحيد الوطن العربي، (وليس الوحدة العربية هي الطريق إلى تحرير فلسطين).
4. ضرورة تحرير الإرادة الفلسطينية، والمحافظة على استقلاليتها في القرار وفي القتال، أي تحقيق "القرار الوطني الفلسطيني المستقل".
5. فتح حركة وطنية ثورية مستقلة.
6. معركة تحرير فلسطين واجب عربي وديني وإنساني.
7. الكيان الصهيوني مؤسسة عنصرية عسكرية متكاملة دخيلة وغازية، وإن قيام دولة فلسطينية عربية ديموقراطية ـ يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بحقوق متساوية ـ على أنقاضه أمر حتمي.

وقد أضاف المجلس الثوري لحركة فتح بعد حرب 1973 مبدءاً يقول إن للشعب الفلسطيني وحده حق ممارسة السيادة الوطنية على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريره.

وبشكل عام رفضت فتح أن يكون لها أيديولوجية أو عقيدة سياسية محددة، وفتحت المجال أمام مختلف الأفراد من كافة الأطياف الفكرية والسياسية (إسلامية ـ قومية ـ وطنية ـ يسارية ..) للانضمام إليها، ولهؤلاء أن يحتفظوا بفكرهم، ولكن عليهم ترك انتماءاتهم التنظيمية والحزبية السابقة. أي أن فتح أرادت أن تكون إطاراً جبهوياً يستوعب تناقضات المجتمع الفلسطيني، ويوجهه نحو الحرب مع العدو الصهيوني.

ولذلك نجد في قيادات فتح ورموزها شخصيات ذات خلفيات إخوانية "إخوان مسلمين" كما أشرنا سابقاً، أو من حزب التحرير مثال خالد الحسن، ونمر صالح "أبو صالح"، ومحمود مسودة "أبو عبيدة"، أو من حزب البعث مثل فاروق قدومي، وسميح أبو كويك "قدري"، وخالد اليشرطي، ومحمد أبو ميزر "أبو حاتم"، أو ذوي خلفيات يسارية مثل ماجد أبو شرار ... وبدا واضحاً أن ذوي الخلفيات الإخوانية كانوا لفترة طويلة المجموعة القيادية الأكبر عدداً، وشكلوا قطباً استأثر بمعظم المناصب الهامة خاصة في الشؤون العسكرية والمالية والتنظيمية. وإن خفَّ أثرهم مع الزمن باستشهاد أعداد منهم (عبد الفتاح حمود (أول شهيد من أعضاء اللجنة المركزية)، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وأبو جهاد...) أو بخروج واعتزال ووفاة آخرين.[294]

وقد حافظ الصف القيادي الأول على قدر عالٍ من التماسك التنظيمي والولاء لفتح. واستطاع توظيف الخلفيات الفكرية المختلفة لأفراده في تطوير العلاقات والاستفادة من اتجاهات وأنظمة متناقضة. بل إن هناك من يرى أن قيادة فتح تقوم بتنفيذ لعبة "تبادل الأدوار" عندما يجنح البعض للتنازل أو التساهل فيقوم آخرون بالتشدد وتعلو صرخاتهم بالنقد، ثم ما يلبث الجميع أن يتعاون بشكل أو بآخر لتنفيذ التوجه الجديد. فمثلاً عندما قامت المجموعة المتنفذة في م.ت.ف بتوقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 وجه أعضاء آخرون في قيادة فتح وم.ت.ف انتقادات عنيفة وقاسية للاتفاق (فاروق قدومي، هاني الحسن، خالد الحسن، عباس زكي، صخر حبش، محمد غنيم، ومحمد جهاد ... وغيرهم) ففاروق قدومي الذي اعتبر مسيرة اتفاق أوسلو مسيرة عابثة،[295] شارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وفي أحد هذه الاجتماعات لو انسحب لما اكتمل النصاب الذي أعطى الشرعية لبعض اتفاقات أوسلو. وهاني الحسن الذي عدَّ التسوية وفق أوسلو ضرورة إسرائيلية وضرورة أمريكية وطالب "بإسقاط الخط السياسي لمدرسة العجز الذاتي"،[296] ما لبث أن تولى بنفسه بعض أخطر الملفات التي أوكلها إليه عرفات في إطار التسوية. وقد أسهم هذا النهج في استيعاب قيادة فتح التناقضات داخلها وامتصاص الغضب في قواعدها وفي أوساط الشعب الفلسطيني عامة، وإشعار الجميع بالاطمئنان بأن هناك من يُعبّر عن آرائهم في الصف القيادي الأول. وبالتالي لا داعي لاتخاذ أية إجراءات أو تصرفات حادة. غير أن هناك من يرى أن الأمر مرتبط بالسلوك الفردي للرئيس، وأن باقي قيادة فتح مضطرة بعد أن يستبد بها الغضب، إما إلى مسايرة الواقع الجديد الذي يفرضه عرفات، "رعاية للتماسك والمصلحة العامة"، وإما إلى الحَرَد والانكفاء حتى يتم الوصول إلى صيغة استرضاء معينة، وإما إلى الاستقالة والانعزال، وإما إلى الانشقاق. وغالباً ما يلجأ الصف الأول إلى الصيغتين الأولى والثانية.

غير أن التنظيم الذي يفتقد إلى هوية عقدية محددة سيجد نفسه عرضة لعدد من المشاكل والتحديات:
1. في غياب الهوية العقدية كثيراً ما تلعب "المصلحة" و"ضغط الأمر الواقع" أدواراً أكبر، وتحلُّ الاعتبارات التكتيكية مكان الرؤى الاستراتيجية. وبالتالي تفقد المسيرة بوصلتها، وتحيد عن دربها، وتتحجم طموحاتها وأهدافها.
2. إن وجود رؤى فكرية مختلفة يوجد تعارضات جدية في مفاهيم وأساليب التربية والتعبئة والتوجيه، وفي الطرح السياسي والإعلامي، وفي تحديد الأصدقاء والأعداء، وعقد التحالفات، وفي استيعاب الأحداث والتعامل معها، وفي اتخاذ القرارات.
3. إن الجذور الأيديولوجية والحزبية السابقة للأعضاء أوجدت مناخاً ملائماً للخلافات، ولنمو الكتل الداخلية والمجموعات المحسوبة على شخصيات قيادية، مما يهدد بالانشقاقات والصراعات الداخلية.
4. وقد حدثت النقاط الثلاث السابقة بشكل أو بآخر في "فتح"، وأصبح الزعيم أو "الختيار" ياسر عرفات في النهاية هو النقطة التي تلتقي حولها عناصر فتح، مما أضعف البناء المؤسسي للحركة، وسمح لعرفات بهامش واسع في القيادة واتخاذ القرار السياسي والعسكري والمالي للحركة ولـ م.ت.ف.

وقد تعرضت فتح إلى عدد من الانشقاقات والأزمات طوال الأربعين سنة الماضية، لكن ذلك لم يؤثر على سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى كونها العمود الفقري لها. كما ظلت الحركة الأكثر حضوراً على الساحة الفلسطينية مستفيدة من تجربتها النضالية ومن الدعم المالي الذي توفره لها م.ت.ف (ومن بعد ذلك السلطة الفلسطينية). ولا ينافسها في الشعبية الجماهيرية إلا تيار الإخوان المسلمين الذي تمثل بعد سنة 1987 في حركة حماس. وعادة ما تتبادل مع حماس السيطرة على الجامعات والنقابات المهنية والبلديات. وفي انتخابات المجلس التشريعي للحكم الذاتي في يناير 1996 (التي قاطعتها حماس والمعارضة الفلسطينية) فاز ممثلو فتح بنحو 60 مقعداً من أصل 87 مقعداً.

ومن أبرز الأزمات والانشقاقات التي تعرضت لها فتح:[297]
1. أزمة تنظيم الكويت 1965 ـ 1966 عندما أصدرت اللجنة المركزية العليا للحركة بتاريخ 29 إبريل و2 مايو 1966 قراراً بسحب الثقة من "عضو الحركة السابق محمد ياسر عرفات القدوة الملقب بجرير رؤوف ـ الدكتور أبو عمار ـ وإحالته للتحقيق فوراً" حيث اتهمته بإعداد تقارير كاذبة، والتمرد على القرارات الجماعية، وتحريض بعض القواعد على قيادة الحركة، واتباعه سياسة الاستزلام ومحاولة شراء ضمائر المناضلين، وإفشاؤه أسرار الحركة لعناصر من خارجها ... وغير ذلك. وقد تم تطويق هذه الأزمة في نهاية 1966 على حساب خروج عضوين قياديين هما عادل عبد الكريم وعبد الله الدنان.
2. تمرد أبو عبيدة 1967 ـ 1968: امتد الوجود المعارض لعرفات بامتداد كتلة الكويت إلى الأردن بعد حرب 1967، واتخذ شكلاً عسكرياً يقوده أبو عبيدة. وقامت قيادة الحركة بفصل تنظيم الكويت بمجمله، ثم حدثت مفاوضات أدت إلى اتفاق في إبريل 1968 بإلغاء قرار فصل أبي عبيدة، وأن تتم دعوة المجلس الثوري للنظر في مواضيع الخلاف ومحاسبة القيادة، وأن تتم دعوة مؤتمر الحركة في يوليو 1968 بحيث تنبثق عنه القيادة العليا للحركة عن طريق الانتخاب. وقد نقل أبو عبيدة إلى السودان، ثم توجه إلى القاهرة، واعتقل في ظروف غامضة، وعّذب بشدة حتى أصيب بانهيار عصبي.
3. أزمة التنظيم في لبنان 1972: عندما انتقل عرفات إلى لبنان، وحاول إمساك زمام الأمور مباشرة بيده، حدثت أزمة تنظيمية خصوصاً مع معتمد إقليم لبنان يحيى عاشور (أبو حمدان) ، اتخذت شكل تمرد مباشر واعتصام في تل الزعتر وعمليات اعتقال وخطف وتصفية، حتى أحكم عرفات سيطرته.
4. حركة فتح "المجلس الثوري": انشق عدد من قياديي فتح بقيادة صبري البنا (أبو نضال) وناجي علوش، وأبو داود (محمد عودة) متهمين القيادة بالانحراف عن خط التحرير الذي تمثله فتح. وأنشأوا حركة فتح "المجلس الثوري"، وأعلنوا التزامهم بمبادئ الحركة وأهدافها وبرامجها ونظامها الداخلي، ودعوا إلى "خوض الصراع لإنقاذ الحركة". ومارس هذا التنظيم أحياناً أساليب الاغتيال والتصفية لعدد من عناصر فتح الذين يرون أنهم يخرجون عن الخط الوطني، فاغتالوا عصام السرطاوي وأبو إياد صلاح خلف. ولقي هذا التنظيم دعماً من العراق وليبيا.
5. فتح "الانتفاضة": وهو أبرز الانشقاقات عن فتح، وقاده أبو موسى ونمر صالح (أبو صالح) في مايو 1983، ولعبت التداعيات التي نتجت عن الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982، واعتراض العديدين على التوجهات السياسية لقيادة فتح وخصوصاً نحو التسوية، وعلى العديد من المسلكيات التنظيمية والمالية والعسكرية ... وقد أدى هذا الانشقاق إلى حدوث صدامات عنيفة بين الطرفين في النصف الثاني من عام 1983، ولقي هذا الانشقاق دعم ورعاية سوريا.
6. وقد مثلَّت المفاوضات السرية التي أدت إلى توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 أزمة جديدة لفتح، حيث جرت دون علم واستشارة معظم قيادات فتح وم.ت.ف. ولقيت الاتفاقات وتشكيل سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني معارضة شديدة من العديد من قيادات فتح. وتعرضت فتح جماهيرياً لأزمة التعامل مع إفرازات أوسلو وانعكاساتها، ففضلاً عن ظهور الكثير من المعارضة والتذمر داخل صفوفها، فقد انحسرت شعبيتها الجماهيرية خصوصاً في خارج فلسطين، وبالذات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 11:56 am


فتح والكفاح المسلح:
كان لفتح شرف تفجير الثورة الفلسطينية المعاصرة في ليلة الأول من يناير 1965، وصدر البيان الأول معبِّراً عن روح وطنية إسلامية، ومما جاء فيه "اتكالاً منا على الله، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس، وإيماناً منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيماناً منا بمؤازرة شرفاء العالم، فقد تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة ...".[298]

وقد عملت فتح في ظروف صعبة ووسط أجواء الإيمان بالخيار الرسمي العربي، وانتظار جمال عبد الناصر لتوجيه ضربته المرتقبة إلى الكيان الصهيوني. وقد اتهمتها الأنظمة العربية بمحاولة جرِّها إلى المعركة مع الكيان الصهيوني قبل موعدها، وقبل استكمال الاستعدادات اللازمة لها. وقام ناطق مصري - بتوجيه من الحكومة - باتهامهم بأنهم متطرفو ومتعصبو الإخوان المسلمين الذين تلقوا تمويلهم من الإمبريالية والمخابرات الأمريكية CIA، واتهمهم أحد الأنظمة الخليجية بأنهم شيوعيون، كما اعتبرهم أحمد الشقيري ـ رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت ـ بأنهم أعداء حركة التحرر الفلسطيني!! وقد أمرت "القيادة العربية الموحدة" التي شكلتها الأنظمة العربية للتجهيز لتحرير فلسطين، في مارس 1965 بإيقاف أنشطة حركة فتح، وحاولت دول الطوق القبض عليهم ومنعهم من العمل، فسقط أو شهيد لفتح "أحمد موسى" برصاص قوات أحد الدول العربية بينما كان عائداً مع رفاقه من عملية فدائية نفذها ضد الكيان الصهيوني. واعتقل عرفات في سوريا في أواخر 1965 ثم أفرج عنه بعد أيام للاشتباه به في قضية تفجير خط النفط "التابلاين"، ثم اعتقل هو وأبي جهاد وأبو علي إياد وأبو صبري في فبراير 1966 مع سبعة أعضاء آخرين بتهمة الضلوع في مقتل اثنين من رجال العاصفة (الجناح العسكري لفتح) من ذوي الخلفيات البعثية. ثم أفرج عنهم إلا واحداً بعد التدخل لدى وزير الدفاع الجديد حافظ الأسد. وكان عرفات قد سُجن لأيام في لبنان سنة 1965. كما جرت اعتقالات أخرى لرجال فتح في الأردن (بما فيها الضفة الغربية) ولبنان وسوريا ومصر، وعذب بعض المعتقلين وماتوا في السجون العربية.[299]

وعلى أي حال، فقد استطاعت فتح تنفيذ حوالي 200 عملية عسكرية قبل حرب حزيران/ يونيو 1967.[300]

ومثَّلت مرحلة ما بعد حرب 1967 مرحلة ازدهار حقيقي ونمو متسارع لحركة فتح، إذ إن هزيمة الأنظمة العربية وضياع ما تبقى من فلسطين، أفقد الشارع الفلسطيني والعربي الثقة بهذه الأنظمة التي اضطرت لفتح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني الذي اكتسب شعبية كبرى فلسطينياً وعربياً. ومنذ ذلك الوقت، مثّلت فتح العمود الفقري للثورة الفلسطينية. واخترق ياسر عرفات الحدود إلى الضفة الغربية المحتلة، ونظم خلايا المقاومة هناك حيث مكث أربعة أشهر، ويُعدُّ يوم 29 أغسطس 1967 الانطلاقة الثانية لفتح من خلال تفجير المقاومة المسلحة في الداخل.

وتُعد معركة الكرامة 21 مارس 1968 حدثاً فاصلاً في تاريخ فتح، إذ فتحت الباب أمام تدفق جماهيري هائل للانضمام إليها بعدما أبداه مقاتلوها من بطولة وصمود، وما أوقعوه من خسائر جسيمة في القوات الصهيونية الغازية، فخلال 48 ساعة تقدم لعضويتها خمسة آلاف قبلت منهم 900. وفي الشهر التالي أُعلن ياسر عرفات متحدثاً رسمياً باسم فتح. وأخذت الحركة موقعها كأوسع الحركات جماهيرية في الشارع الفلسطيني.[301]

وفي الوقت نفسه تواصلت المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركات المقاومة الفدائية وعلى رأسها فتح. وكانت فتح تنظر بعين الشك والريبة لطبيعة القائمين على م.ت.ف والراعين لها، ولطبيعة تركيبتها وحقيقة أهدافها. لكنها كانت لا ترى مانعاً من الاستفادة منها كواجهة لأنشطتها.

وقد وافقت فتح على دخول منظمة التحرير الفلسطينية بقصد "تثويرها"، وتمكنت في المجلس الوطني الرابع في يوليو 1968 من فرض شروطها بتغيير الميثاق القومي الفلسطيني ـ الذي يُعدّ دستور م.ت.ف ـ إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، حيث اتخذ طابعاً أكثر وطنية وثورية. كما غيَّرت بُنية المجلس الوطني الفلسطيني ليقتصر عدد أعضائه على مائة فقط بعد أن كان في حدود 450. وفي المجلس الوطني الخامس في فبراير 1969 سيطرت قيادة فتح على قيادة م.ت.ف وأصبح ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ويبقى الجدال قائماً حول ما إذا تمكنت فتح من "تثوير" المنظمة، أم أن المنظمة تمكنت من "تسييس" فتح. إذ إن أعباء تكريس الهوية الوطنية الفلسطينية، وإيجاد مكانة لائقة لـ م.ت.ف كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني عربياً ودولياً، والاضطرار للدخول في تشابكات وتناقضات الأوضاع السياسية العربية والدولية، والانجرار نحو تقديم مشاريع وحلول "واقعية" تحت الضغوط المختلفة، والسعي للحفاظ على "المكاسب" السياسية ... كل ذلك أسهم في تفريغ المخزون الثوري للحركة. وجعل عملها العسكري محكوماً بالعديد من المعايير والضوابط و"المحرمات" السياسية.

وعلى أي حال، فقد تحملت فتح عبء الكفاح المسلح الفلسطيني لفترة طويلة ومثلت الفترة 1968 ـ 1970 في الأردن مرحلته الذهبية، إذ نفذت حوالي 2000 عملية سنة 1969. كما مثلت الفترة 1970 ـ 1982 درجة لا بأس بها وخصوصاً في 1970 ـ 1975 قبل الانشغال بمستنقع الحرب الأهلية اللبنانية. وانخفضت وتيرة العمليات إلى نحو 360 عملية سنة 1978.[302]

ويبدو أن حركة فتح تمكنت من استيعاب العديد من عناصرها المتشددة من خلال منظمة "أيلول الأسود" التي نفذت عدداً من العمليات العنيفة والتي استهدفت شخصيات أردنية كاغتيال وصفي التل في 28 نوفمبر 1971، ونفذت عدداً من العمليات الخارجية خصوصاً ضد الصهاينة والمصالح الإسرائيلية في الخارج، وكان أبرزها عملية ميونخ في 5 سبتمبر 1972 حيث احتجزت 11 رياضياً ومدرباً "إسرائيلياً" كانوا يشاركون في دورة الألعاب الأولمبية، وأدت العملية في النهاية إلى مقتل كل "الإسرائيليين" المحتجزين ورجل شرطة ألماني، واستشهاد خمسة فدائيين واعتقال ثلاث فدائيين آخرين. وقد رفضت فتح رسمياً الاعتراف بعلاقتها مع أيلول الأسود لكنها اعترفت أن أغلب أعضائها "كانوا" من فتح. ويظهر أن صلاح خلف "أبو إياد" كان على صلة وطيدة بهذه المنظمة.[303]

ونفذت فتح عدداً من العمليات الفدائية القوية في السبعينيات مثل عملية سافوي في 6 مارس 1975 في تل أبيب، وأدت إلى مقتل نحو خمسين جندياً وخمسين مدنياً صهيونياً،[304] وعملية كمال عدوان في 11 مارس 1978 التي أدت إلى مقتل 37 وجرح 82 صهيونياً.[305]
وتشير إحصاءات مؤسسة الشؤون الاجتماعية ورعاية أسر الشهداء في م.ت.ف في مطلع الثمانينيات إلى أن عدد شهداء فتح يبلغ 56% من مجموع شهداء الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وإلى أن نسبة الأسرى من فتح في الأرض المحتلة هي بين 70 ـ 80% من مجموع الأسرى.[306] ولعلَّ هذه النسبة بقيت كما هي حتى اندلاع الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987، عندما أخذت "حماس" تبرز كقوة كبرى موازية لفتح، بل واندفعت حماس أكثر في العمل الفدائي في التسعينيات في الوقت الذي أخذ العمل الفدائي "الفتحاوي" بالانحسار لصالح مشروع التسوية السلمية الذي تبنته قيادتها. ويظهر أن حركة فتح أخذت تتبنى من جديد العمل الفدائي ضد الأهداف الصهيونية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 وأعلنت كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح عن العديد من العمليات الفدائية.

البنية التنظيمية وقيادتها:
تتكون البنية التنظيمية لفتح[307] من:
1. المؤتمر العام: وهو السلطة العليا داخل الحركة، ويجب أن يعقد (من الناحية النظرية) مرة كل ثلاث أعوام، وقد سبق له الانعقاد بضعة مرات (الثاني 1968، الثالث 1971، الرابع 1980 ...) ولا يجتمع بانتظام لأسباب داخلية وخارجية.
2. المجلس الثوري: ويتكون من مسئولي وقادة الأجهزة والأقاليم والقوات إلى جانب 25 عضواً منتخباً من المؤتمر العام وعشرة أعضاء من ذوي الكفايات تضمهم اللجنة المركزية، ومجموع أعضائه 120 عضواً.
3. اللجنة المركزية: وهي القيادة المركزية للحركة، ويقوم المؤتمر العام بانتخاب أكثر من ثلثي أعضائها، وتتكون من 18 عضواً.

وتعرف القوات العسكرية لفتح باسم "قوات العاصفة" وتتولى اللجنة المركزية تعيين قيادتها العامة.

وقد استشهد معظم الأعضاء التاريخيين للجنة المركزية لحركة فتح أمثال عبد الفتاح حمود، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وأبو الهول.

ومن الأعضاء التاريخيين في مركزية فتح ممن لا يزالون يشغلون مناصب فيها ياسر عرفات، وفاروق القدومي، ومحمود عباس (أبو مازن)، وسليم الزعنون. وانضم محمد غنيم (أبو ماهر) للجنة المركزية في أغسطس 1968، وهاني الحسن في مايو 1980، وفي أغسطس 1989 انضم إليها صقر حبش، وحكم بلعاوي، وانتصار الوزير، والطيب عبد الرحيم، وأحمد قريع، والعقيد يوسف، ومحمد جهاد، وعباس زكي. وحلَّ نبيل شعث وعبد الله الإفرنجي سنة 1991 مكان صلاح خلف وأبي الهول إثر حادث اغتيالهما. وفي 1994 انضم زكريا الأغا رئيس اللجنة العليا لفتح في قطاع غزة، وفيصل الحسيني رئيس اللجنة نفسها في الضفة الغربية إلى اللجنة المركزية (توفي الحسيني في الكويت في مايو 2001).

وقد انتقد عدد من أعضاء اللجنة المركزية اتفاقات الحكم الذاتي (أوسلو 1993 وما تلاها)، ورفض محمد غنيم وفاروق قدومي ومحمد جهاد دخول أراضي الحكم الذاتي، وقام محمد غنيم في سنة 1997 بتقديم استقالته من قيادة دائرة التعبئة والتنظيم في الحركة واكتفى بعضويته في المركزية.[308]
فتح والتسوية السلمية:
منذ أن سيطرت فتح على م.ت.ف حدث بينهما نوعٌ من التماهي والتداخل بحيث أن سياسات ومواقف كل منهما أصبحت عملياً شيئاً واحداً. وعلى ذلك فموقف فتح من التسوية هو عملياً موقف م.ت.ف نفسها. غير أن قيادة فتح وخصوصاً الميدانية حاولت الاحتفاظ بنوعٍ من المسافة الفاصلة بين الطرفين، حتى لا تتحمل فتح الأوزار والمساوئ والسلبيات الناتجة عن عملية التسوية وتشكيل السلطة الفلسطينية. وتَعَاملَ ياسر عرفات وقيادة السلطة الفلسطينية بشيء من المرونة مع قيادات فتح الرافضة لاتفاقيات أوسلو، أو الناقدة لممارسات سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، مع ملاحظة أن معظم عناصر فتح في الداخل مستوعبة في مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. وقد سعت فتح إلى التناغم مع الموقف التفاوضي الفلسطيني، ومحاولة تصليبه لتحقيق مكاسب أفضل، وليس إسقاطه. وقد ازداد هامش المرونة اتساعاً مع اندلاع انتفاضة الأقصى حيث قامت قيادات فتح الميدانية (أمثال مروان البرغوثي) بالمشاركة بالانتفاضة، وقامت بالتنسيق مع حماس وغيرها، لتفعيل الانتفاضة وتطويرها. كما قامت عناصرها بالعديد من العمليات الفدائية، رغم أن الموقف الرسمي لقيادة السلطة (التي هي قيادة فتح) يرفض هذه العمليات بل وعادة ما يُدينها.




ياسر عرفات
رئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية جورج حبش
الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين



الشيخ أحمد ياسين
مؤسس حماس خالد مشعل
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس


رمضان عبد الله شلح
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي


هوامش الكتاب
________________________________________
[239] انظر: عجاج نويهض، مرجع سابق، ص 314 ـ 315.
[240] انظر: الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 104 ـ 107، 115 ـ 116، 138 ـ 139، 150 ـ 151، 166 ـ 167، 173 ـ 174، 197 ـ 198.
[241] كان للعائلات نفوذ كبير في العمل الوطني الفلسطيني في مرحلة الاحتلال البريطاني، وقد جرت عملية فرز واستقطاب شديد حول عائلتين مقدسيتين كبيرتين هما عائلتا الحسيني والنشاشيبي.
وقد أضر ذلك بالعمل الوطني والوحدة الوطنية الفلسطينية، إذ قدّم البعض مصالح عائلته ـ وفق معايير التنافس والحسد ـ على المصالح العامة وعلى مواجهة الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني.
[242] انظر: بيان الحوت، مرجع سابق، ص 335 ـ 337، ويوميات أكرم زعيتر، ص 76 ـ 78، والموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 27 ـ 30.
[243] حول الهيئة العربية العليا، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 556 ـ 561.
[244] انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 377 ـ 379.
[245] حول حكومة عموم فلسطين، انظر: المرجع نفسه، ج2، ص 342 ـ 344.
[246] حول م.ت.ف، انظر بالتفصيل في: أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، والموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 313 ـ 325.
[247] حول الميثاق الوطني الفلسطيني، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 404 ـ 406، وفيصل حوراني، الفكر السياسي الفلسطيني: 1964 ـ 1974: دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث (م.ت.ف)، 1980)، ص 37 ـ 89.
[248] انظر مثلاً في: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 73 ـ 75.
[249] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 98 ـ 103.
[250] حول المجلس الوطني، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 94 ـ 121.
[251] حول المجلس المركزي، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 321 ـ 322.
[252] حول اللجنة التنفيذية، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 318 ـ 321.
[253] حول دوائر م.ت.ف، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 322 ـ 325.
[254] ما كتبناه هنا حول جماعة القسام يعتمد أساساً على المادة الموجودة في كتابنا الذي سبقت الإشارة إليه الطريق إلى القدس، ص 143 ـ 146، ولمن يرغب في التفصيل يمكنه الرجوع إلى دراستنا عن القسام وحركته في كتابنا "التيار الإسلامي في فلسطين"، ص 227 ـ 327، 361 ـ 388، 479 ـ 480.
[255] انظر حول شخصية القسام: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 231 ـ 247.
[256] صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 23.
[257] أميل الغوري، مرجع سابق، ص 248، والتوكيد للباحث.
[258] عوني العبيدي، ثورة الشهيد عزالدين القسام وأثرها في الكفاح الفلسطيني (الزرقاء (الأردن): مكتبة المنار، دون تاريخ)، ص 9.
[259] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 317 ـ 318.
[260] سميح حمودة، مرجع سابق، ص 42.
[261] انظر: صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 31؛ ويوميات أكرم زعيتر، ص 30؛ ومحمد نمر الخطيب، مرجع سابق، ص 87.
[262] انظر: علي حسين خلف، تجربة الشيخ عز الدين القسام (عمان (الأردن): دار ابن رشد، 1984)، ص 44 ـ 47، 58 ـ 60، وسميح حمودة، مرجع سابق، ص 48 ـ 50.
[263] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 324، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 584.
[264] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 79، وصحبي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 33 ـ 34.
[265] صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 33 ـ 34.
[266] إبراهيم الشيخ خليل، "رسالة من مجاهد قديم: ذكريات مع القسام"، مجلة شئون فلسطينية، العدد 7، مارس 1972، ص 29، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 323.
[267] انظر: صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 68، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 29.
[268] عبد الستار قاسم، مرجع سابق، ص 99.
[269] كامل خلة، مرجع سابق، ص 584.
[270] علي خلف، مرجع سابق، ص 53 ـ 54، ومحمد نمر الخطيب، مرجع سابق، ص 88، وانظر:
S. Abdullah Schleifer, “The life and Thought of Izz-Iddin Al-Qassam”, The Islamic Quarterly, Vol. 23, No. 2, 1979, p. 75.
[271] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 70.
[272] عوني العبيدي، مرجع سابق، ص 42.
[273] انظر: عبد الستار قاسم، مرجع سابق، ص 64 ـ 67، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 593 ـ 594، وانظر:
The Palestine Police Force, Annual Administrative Report, 1935 (Jerusalem: Government Printing Press, Undated), p. 40.
[274] حول دور القساميين في الثورة الكبرى، انظر: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 361 ـ 388.
[275] حول دور القساميين في حرب 1948، انظر: المرجع نفسه، ص 479 ـ 480.
[276] عيسى خليل محسن، فلسطين الأم وابنها البار عبد القادر الحسيني (عمان: دار الجيل، 1986)، ص 141 ـ 144.
[277] أميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 232 ـ 235.
[278] المرجع نفسه، ص 232.
[279] المرجع نفسه، ص 243 ـ 244، وأميل الغوري، إظهار حقائق وتفنيد أباطيل: ردود على مقالات السيد قاسم الريماوي (دون مكان: دون ناشر، 1974)، ص 21.
[280] أميل الغوري، إظهار حقائق وتفنيد أباطيل، ص 22.
[281] عيسى محسن، مرجع سابق، ص 171.
[282] المرجع نفسه، ص 171 ـ 176.
[283] المرجع نفسه، ص 177 ـ 195.
[284] الكيلاني، مرجع سابق، ص 70.
[285] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 125 ـ 126.
[286] المرجع نفسه، ج2، ص 126.
[287] عبد الله أبو عزة، مرجع سابق، ص 71 ـ 96.
[288] سليمان حمد، مقابلة، الكويت، 25 يناير 1986.
[289] Helena Cobban, The Palestinian Liberation Organisation: People, Power and Politics (U.S.A.: Cambridge Univ. Press, 1988), pp. 23-24.
[290] وذلك حسب شهادة اثنين من رفاق أبي جهاد في هذا العمل، وهما فوزي جبر، مقابلة، الكويت، 20 نوفمبر 1999، ومحمد الخضري، مقابلة، جدّة، 15 سبتمبر 1998.
[291] حول هذه الفقرة، انظر: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 59، وسليمان حمد، مقابلة، الكويت، 25 يناير 1986، وانظر:
Alan Hart, Arafat: A Political Biography, 4th edition (Bloomington & Indianapolis (U.S.A.): Indiana Univ. Press, 1989), p. 123, pp. 556-557, and Cobban, op. cit., pp. 23-24.
[292] صلاح خلف، مرجع سابق، ص 59، 68.
[293] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 206.
[294] انظر: نزيه أبو نضال، تاريخية الأزمة في فتح: من التأسيس إلى الانتفاضة (دون مكان: دون ناشر، 1984)، ص 17 ـ 20.
[295] انظر: جريدة الشرق الأوسط، 6 مارس 1995.
[296] الشرق الأوسط، 15 فبراير 1995.
[297] انظر حول الانشقاقات من 1 ـ 5 في: نزيه أبو نضال، مرجع سابق، ص 39 ـ 60.
[298] انظر نص البيان في: رياض الريس، مرجع سابق، ص 37.
[299] حول الاتهامات التي وُجِّهت إلى فتح وحول معاناتها، انظر: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 78 ـ 80، ورياض الريس، مرجع سابق، ص 40.
[300] صلاح خلف، مرجع سابق، ص 83.
[301] المرجع نفسه، ص 96 ـ 97.
[302] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 207.
[303] رياض الريس، مرجع سابق، ص 85 ـ 92.
[304] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 527 ـ 528.
[305] المرجع نفسه، ج3، ص 661 ـ 662.
[306] المرجع نفسه، ج2، ص 207.
[307] المرجع نفسه، ج2، ص 206 ـ 207.
[308] انظر: الشرق الأوسط، 29 إبريل 1997، والقدس العربي، 18 مارس 1997.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
تعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ بشكل أو بآخر ـ امتداداً للفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب التي نشأت في مطلع الخمسينيات في بيروت وكان من أبرز مؤسسيها جورج حبش، الذي أصبح أميناً عاماً للجبهة منذ إنشائها سنة 1967 وحتى سنة 2000. وكان فرع فلسطين في حركة القوميين العرب قد شكَّل في مايو 1964 "الجبهة القومية لتحرير فلسطين" وجناحها العسكري "شباب الثأر" الذي أخذ يمارس منذ نوفمبر 1964 العمل الفدائي، حيث قدَّمت أول شهدائها "خالد أبو عيشة" في 2 نوفمبر 1964.[309] ولكن يبدو أن هذه البداية كانت متواضعة متقطعة ولم تستمر. وفي مؤتمر حركة القوميين العرب المنعقد في سنة 1966 اتخذ قراران رئيسيان:
1. إلحاق العناصر الفلسطينية في حركة القوميين العرب بمجموعة تسمى إقليم فلسطين، والموافقة على فكرة الكفاح المسلح مع إرجاء البدء به. وقد تولى قيادتها جورج حبش، ومعه أحمد اليماني (أبو ماهر)، وعبد الكريم حمد (أبو عدنان)، ووديع حداد.
2. تبني "الاشتراكية العلمية" طريقة عملٍ لحركة القوميين العرب.[310]

وبعد حرب 1967 سعى "إقليم فلسطين" في الحركة إلى تشكيل إطار جبهوي يضم مختلف الفصائل الفلسطينية، لأنه كان يرى أن م.ت.ف بشكلها الرسمي لا تصلح أن تكون الإطار المناسب. وقد نتج عن ذلك إنشاء "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي ضمَّت:
1. الجبهة القومية لتحرير فلسطين "شباب الثأر".
2. منظمة أبطال العودة التي كانت تنتمي بشكل غير مباشر إلى حركة القوميين العرب.
3. جبهة التحرير الفلسطينية التي كان يتزعمها أحمد جبريل.

كما انضم إليها عدد من المستقلين، ومجموعة من الضباط الوحدويين.[311]

وصدر البيان السياسي الأول لهذه الجبهة في 11 ديسمبر 1967، واتخذت الجبهة طابعاً يسارياً، وبدت المنافس الرئيسي لحركة فتح، ولكن سرعان ما عصف بها انشقاقان كبيران أضعفا قدرتها على العمل الجبهوي واستقطاب الشارع الفلسطيني. وكان الانشقاق الأول هو انسحاب عناصر جبهة التحرير الفلسطينية في أكتوبر 1968 بزعامة أحمد جبريل الذي شكَّل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة. أما الانشقاق الثاني فقاده نايف حواتمة في 22 فبراير 1969 والذي شكل الجبهة الديموقراطية الشعبية لتحرير فلسطين.

وقد أقرت الجبهة في أغسطس 1968 تبني الماركسية ـ اللينينية، مما أدى إلى خلافات واسعة داخلها، فبعضها اعترض على الفكرة (انشقاق أحمد جبريل) وبعضها استعجل تطبيقها (انشقاق نايف حواتمة). غير أن الجبهة الشعبية صنفت نفسها بأنها منظمة "بورجوازية" تقوم بـ"عملية التحول" إلى تنظيم ماركسي ـ لينيني. وفي مؤتمراتها التالية (فبراير 1969، مارس 1972، 28 إبريل ـ 3 مايو 1981) أكدت تطلعها إلى استكمال تحولها للماركسية ـ اللينينية، واستمرت في تطبيق البرامج الملازمة لذلك.[312]

وحسب النظام الداخلي للجبهة فإن مبادئها الأساسية هي: المركزية الديموقراطية، والقيادة الجماعية، ووحدة الحزب، والنقد الذاتي، وجماهيرية الحزب والثورة، وأن كل عضو سياسي في الجبهة هو مقاتل، وكل مقاتل سياسي.[313]

وترى الجبهة أنه "لا يمكن أ، يكون هناك ثورة دون نظرية ثورية"، ولذلك فهي تركز على الفكر السياسي والرؤية الواضحة للعدو ولقوى الثورة، وعلى أساسها يتم وضع استراتيجية المعركة. وحسب رؤيتها الماركسية فهي ترى أن:
1. الكيان الصهيوني قاعدة بشرية مسلحة تستند عليها "الإمبريالية" الاستعمارية الأمريكية والغربية للوقوف في وجه حركة التحرر العربي.
2. الصراع مع "الرجعية العربية" أمرٌ رئيسي وليس أمراً ثانوياً، ولذلك فهي لا تؤمن بشعار "عدم التدخل في شؤون الدول العربية".
3. ضرورة الربط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي العربي، وتعتقد أنه من الخطأ تذويب النضال الفلسطيني في إطار النضال القومي، كما أنه من الخطأ عدم ربطه بالنضال القومي.
4. الثورة الفلسطينية جزء من الثورة العالمية على الإمبريالية والرجعية وممارسات النظام الرأسمالي العالمي.
5. حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد هي الطريق الوحيدة للتحرير، وأن تحرير فلسطين لا يتم إلا بالقوة.
6. هدف الثورة تحرير فلسطين وتشييد دولة ديموقراطية شعبية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية.
7. الصراع مع العدو ليس قائماً على أساس ديني أو قومي، وعملية تحرير فلسطين هي عملية تحرير "للجماهير اليهودية" التي حشدتها الإمبريالية والصهيونية، ولذلك فمن الطبيعي أن تتحالف الثورة الفلسطينية مع القوى اليهودية المناهضة للإمبريالية والصهيونية.[314]
المواقف السياسية:
نظرت الجبهة الشعبية في البداية نظرة سلبية لـ م.ت.ف باعتبارها لا تملك عناصر البناء الثوري السليم وشروط الانتصار. وعندما استقال الشقيري من قيادة م.ت.ف وانفتحت باتجاه سيطرة المنظمات الفدائية عليها، تخلَّت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد "جبهة وطنية" بديلة وشاركت في المنظمة ممثلة بعشرة أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني الرابع (يوليو 1968) وسعت في الوقت نفسه إلى منافسة فتح على قيادة م.ت.ف. ولأنها لم تكن راضية عن نسبة عضويتها في المجلس فقد انسحبت من المنظمة خلال 1969 ـ 1970، ووافقت على أن تمثل رمزياً بعضو واحد في المجلس السابع (30/5 ـ 4/6/1970)، ثم عادت للمشاركة في المجالس التالية. ثم إنها قامت بتعليق عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف سنة 1974، حيث رأت أن القيادة الفلسطينية ممثلة بحركة فتح فسّرت برنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر (يوليو 1974) بشكل مغاير لما فهمته الجبهة، وأن قيادة فتح قبلته كستار للانحراف عن الثورة والسير في خط الاستسلام. ولذلك قامت الجبهة الشعبية ومعها جبهة النضال الشعبي والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وجبهة التحرير العربية بتشكيل "جبهة الرفض للحلول السلمية" في 10 أكتوبر 1974.[315]

عادت الجبهة الشعبية للمشاركة في قيادة م.ت.ف سنة 1979، ثم ما لبثت أن قاطعت الدورة 17 للمجلس الوطني في عمان سنة 1984 منادية بضرورة تحقيق وفاق وطني قبل عقده. وفي عام 1993 قامت بتعليق مشاركتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف إثر توقيع اتفاق أوسلو. ولكنها قامت بالمشاركة في جلسات المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في غزة سنة 1996 لتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني بطلب من الكيان الصهيوني، وبدأت تتقارب مع قيادة السلطة الفلسطينية منذ النصف الثاني لعام 1996 وانسحبت من تحالف الفصائل العشر المعارضة لاتفاقات أوسلو.

وهكذا لعبت الجبهة الشعبية دور "الشريك المنافس" لفتح داخل م.ت.ف، وعندما عجزت عن المنافسة تحولت إلى دور "الشريك المشاكس"!! لكن قيادة فتح تمكنت في النهاية من جرها إلى أن تكون أكثر طواعية، وأن تراعي شروط اللعبة.

وبالنسبة للتسوية السياسية، فقد رفضت الجبهة الشعبية في البداية كل المشاريع المطروحة، لكنها صوتت سنة 1974 إلى جانب برنامج النقاط العشر الذي يؤيد قيام سلطة وطنية على أي جزء يتم تحريره أو ينسحب منه الصهاينة، والذي يعدُّ الكفاح المسلح وسيلة رئيسية للتحرير (وليس الطريق الوحيد). غير أنها سرعان ما شكّلت جبهة الرفض، المشار إليها سابقاً، لأن البرنامج كما فهمته فتح يتطلب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وإقامة علاقات دبلوماسية معها، والعيش مع العدو ضمن حدود آمنة. ثم تخلت عن جبهة الرفض بعد ذلك بنحو أربع سنوات، وعدَّلت موقفها معتبرة أن قيام الدولة الفلسطينية هو خطوة تكتيكية نحو تحرير كامل فلسطين. وفي سنة 1985 رفضت الجبهة اتفاق عمان الذي وقعته قيادة م.ت.ف مع الأردن بإقامة كونفدرالية أردنية ـ فلسطينية. وفي المجلس الوطني التاسع عشر في نوفمبر 1988 وافقت على مشروع إعلان الدولة الفلسطينية الذي استند إلى قرار الأمم المتحدة (29 نوفمبر 1947) رقم 181 بتقسيم فلسطين، لكنها صوتت إلى جانب رفض قرار الأمم المتحدة رقم 242 (نوفمبر 1967) القاضي بالتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين. وفي سنة 1991 رفضت مشاركة م.ت.ف في مؤتمر السلام بمدريد، كما رفضت اتفاق أوسلو سنة 1993، وانضمت إلى تحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي نشأ لإسقاط هذا الاتفاق، لكنها انسحبت منه بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات، واتخذت خطاً أكثر مهادنة للسلطة الفلسطينية تحت ضغط ظروف أزمتها المالية وضغط تيار من القياديين في الداخل والخارج يدعو إلى التعامل بـ"واقعية"، وإلى المشاركة في السلطة ووقف الكفاح المسلح.

قيادة الجبهة وتواجدها الشعبي:
هناك ثلاث هيئات قيادية مركزية هي المؤتمر الوطني وهو أعلى سلطة حال انعقاده وقد انعقد ست مرات كان آخرها في إبريل 2000، واللجنة المركزية وهي هيئة وسيطة، والمكتب السياسي ويمثل القيادة التنفيذية للجبهة، ويتولى رئاسة الجبهة أمين عام.[316] وقد ظل جورج حبش (مسيحي أرثوذكسي من مواليد اللد سنة 1926) أميناً عاماً حتى إبريل 2000 عندما قدم استقالته وخلفه أبو علي مصطفى في هذا المنصب. وقد تمكَّن الصهاينة من اغتيال أبي علي مصطفى في أغسطس 2001.

وكانت الجبهة الشعبية تعدُّ الثانية من حيث الشعبية الجماهيرية بين فصائل م.ت.ف (بعد حركة فتح) حتى ظهور التيار الإسلامي منذ النصف الثاني للسبعينيات من القرن العشرين. والذي تم التعبير عنه بعد ذلك من خلال حركة حماس التي ظهرت سنة 1987. ولا تزال تحصل في الانتخابات الطلابية واستطلاعات الرأي على 3 إلى 5% من الأصوات، ولها حضور أكثر تميزاً في الأوساط المسيحية الفلسطينية.

الكفاح المسلح:
شكلت الجبهة الشعبية ثاني قوة مسلحة بين الفصائل الفلسطينية (إلى أن ظهرت حماس)، ونشطت داخل فلسطين خلال 1968 ـ 1973 خصوصاً في قطاع غزة وجبال الخليل، إلى أن قتل الصهاينة آخر زعمائها محمد محمود الأسمر المعروف بـ"جيفارا غزة" في ربيع 1973. كما قامت بعمليات هجومية عبر الحدود، ودافعت عن الوجود الفلسطيني في المخيمات في الأردن ولبنان. غير أن أكثر ما اشتهرت به هو العمليات الخارجية وخصوصاً اختطاف الطائرات، وكان أولها خطف طائرة "إسرائيلية" في يوليو 1968، أما أشهرها فكانت في سبتمبر 1970، حين خطفت أربع طائرات، ونقلت ثلاث طائرات منها إلى ما أسمته "مطار الثورة" قرب الزرقاء، بعد أن نسفت إحداها في مطار القاهرة. وقد ارتأى الكثيرون أن هذا أعطى المبرر أو دفع السلطات الأردنية بعد ذلك بأيام لمهاجمة قواعد الثورة الفلسطينية وتصفيتها. وقد لاقت عملياتها الخارجية شهرة واسعة وأجبرت العالم على الالتفات للشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه، لكنها في الوقت نفسه لاقت معارضة عالمية كبيرة من الدول اليسارية والشيوعية كروسيا والصين فضلاً عن الدول الغربية، كما لقيت معارضة قوية في أوساط الثورة الفلسطينية نفسها. ورغم أنها أعلنت انتهاء هذا النوع من العمليات لكنها قامت بخطف طائرتين سنة 1973، وشاركت في هجوم على مصفاة للزيت في سنغافورة.[317]

وعلى أي حال، فقد مرَّت عمليات الجبهة الشعبية بمرحلة انحسار منذ منتصف السبعينيات، غير أن مقاتليها لا يزالون يقومون ببعض العمليات بين حين وآخر وخصوصاً بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 ديسمبر 2000. وتعدُّ عملية اغتيالها لوزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي في أكتوبر 2001 من أبرز وأبرع العمليات، وقد نفذتها انتقاماً لاغتيال الصهاينة للأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى. وكان زئيفي جنرالاً في الجيش ويُعدُّ من أكثر الصهاينة تشدداً.

الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين:
تمثل هذه الجبهة انشقاق العناصر الأكثر يسارية في معسكر اليسار الفلسطيني الذي كانت تمثله الجبهة الشعبية. وقد اتهم مؤسسو هذه الجبهة رفاقهم في الجبهة الشعبية بأنهم يمينيون!! وحسب نايف حواتمة فإنه ورفاقه نجحوا في فرض برنامج يساري واضح في مؤتمر الجبهة الشعبية المنعقد في أغسطس 1968 (في أثناء وجود جورج حبش في السجن في سوريا)، وانتخب المؤتمر لجنة تنفيذية جديدة سيطر عليها "اليساريون" (حواتمه ورفاقه) بنسبة عشرة إلى خمسة. لكن "اليمينيين" (رفاق حبش) استخدموا القوة لإجبارهم على التخلي عن النتيجة، وقبول قيادة جديدة غالبيتها الساحقة من الجناح "اليميني" وبقي "اليساريون" ممثلين في النهاية بشخص واحد.[318]

وقد احتدم الخلاف بين الطرفين لعدة أشهر مما أدى في النهاية لانشقاق العناصر الأكثر يسارية بقيادة نايف حواتمة (وهو أردني من مواليد السلط سنة 1935 لعائلة مسيحية إنجيلية) ومعه عبد الكريم حمد (أبو عدنان) وقيس السامرائي (أبو ليلى). وأعلنت الجبهة الديموقراطية الشعبية لتحرير فلسطين في 22 فبراير 1969، وحاولت الجبهة الشعبية تصفيتها، لكن حركة فتح قامت بحمايتها. وقد حذفت كلمة الشعبية من اسمها سنة 1975.

تبنت الجبهة الديموقراطية نفس البرنامج السياسي والعقيدة الأيديولوجية التي تبنتها الجبهة الشعبية في أغسطس 1968، غير أنها كانت أكثر "تطرفاً" في تبني الماركسية ـ اللينينية وقد عبَّرت عن نفسها من خلال مجلة الهدف. ويتهمها العديدون بأنها سبب رئيسي وراء جرِّ الثورة الفلسطينية إلى الصدامات مع السلطات الأردنية. إذ رفعت شعار "كل السلطة للمقاومة" قبل معارك أيلول / سبتمبر 1970 بأسابيع، وعقدت في 22 أغسطس 1970 مؤتمراً طالبت فيه بوضع حد لازدواجية السلطة في الأردن وبإعطاء الفدائيين السلطة التامة، وخاضت عدة اشتباكات مع الجيش الأردني على أمل إرغام "فتح" على الانضمام للمعركة. وعندما وقعت معارك أيلول التي أدت إلى ضرب المقاومة الفلسطينية في الأردن وحرمانها من العمل المسلح فيها، لم تتردد الجبهة الديموقراطية في أن تنحي باللائمة على غيرها، مدَّعية أن المقاومة دفعت ثمن سيطرة اليمين على غالبية قيادات فتح!! وقامت الجبهة الديموقراطية بعد هذه الأحداث بمراجعة "نقدية" لأدائها. وقد أصرَّت على منهجها الماركسي ـ اللينيني، لكنها أخذت تتبنى سياسيات أكثر "واقعية" تراعي ـ حسب تقديرها ـ ظروف المرحلة وإمكانات الشعب الفلسطيني.[319]

وإذا كانت الجبهة الديموقراطية بسبب حجمها المحدود (تأتي ثالثاً بعد فتح والشعبية في فصائل م.ت.ف) لم تستطع فرض سيطرتها، فإنها على الأقل أسهمت في تحريك المبادرة السياسية الفلسطينية باتجاه يقترب من أطروحاتها "الواقعية" إذ دعت سنة 1973 إلى "برنامج مرحلي" لتحرير فلسطين، والذي كان أساساً لما تبنته م.ت.ف رسمياً بعد ذلك، فيما عرف ببرنامج النقاط العشر في المجلس الوطني الـ12.[320] وقامت في مرحلة مبكرة منذ 1969 بالاتصال بقوى "اليسار الإسرائيلي"، ثم تبعتها فتح بعد ذلك ثم تبنته م.ت.ف رسمياً سنة 1977.

وقد شاركت الجبهة الديموقراطية في أوَّل مجلس وطني لـ م.ت.ف يعقد بعد تأسيسها (المجلس الوطني السادس 1969) وظلت على عضويتها في المنظمة، وحافظت على علاقات أوثق مع فتح، لكنها رفضت المشاركة في المجلس الوطني السابع عشر الذي عقد في عمان سنة 1984 حيث كانت الساحة تموج بتداعيات الخروج الفدائي الفلسطيني من لبنان، وانشقاق أبو موسى وطرد ياسر عرفات من سوريا، ومحاولة التخلص من أنصاره في شمال لبنان، ثم ذهابه إلى مصر التي كان العرب يقاطعونها بسبب كامب ديفيد. وفي المجلس الوطني الـ 19 قبلت الديموقراطية إعلان الدولة الفلسطينية وأيدت تطبيق القرارات الدولية بما فيها قرار 242. وقد اعترضت الجبهة الديموقراطية على مؤتمر مدريد، وعلّقت عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بسبب اتفاقات أوسلو (سبتمبر 1993). وشاركت في تحالف الفصائل العشر، لكنها خالفت الكثير من سياسات حماس إلى أن انفصلت عن هذا التحالف أواخر سنة 1996. ويبدو أنها عانت من عقدة التوفيق بين رغبة قيادتها (حواتمة) بالزعامة والتوجيه على خلفية دوره التاريخي، وبين حجمها الصغير وأيديولوجيتها اليسارية التي فقدت بريقها، وانحسرت عن الساحة الجماهيرية.

تعرضت الجبهة الديموقراطية للانشقاق عندما خرج عنها ياسر عبد ربه (أحد القياديين البارزين) ومؤيدوه في أواخر الثمانينيات حيث حظي بدعم وتأييد ياسر عرفات، وقد أصبح تنظيمه الذي حمل اسم الجبهة الديموقراطية مقرباً من فتح ثم من السلطة الفلسطينية. وحمل هذا التنظيم اسم "فدا" بعد اتفاقات أوسلو، والتي أيدها إلى جانب فتح.

وقد تميزت قيادتها بنوع من "البراجماتية"، وفي أواخر التسعينيات جرت محاولات لدمج الجبهتين الشعبية والديموقراطية، وتشكلت القيادة الموحدة للجبهتين، حيث سعى حواتمة للهيمنة على الشعبية في ظل مرض زعيمها حبش وتقدمه في السن، ولكن الدمج لم يتحقق إلى الآن. ورغم معارضتها لاتفاقات أوسلو، إلا أن شخصياتها قدموا طلبات لدخول مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، وعلى رأسهم حواتمة نفسه. وقام حواتمة بمصافحة رئيس الكيان الإسرائيلي في عمان سنة 2000. كما طالبت الجبهة الديموقراطية بالمشاركة في مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني المستندة أساساً على اتفاقات أوسلو.

ومن الناحية العسكرية فإن البعض كان يعدُّها القوة العسكرية الثانية بعد فتح في أيام السبعينيات، ونفذت عدداً من العمليات المشهورة مثل عملية ترشيحا في 15 مايو 1974 والتي أدت إلى مقتل 27 من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين وجرح نحو 70 آخرين.[321] وكان للجبهة الديموقراطية دور في الدفاع عن المخيمات الفلسطينية في الأردن ولبنان. ويقوم رجالها على فترات متباعدة ببعض العمليات داخل الأراضي المحتلة لكنها تفتقر للقوة والنوعية مقارنة بعمليات حماس والجهاد الإسلامي. وتمكنت في انتفاضة الأقصى الأخيرة من تنفيذ عملية اقتحام نوعية لمستعمرة "إسرائيلية" في قطاع غزة.

يتبع باقي الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
البروفوسور
مشرف
مشرف



عدد المساهمات : 140
نقاط : 228
تاريخ التسجيل : 10/10/2010
العمر : 58

المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Icon_minitime1الأحد أكتوبر 17, 2010 12:00 pm

الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة:[322]
ترجع جذور تشكيل هذه المجموعة إلى سنة 1959، عندما أنشأ أحمد جبريل (وهو ضابط فلسطيني مُسرَّح من الجيش السوري) حركة فدائية صغيرة اسمها "جبهة تحرير فلسطين". وفي منتصف 1965 بدأت عملها العسكري بعد أن تمكنت من توفير ثلاث مجموعات مقاتلة. وسقط أول شهيد لها "خالد الأمين" في هجوم على مستعمرة "ديشوم" في الجليل الأعلى.

توحدت هذه الجبهة مع "أبطال العودة" و"شباب الثأر" لتشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ديسمبر 1967، لكنها ما لبثت أن انفصلت عنها في أكتوبر 1968 احتجاجاً على برنامجها السياسي الماركسي، ولأنها ترغب في التركيز على العمل العسكري دون الانشغال في المتاهات السياسية. ومع ذلك فقد احتفظت باسم الجبهة الشعبية مضيفة إليها كلمتي "القيادة العامة" للإشارة إلى توجهها العسكري. وعبَّر برنامجها السياسي الصادر عن مؤتمرها الأول المنعقد في نهاية 1968 عن روح قومية عربية. وفي مؤتمرها الثاني في سبتمبر 1969 تبنت بالإجماع الاشتراكية العلمية (الماركسية) وتبنت برنامجاً سياسياً منطلقاً منها. وعبَّرت عن نفسها من خلال مجلة "إلى الأمام"، كما لا تزال تمتلك "إذاعة القدس" التي تبث من لبنان. ومنذ التسعينيات أخذت الجبهة في نبذ الماركسية، وأخذت تتجه أكثر نحو الخطاب القومي الإسلامي، كما يلاحظ في خطابات أحمد جبريل وإذاعة القدس.

وعندما تشكلت م.ت.ف سنة 1964 عدَّتها "جبهة تحرير فلسطين" لُعبة بيد الأنظمة العربية لاحتواء التحركات النضالية الفلسطينية، ولكنها شاركت فيها اعتباراً من أول مجلس وطني ينعقد بعد انفصالها عن الجبهة الشعبية (المجلس السادس في يونيو 1969). وفي 1974 شارك طلال ناجي في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف مندوباً عنها. وقد اعترضت على برنامج النقاط العشر، وانضمت إلى جبهة الرفض ولكنها لم تجمد عضويتها في قيادة م.ت.ف. وفي سنة 1983 دعمت الانشقاق داخل حركة فتح الذي تزعمه أبو موسى، ثم قاطعت المجلس الوطني الـ17 الذي عقد في عمان سنة 1984، وشكَّلت - مع الجبهة الشعبية والصاعقة - جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني، وظلت منذ ذلك الحين على معارضتها القوية لقيادة م.ت.ف ومقاطعتها للمجلس الوطني. ولا تزال تعارض التسوية السلمية ومشاريعها وشاركت ضمن تحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي تشكل لمعارضة اتفاق أوسلو سنة 1993 ولا تزال عضواً في هذا التحالف. ولها علاقات حسنة بحماس والجهاد الإسلامي، وبكل من يشارك في المقاومة المسلحة ضد الصهاينة.

وقد ركزت القيادة العامة على الفعل العسكري وقامت بعدد من العمليات الجريئة مثل عملية الخالصة في 11 إبريل 1974، وأم العقارب في 14 يونيو 1974. ونجحت سنة 1979 في إرغام الكيان الصهيوني على إطلاق سراح 78 أسيراً فلسطينيا مقابل الإفراج عن أسير صهيوني.[323] كما نجحت عام 1985 في إطلاق سراح 1150 من السجناء والأسرى الفلسطينيين مقابل تسليم ثلاث جنود صهيونيين كانوا أسرى لديها. وفي 25 نوفمبر 1987 نفذ الشهيد خالد أكر عملية الطائرة الشراعية التي أدت إلى مقتل ستة جنود صهاينة، وكانت أحد شرارات تفجير الانتفاضة الفلسطينية المباركة في 9 ديسمبر 1987. وقد حظيت هذه الجبهة بشكل عام بدعم سوريا وليبيا.

وقد تعرضت هذه الجبهة لانشقاق أحمد زعرور الرجل الثاني فيها سنة 1969 والذي شكل منظمة فلسطين العربية، كما انشقت عنها مجموعة بقيادة محمد عباس (أبو العباس) الذي أطلق على تنظيمه اسم "جبهة التحرير الفلسطينية" وهو الاسم القديم الأول لهذه الجبهة. وقد حظي أبو العباس بدعم من العراق ثم من فتح. وقد تعرضت الجبهة التي قادها أبو العباس هي الأخرى للانشقاق فانفصل عنها أبو جابر آخر سنة 1983، وانقسمت على نفسها سنة 1983 إلى ثلاث أجنحة: جناح أبو العباس، وجناح طلعت يعقوب، وجناح عبد الفتاح غانم. وعاد أبو العباس ليهيمن على الجبهة بعد وفاة طلعت يعقوب سنة 1988، غير أن انشقاقاً آخر حدث في سنة 1993 على خلفية الموقف من اتفاقيات أوسلو، فانقسمت إلى فصيل مؤيد لأوسلو بقيادة أبو العباس وآخر معارض لها بقيادة أبو نضال الأشقر.

وللجبهة الشعبية (القيادة العامة) تواجد عسكري وسياسي في لبنان وسوريا، غير أنها تفتقر للقاعدة الجماهيرية في الداخل.

طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة):[324]
تم تشكيل هذه المنظمة سنة 1967 بناء على قرار حزب البعث العربي السوري في مؤتمره التاسع بدمشق سنة 1966، وبالطبع فإن هذه المنظمة ذات توجه قومي. ويتركز تواجدها في سوريا وحيث يكون النفوذ السوري في لبنان. وكانت تعدُّ فصيلاً كبيراً في أواخر الستينيات، وكان لها تواجدها في الساحة الأردنية 1967 ـ 1970، وحاولت إسقاط نظام الحكم في الأردن عن طريق بعض ضباط الجيش الأردني. وقد كان لها تمثيل قوي في م.ت.ف، وتولى زهير محسن أمينها العام رئاسة الدائرة العسكرية في المنظمة. لكنها عبَّرت بشكل عام عن التوجهات الرسمية للحكومة السورية فوقفت مع انشقاق أبي موسى (فتح الانتفاضة) في مايو 1983، ومع طرد عرفات من سوريا 24 يونيو 1983، ومع حصار مخيمات شمال لبنان وإرغام عرفات ومؤيديه على الانسحاب من طرابلس في ديسمبر 1983.

وقد قاطعت الصاعقة المجلس الوطني السابع عشر في عمان سنة 1984، وشاركت في جبهة الإنقاذ الفلسطينية المناهضة لعرفات وقيادة م.ت.ف، كما شاركت ـ ولا تزال تشارك ـ في تحالف الفصائل العشر المعارض لاتفاقيات أوسلو.

ورغم أن الصاعقة مدعومة بإمكانات سوريا إلا أنها تفتقر للقاعدة الشعبية في الداخل وفي مخيمات الفلسطينيين في الأردن.

جبهة التحرير العربية:[325]
تشكلت في إبريل 1969 بتوجيه ودعم من العراق، وانضمت إليها كوادر حزب البعث العربي الموالي للعراق، وتألفت أكثرية عناصرها من أفراد من العراق ولبنان والأردن وأقلية من الفلسطينيين، وتبنت الطرح القومي. ومنذ نشأتها وحتى أحداث أيلول / سبتمبر 1970 استفادت من تواجد الجيش العراقي في الأردن. لكنها واجهت مشكلة توفر قواعد لها بعد خروج المقاومة من الأردن، خصوصاً وأن سوريا أغلقت الباب في وجهها بسبب خصومة البعثَيْن في سوريا والعراق، وحدث أن صادرت سوريا أسلحتها أو قبضت على رجالها.

واحتفظت الجبهة بمراكز لها في جنوب لبنان، وشاركت في الدفاع عن المخيمات الفلسطينية وقامت بعدد من العمليات الموجهة إلى داخل فلسطين، واكتسبت حجمها من دور العراق وحجمه في القضية الفلسطينية، وكانت ممثلة في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بالدكتور المؤرخ عبد الوهاب الكيالي. وقد انضمت لجبهة الرفض سنة 1974 دون أن تنسحب. ونبعت مواقفها السياسية من العسكرية وغيرها من مواقف العراق. وهي بشكل عام تفتقر كثيراً إلى القاعدة الشعبية. ويتولى قيادتها حالياً ناصيف عواد. وهناك مجموعة منشقة عنها تحمل الاسم نفسه بقيادة جميل شحادة ولها وجود ضعيف في الداخل.

حركة المقاومة الإسلامية (حماس):
ظهر اسم حركة المقاومة الإسلامية مع انطلاق الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987. ولكن الحركة عرَّفت نفسها منذ البداية بأنها "جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين". والحقيقة أن حماس هي أحد أشكال المقاومة التي قرر الإخوان المسلمون الفلسطينيون تبنيها ضمن تاريخهم الطويل في العمل الشعبي والمقاوم. وبالتالي فإن حماس لم تأت من فراغ، وإنما هي استمرار لعملهم الذي نشأ في فلسطين منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، واتخذ شكل العمل العلني المنظم وافتتاح الفروع والمقرات منذ أواخر سنة 1945 حتى وصلت نحو خمس وعشرين فرعاً قبل حرب 1948. وهي امتداد لعملهم الجهادي ضد المشروع الصهيوني (والذي يعتبرونه جزءاً من عقيدتهم) منذ أن شاركوا بقوة في حرب 1948، وفي عمليات المقاومة في قطاع غزة 1953 ـ 1955، وفي معسكرات الشيوخ (تحت غطاء حركة فتح) في 1968 ـ 1970، وفي محاولات الشيخ أحمد ياسين المبكرة في أوائل الثمانينيات إلى أن كُشف تنظيمه العسكري (المجاهدون الفلسطينيون) واعتقل سنة 1984. وفي صيف عام 1985 اتخذت قيادة الإخوان المسلمين قراراً باستغلال أية أحداث للاشتراك في المواجهة ضد الاحتلال، أي قبل سنتين من بدء الانتفاضة. وقد استشهد اثنان من شباب الإخوان في المواجهات التي شهدتها جامعة بيرزيت سنة 1986. غير أن الجديد في حركة حماس أنها:
1. حسمت حالة "التقطَّع" في الأداء الجهادي الإخواني، وحولته إلى حالة دائمة مستمرة.
2. وفرت غطاء حركياً مقاوماً لجماعة الإخوان، يتسم بالمؤسسية التنظيمية والسياسية والعسكرية، وله قيادته السياسية المعلنة.
3. نقلت الوضع الداخلي للإخوان الفلسطينيين نقلة نوعية، بحيث أصبح العمل التنظيمي والتربوي والتعبوي يخدم الفعل الجهادي واستراتيجية المقاومة.
4. حسم ظهور حماس حالة النقاش التي استمرت سنوات طويلة حول "جدلية الدولة والمقاومة"، أي هل ينتظر الإخوان إقامة الدولة الإسلامية حتى يبدأ مشروع التحرير أم لا. وكان الحسم باتجاه أن مشروعي الدولة الإسلامية ومقاومة العدو الصهيوني خطّان متوازيان مكملان لبعضهما البعض، ويسيران جنباً إلى جنب دونما تعارض.

وقد تمكنت حماس منذ البداية من الاستناد على أسس أيديولوجية وحركية وشعبية صلبة، مكّنتها من الوقوف في وجه الضربات القاسية التي تلقتها من الكيان الصهيوني ومن السلطة الفلسطينية بعد ذلك، وقد أعانها على ذلك:
1. عراقة وقدم التنظيم الإخواني الفلسطيني، إذ أنه أقدم تنظيم حركي فلسطيني، لا يزال يحتفظ بفاعليته على الساحة.
2. تراث الإخوان المسلمين العالمي الفكري والدعوي والتربوي الضخم، الذي أنتجته مدرسة الشيخ حسن البنا ومفكروها في بلدان العالم منذ الثلاثينيات وحتى الآن. مما ساعدها كثيراً في تحديد الرؤية والأولويات والمواقف منذ مراحل مبكرة من نشأتها.
3. استناد الإخوان إلى ماضٍ جهادي مقاوم يفخرون به منذ 1948.
4. شمولية دعوة الإخوان وتكاملها، بحيث لم تركز على مشروع المقاومة العسكرية فقط. وإنما مثلت دعوة إصلاح ومدرسة تربوية وهيئة اجتماعية خيرية. وتغلغلت في أوساط الناس، بحيث استفادت من هذه الأنشطة في تجنيد عناصرها وتجديد نفسها، مما جعل عملية اقتلاعها أمراً يكاد يكون مستحيلاً.

وهذا ما يفسر أن حماس منذ نشأتها لم تبدأ من ذيل القائمة الطويلة لمنظمات المقاومة الفلسطينية، وإنما قفزت مباشرة لتكون المنافس الأول والقوي لحركة فتح التي تعد العمود الفقري لـ م.ت.ف. إذ إن حركة الإخوان المسلمين بدأت تسترد عافيتها في الوسط الفلسطيني منذ منتصف السبعينيات، وبدأت تفوز في الانتخابات الطلابية في الجامعات منذ أواخر السبعينيات. ومن الجدير بالذكر أن هذه الحالة لم تكن متعلقة فقط بالداخل الفلسطيني فقط. وإنما شملت الفلسطينيين خصوصاً في الأردن والكويت وأوربا والولايات المتحدة. ففي آخر مارس 1976 نزل الإسلاميون الفلسطينيون المحسوبون على تيار الإخوان في (قائمة الشباب المسلم) في انتخابات الاتحاد العامل لطلبة فلسطين في ثانوية حولي بالكويت، وهي المدرسة التي كانت تتبع م.ت.ف في دوامها المسائي، وفيها أكثر من 1200 طالب فلسطيني، حيث كانت أكبر معقل طلابي فلسطيني منفرد. وقد تقاسموا مع فتح المقاعد الخمسة حيث فازت فتح بالكاد بثلاثة مقاعد بينما فازوا بمقعدين اثنين. وكانت هذه أول إشارة لعودة الإسلاميين الفلسطينيين إلى الساحة. ثم شكَّلت (قائمة الحق الإسلامية) القائمة الأقوى في انتخابات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في جامعة الكويت خلال السنتين الدراسيتين 77/78 و78/79 حيث قادها في سنتها الأولى خالد مشعل الذي أصبح فيما بعد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقد تعمدت قيادة الاتحاد "الفتحاوية" تعطيل الانتخابات لسنتين متواليتين لخشيتها من خسارتها في الانتخابات أمام الإسلاميين، الذين تركوا الاتحاد في النهاية وشكلوا الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.

ويبدو أن قرار اختيار الاسم قد اتخذ بالتنسيق بين الداخل والخارج، غير أن قيادة الخارج أعطت للداخل صلاحية اختيار التوقيت المناسب، وعندما وقعت حادثة دهس أربعة من العمال الفلسطينيين في 8 ديسمبر 1987، اجتمعت قيادة الإخوان في قطاع غزة ليلتها وقررت تثوير الوضع وهو ما بدأ فعلاً بعد صلاة فجر 9 ديسمبر 1987 عندما خرجت المظاهرات من مخيم جباليا وكان اثنين من تيار الإخوان هما أول شهيدين دشَّنا بدء الانتفاضة المباركة في فلسطين. وهما حاتم أبو سيس ورائد شحادة.[326] وفي 14 ديسمبر 1987 أصدرت حركة المقاومة الإسلامية بيانها الأول الذي عبر عن مجمل سياساتها وتوجهاتها.[327]

الطرح السياسي والفكري:
ترتكز هوية حماس الأيديولوجية وطرحها السياسي والفكري على النقاط التالية:[328]
1. أنها حركة جهادية شعبية إسلامية تستند في فكرها ووسائلها وسياساتها ومواقفها إلى تعاليم الإسلام وتراثه الفقهي.
2. تؤمن بتوسيع دائرة الصراع ضد المشروع الصهيوني إلى الإطارين العربي والإسلامي، وأن تحرير فلسطين لن يتم إلا بتضافر جهود المسلمين جميعاً، وأن الإسلام هو المؤهل الوحيد لتفجير طاقات الأمة وتحرير الأرض المقدسة.
3. تؤمن أن قضية فلسطين قضية إسلامية أساساً، وأنها أمانة في عنق كل مسلم. وأن تحريرها فرض عين على كل مسلم حيثما كان.
4. تعتقد أن الصراع مع العدو الصهيوني، هو صراع حضاري مصيري ذو أبعاد عقدية.
5. ترى أن مصالح الاستعمار الغربي الاستراتيجية والاقتصادية وخلفياته الثقافية والدينية قد التقت مع المطامع اليهودية الصهيونية في إنشاء دولة لليهود في فلسطين، حتى تُفرِّق الأمة العربية والإسلامية، وتمزق وحدتها، وتبقيها ضعيفة متخلفة تدور في فلك التبعية.
6. تؤمن أن المعركة مع العدو اليهودي ـ الصهيوني معركة وجود وليس معركة حدود، وأنها معركة تتوارثها الأجيال، وأنها صورة من صور الصراع بين الحقِّ والباطل.
7. تُميِّز الحركة بين اليهود بوصفهم أهل كتاب لهم أحكامهم الخاصة في كتب الفقه، حيث تُحفظ حرماتهم، وتصان حقوقهم المدنية وحريتهم الدينية في إطار الدولة الإسلامية، وبين اليهود المعتدين الذين اغتصبوا فلسطين فوجب حربهم وقتالهم ليس لكونهم يهوداً وإنما لكونهم محتلين غاصبين لأرض المسلمين.
8. ترى أن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، لكنها ترى أن الجهاد يجب أن يستند إلى منظومة متكاملة: سياسية وتربوية واجتماعية واقتصادية لتوفير شروط النهضة الحضارية وحركة التغيير لبناء متكامل لجيل الجهاد والتحرير.
9. تؤكد على أن شعب فلسطين هو رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني، وأنه لا بد من إعداده ودعمه بكافة الوسائل ليقوم بدوره المنشود.
10. تسعى للجمع بين خصوصيتها الحالية كحركة وطنية فاعلة في الساحة الفلسطينية، وبين تسليمها بأن تحرير فلسطين يستدعي في النهاية حركة أو نموذجاً إسلامياً شاملاً.
11. ترى أن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة لا يصح التفريط أو التنازل عنها أو عن أي جزء منها.
12. تُقرُّ حماس التعددية السياسية، واختلاف وجهات النظر، مع سعيها لإيجاد قواسم مشتركة للتصدي للمشوع الصهيوني.
13. تُقرُّ حماس التعددية الدينية، وترى أن المسيحيين شركاء في الوطن، ولهم من الحقوق والواجبات مثل غيرهم، وأنهم يجب أن يأخذوا نصيبهم كاملاً في مقاومة الاحتلال.

أهداف حماس:[329]
تتلخص أهداف حماس الاستراتيجية في:
1. تحرير كل فلسطين من نهرها إلى بحرها من العدو الصهيوني.
2. إقامة الدولة الإسلامية على أرض فلسطين.
ولحماس أهداف مرحلية، تسعى لتحقيقها وصولاً للأهداف الاستراتيجية:
1. تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة أي الأرض المحتلة سنة 1967.
2. أسلمة المجتمع الفلسطيني، ونشر الأخلاق والمثل الإسلامية، والوعي والالتزام الإسلامي، باعتبارها أدوات أساسية لصمود الشعب وبدء مشروع التحرير.
3. الحفاظ على جذوة الجهاد وخيار الكفاح المسلح في وجه مشروع التسوية.
4. تفعيل العمق العربي والإسلامي باتجاه دعم قضية فلسطين.
5. محاربة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإيقاف مشروع الاختراق الصهيوني للمنطقة.
6. إنهاك الكيان الصهيوني أمنياً واقتصادياً، وفضح ممارساته التعسفية، وكشف الظلم الذي يحيق بالشعب الفلسطيني.
7. تحقيق وحدة وطنية فلسطينية تجتمع على برنامج المقاومة والتحرير.

مواقف حماس وسياساتها:
أ. فلسطينياً:[330]
القاعدة الأساسية التي تحكمها هي التعاون والتنسيق (أو على الأقل التنافس) مع مختلف الجهات في مشروع التحرير ومواجهة الاحتلال والحد من أخطاره.
موقفها من م.ت.ف:

وحسب ميثاقها فإنها تنظر باحترام إلى الحركة الوطنية الفلسطينية وم.ت.ف. وتقدر جهودها والظروف التي أحاطت بها، لكنها ترفض الفكرة العلمانية، لأنها تؤمن أنها لن تؤدي إلى التحرير. وأكدت حماس على قاعدة الوحدة الوطنية، وحرمة الدم الفلسطيني، وتجنُّب أي اقتتال فلسطيني ـ فلسطيني.

وعندما عرضت م.ت.ف على حماس الدخول في إطارها، رفضت حماس إلا بشروط أهمها رفض التفريط بأي جزء من أرض فلسطين، ورفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وبقرارات الأمم المتحدة التي تنتقص من حق الشعب الفلسطيني. كما طالبت بـ40% من مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني، وقد رفضت قيادة م.ت.ف هذه الشروط.

الموقف من الفصائل الفلسطينية:
احتكمت حماس إلى مبادئها وإلى قاعدة التعاون والتنافس في تحرير فلسطين وفي ضرب المشروع الصهيوني، ورفض الاعتراف بالكيان "الإسرائيلي". وقد واجهت في البداية مصاعب كبيرة في التعامل مع حركة فتح التي كانت تخشى من النفوذ المتزايد لحماس على حسابها. ولكن حدثت عدة لقاءات بين الطرفين وجرى أكثر من اتفاق لتجاوز الحساسيات ولتحقيق التنسيق الميداني، ولكن الأمر لم يكن يخلو من حالات احتقان متبادلة كانعكاس طبيعي للتنافس بين أكبر فصيلين فلسطينيين. وتحسنت العلاقات مع اندلاع انتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000) حيث اقتربت فتح أكثر من سياسات حماس في عمليات المقاومة وتفعيل الانتفاضة.

وتعاونت حماس مع الفصائل الوطنية الأخرى وخصوصاً المعارضة لاتفاق أوسلو، حيث كانت العمود الفقري لتحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي تشكل في أواخر سنة 1993 لمواجهة اتفاق أوسلو.

ولحماس علاقة أكثر تميزاً مع حركة الجهاد الإسلامي بوصفها الأقرب من الناحية الأيديولوجية. وكثيراً ما يُنسِّق الطرفان مواقفهما السياسية ويتحالفان في الانتخابات الطلابية، ويتعاونان أحياناً في تنفيذ العمليات العسكرية.
الموقف من التسوية السلمية:[331]

ترتكز حماس على الأسس الشرعية في رفض التسوية السلمية حسب موقف العلماء الموثوقين. ولذلك فإن موقفها يتسم بالمبدئية والعقدية ولا يترك مجالاً للمناورة، إلا ضمن الحدود التي تقبل بها اجتهادات العلماء.

وترى حماس أن التسوية السلمية في كل صيغها الحالية (فلسطينياً وعربياً ودولياً وإسرائيلياً) تنطوي على التفريط بمعظم أرض فلسطين، كما ستنطوي في النهاية على التفريط بحق ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم المحتلة، إذ يستحيل على الكيان الإسرائيلي قبول هذا الشرط لأنه سيُفقده طابعه اليهودي، الذي نشأ المشروع الصهيوني لأجله.

ولا تمانع حماس من فكرة عقد الهدنة لزمن محدود مع الكيان الصهيوني مقابل الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، بشرط عدم إعطاء الشرعية لهذا الكيان على الأرض المغتصبة سنة 1948. وهذا ما يكاد يكون قبوله مستحيلاً من الطرف "الإسرائيلي" إلا بمزيد من العمل الجهادي المؤثر الذي يضطر الكيان للانسحاب ـ وفق حسابات الربح والخسارة ـ كما حدث في جنوب لبنان، وإن كان الأمر في الضفة والقطاع أشد صعوبة.

وتسعى حماس إلى إسقاط خط التسوية في الوسط الفلسطيني والعربي، وإحياء وتفعيل الخط الجهادي. وترى أن اتفاق أوسلو جاء لتصفية القضية الفلسطينية، وأضاع معظم حقوق الفلسطينيين، ويوفر الأمن للصهاينة، ويقمع العمل الجهادي الفلسطيني.

الموقف من السلطة الفلسطينية (سلطة الحكم الذاتي):[332]
ترى حماس أن سلطة الحكم الذاتي في الضفة والقطاع هي إفراز من إفرازات اتفاق أوسلو، وأن الصهاينة وافقوا على إنشائها لأنها تُؤمِّن لهم الكثير من المكاسب. وتعارض حماس المشاركة في المؤسسات السياسية للحكم الذاتي فقد قاطعت انتخابات المجلس التشريعي للسلطة، كما رفضت المشاركة في حكومتها.

وفي الوقت نفسه، رفضت حماس الدخول في مواجهات مع السلطة، وأكدت على حرمة الدم الفلسطيني، وعدم الانجرار إلى حرب أهلية تخدم في النهاية المشروع الصهيوني. وقد اضطرت أن تعض على جراحها لسنوات عندما قامت سلطة الحكم الذاتي بالعديد من حملات الاعتقال والتعذيب والملاحقة لعناصرها، ورفضت الرد على ذلك رغم شدة المعاناة. وكانت عادة ما توجِّه انتقامها إلى "الكيان الإسرائيلي" باعتباره جوهر المشكلة والمسئول أساساً عن دفع السلطة إلى سياساتها التعسفية ضد المعارضة.

ب. عربياً وإسلامياً:[333]
الاهتمام بالبعد العربي والإسلامي هو جزء من إيمانها العقدي بالحل الإسلامي للقضية وتوسيع دائرة الصراع ضد العدو الصهيوني. وكان أبرز معالم سياستها:
1. تبادل التأييد والمؤازرة مع الحركات الإسلامية وتوثيق العلاقات معها على خلفية الاهتمام بإنجاح المشروع الإسلامي في أقطارها باعتباره خطوة في طريق التحرير، وعلى خلفية دفعها باتجاه الإسهام في العمل لفلسطين وقضيتها.
2. عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وعدم الدخول في محاور صراع بين هذه البلدان، أو تأييد طرف ضد آخر.
3. عدم إنشاء تنظيمات لحماس خارج فلسطين إلى الآن. مما قلَّل من فُرص الاحتكاك والانزعاج الأمني العربي.
4. محاولة بناء علاقات سياسية مثمرة مع الدول العربية، تمكِّن حماس من العمل بحرية سياسياً وإعلامياً، توفر لها الدعم غير المشروط، وتُسهم في تصليب مواقف هذه الدولة ضد التسوية وضد التطبيع.

وقد نجحت حماس في تحقيق درجات متفاوتة من العلاقة مع عدد من الدول العربية مثل سوريا، والسعودية، واليمن، والكويت، والعراق، والسودان، وليبيا، وقطر، ولبنان. ولها علاقة جيدة بإيران. وتذبذبت علاقتها مع الأردن بين الترحيب وإنشاء المكاتب، وبين الاعتقال والطرد وسحب الجنسيات. ولحماس شعبية كبيرة في الأوساط العربية والإسلامية، حيث يلقى تركيزها على العدو الصهيوني وعملياتها الاستشهادية وتجنبها خوض الصراعات الجانبية تقديراً كبيراً.

ج. دولياً:[334]
في البداية لم يكن حجم الحركة وشهرتها يسمحان لها بالاهتمام ببناء علاقات دولية، كما أن دول العالم كانت تركز نظرها على م.ت.ف وفصائلها. غير أن إنجازات حماس على الأرض وظهورها كثاني أكبر فصيل فلسطيني وبروزها كمنافس محتمل أو بديل لقيادة م.ت.ف ... جعل بعض دول العالم تبدي اهتماماً في الاستماع إلى وجهة نظرها. وقد ظهر هذا التحول خصوصاً إثر أزمة إبعاد 415 فلسطينياً معظمهم من حماس في ديسمبر 1992 والتي شغلت العالم بضعة أشهر. وجرت بعض الاتصالات السرية مع سفارات بعض الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا .. لكنها سرعان ما توقفت خشية من ردود الفعل "الإسرائيلية" ... وقد تركزت سياسة حماس على الصعيد الدولي في:
1. التأكيد على أن معركتها داخل فلسطين فقط، وضد العدو الصهيوني المحتل.
2. عدم استهداف أو ضرب المصالح الأمريكية أو الغربية. وتجنب فتح معارك معها.
3. التأكيد على حجم الظلم والإجحاف الذي ألحقه الغرب بفلسطين وشعبها من خلال بريطانيا وأمريكا وحلفائهما، وعلى مسئوليتهم التاريخية تجاه ذلك.
4. محاولة الاستفادة من القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تجيز مقاومة الاحتلال، واستخدام المصطلحات السياسية السائدة عالمياً لإيصال خطابها السياسي.

هوامش الكتاب
________________________________________
[309] انظر: فوزي تيم، "القوى السياسية الفلسطينية: القسم الأول: القوى العلمانية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 358. والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18.
[310] رياض الريس، مرجع سابق، ص 51.
[311] المرجع نفسه، ص 49.
[312] المرجع نفسه، ص 52 ـ 53، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[313] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[314] المرجع نفسه، ج2، ص 15 ـ 17.
[315] انظر حول المجالس الوطنية الفلسطينية في: المرجع نفسه، ص 94 ـ 121، وانظر حول برنامج النقاط العشر، وموقف الجبهة الشعبية منه في: فيصل حوراني، مرجع سابق، ص 183 ـ 220.
[316] انظر التشكيل التنظيمي للجبهة في: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[317] حول هذه العمليات، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 55 ـ 59، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18.
[318] رايض الريس، مرجع سابق، ص 61.
[319] انظر: المرجع نفسه، ص 64 ـ 66، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 12.
[320] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 12 ـ 13.
[321] المرجع نفسه، ج1، ص 539 ـ 540.
[322] حول القيادة العامة، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18 ـ 22، ورياض الريس، مرجع سابق، ص 69 ـ 71.
[323] انظر: المرجع نفسه، ج2، ص 314 (حول عملية الخالصة)، وج1، ص 290 ـ 291 (حول عملية أم العقارب)، وج2، ص 22 (حول عملية إطلاق الأسرى الـ 78).
[324] حول الصاعقة، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 73 ـ 78، والموسوعة الفلسطينية، ج3، ص 114 ـ 116.
[325] حول جبهة التحرير العربية، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 79 ـ 83، والموسوعة الفلسطينية، ج1، ص 514 ـ 518.
[326] انظر: غسان حمدان، الانتفاضة المباركة: وقائع وأبعاد (الكويت: دار الفلاح، 1989)، ص 36 ـ 38.
[327] انظر نص البيان في: وثائق حركة المقاومة الإسلامية، سلسلة بيانات الحركة، رقم 1، إعداد المكتب الإعلامي لحماس (دون مكان: المكتب الإعلامي لحماس، دون تاريخ)، ص 17 ـ 18.
[328] انظر حول الطرح الفكري والسياسي للحركة في: ميثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي صدر في 19 أغسطس 1988، والمنشور في المرجع السابق نفسه، ص 137 ـ 168. وانظر: جواد الحمد وإياد البرغوثي (محررين)، دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) 1987 ـ 1996، سلسلة دراسات رقم 20 (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1997)، ص 117 ـ 221.
[329] حول أهداف حماس، انظر مثلاً: محمد برهومة، "أهداف حركة (حماس)"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 55 ـ 77، 99 ـ 105.
[330] حول مواقف حماس فلسطينياً، انظر مثلاً: عبد الحفيظ علاوي وهاني سليمان، "علاقات الحركة على الساحة الفلسطينية"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 263 ـ 285.
[331] حول موقف حماس من التسوية، انظر مثلاً: أحمد عبد العزيز، "حركة حماس والتفاوض والتسوية مع إسرائيل"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 225 ـ 240.
[332] حول موقف حماس من سلطة الحكم الذاتي، انظر مثلاً: المرجع نفسه، ص 241 ـ 256. ومحسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 209 ـ 218.
[333] انظر مثلاً: عبد الحفيظ علاوي وهاني سليمان، "علاقات الحركة على الساحة العربية والإسلامية"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 287 ـ 291.
[334] انظر مثلاً: المرجع نفسه، ص 293 ـ 301.
بنية حماس التنظيمية وقيادتها:[335]
في 18 أغسطس 1988 أصدرت حماس ميثاقها، وبدأت عملياتها العسكرية باختطاف وقتل جندي "إسرائيلي" في فبراير 1989. وشنَّت القوات "الإسرائيلية" حملة شاملة ضدها في مايو 1989 أدت لاعتقال معظم قيادتها، وعلى رأسها الشيخ المؤسس أحمد ياسين. وتوالت حملات الاعتقال، لكن حماس كانت قادرة على تقديم قادة جدد وعلى الاستمرار في أصعب الظروف. وتطور عمل حماس العسكري، فأنشأت كتائب "الشهيد عز الدين القسام" في 1992 التي مثَّلت جناحها العسكري الضارب. وشكلت عملية إبعاد 415 شخصاً معظمهم من قادتها ورموزها ورجالها (نحو 380) علامة فاصلة، حيث نجحت حماس في المعركة الإعلامية، واضطر الكيان الصهيوني إلى إعادتهم.

ونجحت حماس في تطوير عملها في 1993، لكنها ووجهت باتفاق أوسلو، مما حرمها من فرص النمو والتوسع. ولاقت مصاعب جمة بسبب ممارسات السلطة ضدها 1994 ـ 2000، لكنها ظلَّت محافظة على شعبيتها وحضورها السياسي وعلى عملياتها النوعية القاسية ضد العدو الصهيوني.

ويظهر من خلال أدبيات حماس أن لها عملاً مؤسسياً مبنياً على الشورى، لكنها تحرص على عدم الكشف عن آلياته لأسباب أمنية. ولحماس مكتب سياسي يترأسه خالد مشعل منذ 1996 وقد سبقه إلى هذا المنصب موسى أبو مرزوق وهو يتولى الشئون السياسية للحركة وتمثيلها. كما أن لها مكتباً إعلامياً، فضلاً عن الجهاز العسكري الذي يعمل باستقلالية شبه تامة عن الخطين السياسي والإعلامي. ومن أبرز رموز حماس في الداخل في قطاع غزة مؤسسها ومرشدها الشيخ أحمد ياسين، ود. عبد العزيز الرنتيسي، ود. محمود الزهار، وفي الضفة الغربية جمال منصور، وجمال سليم، وقد استشهدا في 31 يوليو 2001، وجمال النتشة وحسن يوسف، وفي الخارج خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، ومحمد نزال، وإبراهيم غوشة وغيرهم.

التأييد الشعبي:[336]
تحظى حماس بتأييد شعبي كبير في الأوساط الفلسطينية. وعادة ما تحصل في الانتخابات الطلابية والنقابات المهنية التي تشارك بها في داخل فلسطين على معدَّل عام بحدود 40 ـ 45% من الأصوات. كما أن التيارات الإسلامية المؤيدة لحماس تحظى بالشعبية نفسها أو أكثر في انتخابات الطلاب والنقابات والمخيمات في الأردن. وحسب استطلاعات الرأي العام التي تقوم بها جهات محسوبة عادة على م.ت.ف فإن حماس تحصل على 14 ـ 19% من الأصوات. ومن الصعب الركون إلى النتائج السابقة بسبب تشتت الشعب الفلسطيني، وبسبب أن الانتخابات التي شاركت بها تمثل شرائح معينة من الشعب، كما أن هناك ملاحظات على دقة مراكز استطلاعات الرأي العام من حيث توجهها وتمويلها.

حماس والعمل العسكري:[337]
ترى حركة حماس أن العمل العسكري هو خيار استراتيجي دائم، وتتعامل مع المعركة باعتبارها معركة طويلة الأمد، ربما تتداولها الأجيال. وهي في مثل أجواء التسوية السلمية وحالة استضعاف الأمة تسعى لإبقاء جذوة الجهاد مرفوعة تعبيراً عن عدم التفريط بالأرض المقدسة. ولكن الذي عقَّد الأمر في وجه حماس أنها أقبلت على الخيار العسكري حين أدبر الآخرون، وسارت عكس التيار، لكنها على أي حال تمكنت من إثبات نفسها.

بدأت حماس عملياتها باختطاف الجندي آفي ساسبورتس في 3 فبراير 1989 وقتله، عن طريق جناحها العسكري "المجاهدون" بقيادة الشيخ صلاح شحادة، لكن سرعان ما ضُرب هذا الجناح العسكري في مايو 1989 إثر الحملة الشرسة التي قادتها سلطات الاحتلال. وتعزى بدايات تشكيل جناحها العسكري الحالي "كتائب عز الدين القسام" إلى مايو 1990 حيث أخذت عملياتها تتزايد وتشتد قوة وتأثيراً. وحسب إحدى الإحصائيات نفذت حماس سنة 1993 ما مجموعه 138 عملية خسر الكيان الإسرائيلي حسبما أعلن بنفسه 79 قتيلاً و220 جريحاً. واستشهد في 24 نوفمبر 1993 عماد عقل وهو أحد أبرز قادتها العسكريين.

ومنذ سنة 1994 زادت صعوبات العمل الجهادي إثر دخول السلطة الفلسطينية إلى مناطق الضفة والقطاع، ومع ذلك فإن الفعالية النوعية لأدائها قد تزايدت. وقامت حماس بتنفيذ خمس عمليات قاسية انتقاماً لمجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها الضابط الإسرائيلي باروخ جولدشتاين في المسلمين في أثناء تأديتهم لصلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي مما أدى لاستشهاد 29 مسلماً وجرح أكثر من 300 آخرين (استشهد وجرح الكثير إثر المواجهات التي أعقبت المجزرة). وتمكنت حماس في العمليات الخمس ـ وحسبما ذكرته المصادر الإسرائيلية ـ من قتل ما مجموعه 39 إسرائيلياً وجرح 158. وقد برز نجم يحيى عياش في تلك الفترة، الذي اعتبر مسئولاً عن العمليات الاستشهادية التي اشتهرت بها حماس، حتى إن المحللين الإسرائيليين اعترفوا أن "حماس قد صكَّت نماذج جديدة للإنسان الفلسطيني وهم الاستشهاديون الجدد".

وفي يوم 5 يناير 1996 استشهد يحيى عياش، وقد ردَّت حماس بقسوة على استشهاده في الفترة 25 فبراير ـ 3 مارس 1996 مما أسفر عن قتل 45 "إسرائيلياً" وجرح 113 آخرين حسب المصادر الإسرائيلية التي تجنح دائماً للتقليل من خسائرها. وقد أدت هذه العمليات إلى حملة شرسة منسقة لاجتثاث حماس تولتها السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية، كما استدعت عقد مؤتمر دولي لما أسموه "مكافحة الإرهاب" بحضور زعماء الدول الكبرى وعدد من زعماء العرب والعالم. لكن حماس تمكنت من استيعاب الصدمة حيث عادت للعمليات العسكرية التي ظهرت بشكل واضح سنة 1997 وبرز في القيادة العسكرية محي الدين الشريف وعادل عوض الله وعماد عوض الله الذين استشهدوا سنة 1998. وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى كانت حماس اللاعب الأكبر في العمليات الجهادية الكبيرة وخصوصاً الاستشهادية التي هزت الكيان الصهيوني وأحدثت توازن ردع حقيقي لأول مرة. وقد كانت عمليات كثيرة يصعب حصرها ومن أبرزها عملية سعيد الحوتري التي أدت إلى مقتل نحو 20 إسرائيلياً وجرح مائة آخرين.

حركة الجهاد الإسلامي:
شهدت سنة 1980 إنشاء حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين، والتي قام بتأسيسها عدد من الشباب الفلسطيني الدارس في الجامعات المصرية برئاسة الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله.

وكان الدكتور الشقاقي قد انضم لجماعة الإخوان المسلمين في القطاع بزعامة الشيخ أحمد ياسين سنة 1968 واستمر في أطر الإخوان إلى أواخر السبعينيات.[338]

ويذكر الشقاقي الذي ولد في غزة سنة 1951 (عائلته تنتمي أصلاً إلى قرية زرنوقة قضاء الرملة) والذي درس الطب في جامعة الزقازيق بمصر 1974 ـ 1981، أن فكرة إنشاء حركة الجهاد الإسلامي نشأت أيام الدراسة الجامعية، وأنه كان هناك خلافات بينه وبين الإخوان في المنهج وطُرق التغيير وقضية فلسطين والموقف من الأنظمة ومن العالم والواقع والأدب والفن. وأضاف أنه كان يشعر أنه "ليس للإخوان منهج وأن هناك فوضى في المفاهيم في إطار الحركة ...".[339]

وانتقد الشقاقي ما عدَّه سكونية مناهج التكوين لدى حركة الإخوان، والتخبط في طرائق العمل، وإهمال جانب التخطيط وطغيان مبدأ السلامة والمبالغة فيها.[340]

غير أن الشقاقي يرى أن حركة الإخوان المسلمين حركة أمّ للتيار الإسلامي في المنطقة، وأن البنا كان رائداً كبيراً، وقال إنه وحركته يكنّون "كل احترام وتقدير لهذه الحركة على دورها التربوي وحفظها للإسلام في المنطقة".[341]

وقال الشقاقي أنه مع مجيء سنة 1978 كان التمايز واضحاً بينه وعدد من زملائه وبين الإخوان. وتابع الشقاقي الثورة الإيرانية باهتمام وانتهى من إعداد كتابه "الخميني: الحل الإسلامي والبديل" في يناير 1979 قبيل نجاح الثورة، والذي صدر بعد نجاحها بأيام، ولم يلتق بأي مسؤول إيراني قبل ذلك، وقد اعتقل ليلة صدور الكتاب مدة أربعة أيام بسبب نشاطه الإسلامي في الجامعة، ثم أعيد اعتقاله في يوم 20 يوليو 1979 لأربعة أشهر، وبعد خروجه من السجن انقطعت صلته التنظيمية بالإخوان، حيث شعر أن فكرة "التأثير والتوافق لم تعد قائمة" بينه وبين الإخوان، فبدأ بتشكيل نواة حركة الجهاد الإسلامي في بداية 1980.[342]

وقبل أن يعود الشقاقي إلى فلسطين سنة 1981، كان قد سبقه عدد من إخوانه الذين تخرجوا سنة 1980 من الجامعات المصرية وبدأوا نشاطهم داخل الأرض المحتلة. وقد التحق الشقاقي بمستشفى فكتوريا بالقدس لمدة سنتين إلى أن اعتقل سنة 1983 لمدة عام لإصداره مجلة الطليعة، ثم أعيد اعتقاله سنة 1986 وحكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة تشكيل تنظيم سري عسكري، ثم أبعد سنة 1988 إلى لبنان حيث عاش سنة واحدة ثم انتقل إلى دمشق.[343]

وحسب فكر حركة الجهاد الإسلامي فإنها جاءت لتعبر عن "الإسلام كمنطق، والجهاد كوسيلة، وفلسطين كهدف للتحرير" وأنها عندما قامت "كانت قوة تجديد داخل الفكر الإسلامي وداخل الحركة الإسلامية على مستوى الفكرة والمنهج والتنظيم وعلى مستوى الأداء داخل فلسطين".[344]

وبشكل عام فإن الحركة ركزت على المعاني الجهادية وتحرير الوطن وتنظيم العناصر للقيام بالعمليات العسكرية، وتأثرت بتجربة الجهاد الإسلامي في مصر والتجربة الإيرانية والتجربة القسامية. وحافظت على علاقات متينة بإيران منذ إنشائها وحتى الآن.

ويظهر أن المجموعة التي أنشأها فتحي الشقاقي كانت إحدى المجموعات الثلاث التي اجتمعت لتشكل حركة الجهاد الإسلامي، والتي كان لها تقريباً نفس التوجهات السياسية والجهادية. وكانت المجموعة الثانية هي "سرايا الجهاد الإسلامي" وهي مجموعة يعود أصل تكوينها إلى عناصر من حركة فتح، تمركزت أساساً في قلعة الشقيف في لبنان وتميزت بخبرتها وتكوينها العسكري. وقد أدت النقاشات داخلها إلى التحول من الخط اليساري الاشتراكي إلى تبني الخط الإسلامي، وبرز في توجيهها المفكر الفلسطيني المعروف منير شفيق، وفي قيادتها العسكرية أبو حسن قاسم "محمد محمد بحيص"، وحمدي "محمد باسم سلطان التميمي". وهي التي يعتقد أنها نفذت أشهر عمليات الجهاد الإسلامي في الثمانينيات، وهي عملية باب المغاربة في 16 أكتوبر 1986 والتي أدت إلى إيقاع ثمانين إصابة بين قتيل وجريح من لواء "غفعاتي" العسكري الإسرائيلي. وقد تأثرت هذه المجموعة كثيراً باستشهاد أبو حسن قاسم وحمدي في قبرص في عملية نفذتها المخابرات الإسرائيلية في 14 فبراير 1988، حيث فقدت العديد من خيوطها المرتبطة بالقائدين، كما أن عناصر أخرى انضمت لجسم المجموعة الأكبر (الشقاقي) بينما جمدت عناصر أخرى عملها.

أما المجموعة الثالثة فقد شكلها إبراهيم سربل الذي أعطى هو ومن معه البيعة للشيخ أسعد بيوض التميمي، وعرفت بالجهاد الإسلامي وقد فضلت هذه المجموعة فيما بعد الانسحاب من الوحدة مع الشقاقي ورفاقه. كما حدث داخل هذه المجموعة خلاف أدى لانقسامها إلى مجموعتين واحدة تتبع الشيخ أسعد (الجهاد الإسلامي "بيت المقدس") وأخرى تتبع إبراهيم سربل (الجهاد الإسلامي "كتائب الأقصى"). وقد انفصلتا فيما بعد عن مجموعة الشقاقي التي تعتبر الآن الجهة الأقوى تنظيمياً وعسكرياً وشعبياً بين مجموعات الجهاد الإسلامي. وحسب إبراهيم سربل فإن أولى عمليات مجموعته الجهادية تعود إلى شهر مارس 1982 لكنها أمرها كُشف واعتقل أفرادها في نوفمبر 1983، ثم خرجوا في عملية تبادل الأسرى سنة 1985، حيث عادوا لممارسة العمل العسكري.[345]

وتعدُّ حركة الجهاد الإسلامي اليوم الأول لاشتعال الانتفاضة المباركة هو 6 أكتوبر 1987 عندما استشهد أربعة من رجالها في مواجهة عسكرية مع الجيش "الإسرائيلي".

وقد قامت الجهاد الإسلامي بعمليات نوعية جريئة، وقدَّمت نماذج استشهادية متميزة وهي لا تزال تقف إلى جانب حماس في رفض مشاريع التسوية السلمية وتبنّي العمل الجهادي المقاوم.

ومن العمليات المميزة التي قامت بها عملية نتساريم في 11 نوفمبر 1994، وعملية بيت ليد في 22 يناير 1995، التي هزت الكيان الإسرائيلي إذ قُتل 21 جندياً وجرح 66 آخرين. ونفذت في 4 مارس 1996 عملية تل أبيب التي أدت لمقتل 14 إسرائيلياً وجرح 125 آخرين.[346] وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى قامت الجهاد الإسلامي بتنفيذ عدد من العمليات الاستشهادية التي أحدثت أثراً كبيراً.

وقد استشهد في 26 أكتوبر 1995 فتحي الشقاقي زعيم الحركة إثر حادث اغتيال قام به الموساد الإسرائيلي. وقد تولى القيادة بعده د. رمضان عبد الله شلَّح الذي لا يزال أميناً عاماً للحركة.[347]
هوامش الكتاب
________________________________________
[335] انظر مثلاً: عبد الستار قاسم وأسامة أبو أرشيد، "التمهيد"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 43 ـ 48، ومحسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 187 ـ 188.
[336] انظر مثلاً: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 184 ـ 187، وجواد الحمد وهاني سليمان (محرران)، انتخابات الحكم الذاتي الفلسطيني (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1994)، ص 15 ـ 42، 121 ـ 149.
[337] حول عمليات حماس 1989 ـ 1996، انظر: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 189 ـ 205، وغسان دوعر، موعد مع الشاباك: دراسة في النشاط العسكري لحركة حماس وكتائب عز الدين القسام خلال عام 1993 (لندن: فلسطين المسلمة، 1995)، وغسان دوعر، المهندس: الشهيد يحيى عياش رمز الجهاد وقائد المقاومة في فلسطين (لندن: فلسطين المسلمة، 1997).
[338] انظر: مقابلة لفتحي الشقاقي مع مجلة الوسط، لندن، 6 نوفمبر 1995.
[339] المرجع نفسه.
[340] محمد سعيد الموعد، "المصادر الفكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، جريدة الحياة، 27 يناير 1995.
[341] الوسط، 30 يناير 1995.
[342] الوسط، 6 نوفمبر 1995.
[343] الوسط، 6 نوفمبر 1995، وانظر: جريدة الأسواق، عمَّان (الأردن)، 30 أكتوبر 1995.
[344] الوسط، 30 يناير 1995.
[345] انظر: إبراهيم سربل، حركة الجهاد الإسلامي والانتفاضة (عمان: دار النسر، 1990).
[346] انظر حول هذه العمليات في: فلسطين المسلمة، ديسمبر 1994، والرأي، 23 ـ 25 يناير 1995، والرأي، 5 مارس 1996، والحياة، 9 مارس 1996.
[347] الحياة، 30 أكتوبر 1995، والوسط، 6 نوفمبر 1995.

انتهى الموضوع بحمد الله وتوفيقه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نجوم الونشريس  :: قسم التسلية و الترفيه :: منتدى فلسطين-
انتقل الى: