محاضرات في التاريخ الأوربي الوسيط
الأستاذ/ د. الطاهــر عمـــــــري
المحاضــرة الأولى
العصور التاريخية: مفهومـها وحدودها
تعارف المؤرخون والمهتمون بالدراسات التاريخية على تقسيم العصور التاريخية الأوربية إلى عصور قديمة وحديثة تتبعها الأحداث المعاصرة. ولكن ما مصداقية هذا التقسيم من الناحية العلمية؟
إن تقسيم التاريخ إلى مجموعة من العصور ما هو في الحقيقة سوى اصطلاح الغرض منه تيسير الدراسة التاريخية؛ وتأسيسا على هذا فإن تقسيم التاريخ لا يعني بحال من الأحوال تجزئة الأحداث التاريخية أو تعميم مفهوم انفصاليتها "لأن تاريخ بني الإنسان يشبه في استمراريته الماء الجاري".. فالأحداث التاريخية لا تقف عند حد وإنما هي متواصلة لا تنقطع ما دام الإنسان على ظهر الأرض وهذا يشبه تماما الماء الجاري المتواصل في النهر.
ويبقى علينا الآن أن نعرف مفهوم العصر التاريخي وماهيته. فالعصر التاريخي هو حقبة زمنية من عدة قرون تتفاوت في عددها وتكون فيها أسس الحياة واحدة أو متشابهة أو على الأقل متقاربة إلى حد ما. فالعصر التاريخي يمثل حضارة ما من إنتاج العقل البشري تكون أحداثها متشابهة وتسير على نمط واحد متقارب. وفي حال تغير الأحداث المتشابهة إلى نمط حضاري آخر عندها ينتهي عصر تاريخي ويبدأ عصر تاريخي آخر جديد. وهذا ينطبق على أحداث التاريخ الأوربي القديم والوسيط والنهضة والحديث والمعاصر. وعلى هذا فإنه من الصعب حقا أن نحدد بداية عصر من العصور التاريخية أو نهايته بسنة معينة لأن التغيرات في الأحداث التاريخية تحدد بشكل تدريجي لا بشكل فجائي ومن هنا يحدث تداخل بين العصر التاريخي السابق والعصر اللاحق له لأن كل عصر من العصور التاريخية له أذيال وتوابع[1].
وما يحدث للمجتمعات عند انتقالها من عصر إلى آخر يشبه ما يحدث للإنسان عند انتقاله عبر مراحل نموه المتعاقبة. فكما أننا لا نستطيع أن نحدد لحظة بعينها نقول إن الفرد ينتقل فيها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب أو من هذه المرحلة الأخيرة إلى مرحلة الشيخوخة حيث يمر الفرد بتغيرات فيزيولوجية وسيكولوجية معينة؛ فكذلك يعد من المبالغة أن نختار سنة بعينها لنقول أن العصور القديمة توقفت فيها عن السير لتفسح الطريق للعصور الوسطى مثلا[2].
أما العصور الوسطى الأوربية فأطلقها رجال العصر الحديث في أوربا ويقصدون من وراء هذه التسمية تلك المرحلة التاريخية الأوربية التي تمتد من سنة 476م تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب إلى غاية القرن الخامس عشر الميلادي. وبالنسبة إلى نهاية العصور الوسطى يعتمد المؤرخون الأوربيون أكثر على سنة 1492م الذي يتوافق مع اكتشاف أمريكا من طرف كريستوف كولومبوس ونهاية حروب الاسترداد في أسبانيا ويفضلون هذا التاريخ على سنة 1453م التي تتوافق مع سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين والتي تمثل بالنسبة نكبة كبرى للمسيحية.
وتذكر الموسوعة العلمية الرقمية أنكارتا أن مفهوم عصر وسيط Moyen âge استعمل للمرة الأولى من طرف فلافيو بيوندو دو فورليde forli Flavio Biondo الذي كان سكرتيرا كنسيا في روما في كتابه بالإيطالية Historium ab inclinatione romanorum imperii décadesوالذي نترجمه بالعربية "حقب تاريخية منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية" ، وكتب هذا الكتاب خلال سنوات 1450م ونشر سنة 1483م. ففي هذا الكتاب يذكر المؤلف فكرة وضع بين قوسين في الزمن مرحلة تمثل توقف التقدم وتمثل الركود الثقافي وهذه المرحلة حددها بين التاريخ الكلاسيكي القديم وبدايات النهضة في العصور الأوربية الحديثة. وتم تعميم هذا المفهوم منذ القرن السابع عشر الميلادي. ويقوم المؤرخون غالبا بتقسيم العصور الوسطى نفسها إلى: العصور الوسطى العليا من القرن الخامس إلى العاشر الميلادي وعصر الانتصارات ويتوافق مع تطور نظام الإقطاع والعصور الوسطى الدنيا وهو زمن الكاتدرائيات والعصور المظلمة ونهاية العصور الوسطى[3]
غير أن هناك آراء أخرى بالنسبة إلى تحديد بدايات العصور الوسطى في أوربا فقد اعتقد بعض المؤرخين أن العصور الوسطى تبدأ بجلوس الإمبراطور الروماني دقلديانوس على عرش الإمبراطورية الرومانية في سنة 284م، ومن المعروف أن دقلديانوس كان ملكا من النوع الشرقي القديم مستبدا مطلقا ويضفي على شخصيته مظاهر الإلوهية والتقديس واضطهد الديانة المسيحية والمسيحيين أكبر اضطهاد وهدم الكنائس وأحرق الأناجيل ونفى المسيحيين وعمل على استئصالهم من الإمبراطورية الرومانية وظهرت هذه النزعة بشكل واضح في مصر حتى اعتبر عهده أكبر عهد للاضطهاد في تاريخ مصر وأخذ أقباط مصر تاريخ توليه للسلطة بداية للتاريخ القبطي أو "تاريخ الشهداء" واعتبر بعض المؤرخين هذه السنة بداية العصور الوسطى.
كذلك اعتقد بعض المؤرخين أن سنة 323م التي تولى فيها الإمبراطور قسطنطين الأول حكم الدولة الرومانية هي بداية العصور الوسطى إذ تم في عهده الاعتراف بالدين المسيحي دينا رسميا للدولة الرومانية بعد أن كان دينا للأقلية المضطهدة ونقل عاصمة الدولة الرومانية من روما إلى القسطنيطينية التي أقامها على أنقاض مدينة بيزنطة على شاطئ البوسفور في شرق أوربا وكان ذلك تفريقا بين القسمين الشرقي والغربي للإمبراطورية الرومانية وبداية لإنشاء الإمبراطورية البيزنطية،وكانت مغادرته لمدينة روما إيذانا بتحويلها إلى مرتع خصب لسلطان البابوية الذي سينمو تدريجيا في العصور الوسطى ليصبح مسيطرا على مقدرات الحياة في أوربا طوال العصور الوسطى.
وهناك مؤرخون يعتبرون أن سنة 395م هي بداية العصور الوسطى باعتبارها السنة التي قسم فيها الإمبراطور ثيودوسيوس الدولة الرومانية رسميا إلى شطرين منفصلين: الشطر الشرقي وعاصمته القسطنطينية والغربي وعاصمته روما بين إبنيه. وأخيرا فإن هناك من ينظر إلى سنة 410م على أنها البداية الفاصلة للعصور الوسطى وذلك نتيجة لقيام القوط الغربيين بقيادة ملكهم ألاريق بدخول شبه الجزيرة الإيطالية واحتلال روما القديمة، وإن كانت قد احتفظت بشبح الإمبراطورية إلى سنة 467م حين أرسل صولجان الإمبراطورية الغربية منها إلى الإمبراطورية الشرقية وانتهت بذلك الإمبراطورية الغربية في روما لتحل محلها سلطة الكنيسة.
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأدنى فقد شهدت ظهور الإسلام وبدأت دولته عقب هجرة الرسول(ص) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في منة 622م، وبدأت بذلك العصور الوسطى الإسلامية التي شهدت نهضة حضارية زاهرة في المناطق التي امتد إليها الإسلام حتى وصل إلى أوربا حيث مكث المسلمون في الأندلس ثمانية قرون متعاقبة حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
وينبغي أن نشير إلى كون العصور الوسطى في أوربا لم تكن دامسة في ظلامها تماما إذ لم تخل من مدنية لها شخصيتها واتجاهاتها وطبيعتها الخاصة وإن كانت لا تعتبر بطبيعة الحال في مرتبة المدنية الرومانية التي سبقتها في العصور القديمة أو مرتبة المدنية في العصور الأوربية الحديثة؛ وذلك لاختلاف مظاهر الحياة في تلك العصور، ومن أبرز خصائص العصور الوسطى: ظاهرة
[1][1] ياغي(إسماعيل) وآخر، تاريخ أوربا الحديث والمعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر1984، ص ص. 9-10
أباظة(فاروق عثمان)، دراسات في تاريخ أوربا الحديث والمعاصر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية1995، ص ص.15-34[2]
[3] Encyclopédie Encarta 2002-«Moyen Age »
مظاهر الحياة في تلك العصور، ومن أبرز خصائص العصور الوسطى: ظاهرة العالمية الممثلة في خضوع أوربا لحكم إمبراطوريتين كبرتين هما الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية البيزنطية. أما الظاهرة الثانية فتمثلت في ظهور البابوية كسلطة دينية وهيبة مسيطرة بينما تمثلت الظاهرة الثالثة في ظهور نظام الإقطاع بجوانبه الإيجابية والسلبية. كما شكلت الحروب الصليبية الظاهرة الرابعة التي كان لها أبلغ الأثر في تغيير الأوضاع الأوربية نتيجة لتعرف الأوربيين على جوانب كثيرة من الحضارة العربية الإسلامية التي احتكوا بها ونبهتهم إلى واقعهم المتردي آنذاك[1].
المحاور المقررة من تاريخ أوربا في العصور الوسطى
المحور التاريخي:
•الإمبراطورية الرومانية: الأحوال السياسية والعسكرية حتى أواخر القرن الثالث الميلادي
•دقلديانوس الممهد الحقيقي لظهور العصر البيزنطي(284-305)
•إنجازات الإمبراطور قسطنطين الأكبر(305-337)
•غزوات الجرمان
•بريطانيا
•جستنيان(527-565)
الدولة البيزنطية بعد جستنيان وحتى نهاية الأسرة الأيسورية
•الإسلام وعلاقته بأوربا خلال العصور الوسطى
•اللمبارديون في إيطاليا
•الدولة البيزنطية بعد الأسرة الأيسورية وحتى قيام أسرة آل كومنين 1081م
•شارلمان وإمبراطورية الفرنجة
•تقسيم الإمبراطورية الكارولنجية وبدايات تداعيها.
•الفايكينج
•الإمبراطورية الرومانية المقدسة والصراع بينها وبين البابوية
•فرنسا بعد وفاة شارل السمين سنة 888م وحتى قيام أسرة آل كابيه سنة 987م
•آل كابيه في فرنسا 987-1328م
2. المحور الحضاري:
•الإقطاع: جذوره – تطوره – نهاياته
- الإقطاع والنظم الإقطاعية في أوربا خلال العصور الوسطى
- نشأة الإقطاع وبداية نموه في غرب أوربا
- حقوق السيد و التابع ووجباتهما الإقطاعية
- مرحلة اكتمال نمو الإقطاع من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر
- جانب من حياة المجتمع الأوربي في ظل النظم الإقطاعية
- بعض جوانب الحياة السلمية في المجتمع الإقطاعي
- مركز المرأة في ظل النظم الإقطاعية
- المجتمع الزراعي ونظام الضياع
- مرحلة انهيار النظام الإقطاعي
•المدن والتجارة في أوربا خلال العصور الوسطى
- نشاة المدن في القرن الحادي عشر الميلادي
- النقود والعملة في مدن أوربا خلال العصور الوسطى
- حقوق المواطنة في أوربا خلال العصور الوسطى
- المدن ذات السلطات السياسية المستقلة أو القومونات
- ظهور الاتحادات والنقابات المهنية
- طرق النقل والمواصلات
- الأسواق والمصارف
التعليم والجامعات في أوربا خلال العصور الوسطى
- المدارس الديرية
- المدارس الأسقفية أو الكاتدرائية
- القديس برنارد وبطرس أبيلارد
- نشأة الجامعات الأوربية وتطورها
- مواد الدراسة ومناهجها
- مباني الجامعات والإشراف على الطلاب
- نظم الامتحانات والدرجات العلمية
الدين والنظم الدينية في أوربا خلال العصور الوسطى
1. المسيحية والمجتمع الأوربي
2. الكنيسة الغربية
3. ظهور البابوية وازدياد قوتها في العصور الوسطى
4. نظم البابوية
5. المجامع الدينية
6. التنظيم الكنسي
الرهبانية والديرية في أوربا خلال العصور الوسطى
1. في مصر
2. الأنبا بولا
3. القديس أنطونيوس
4. الرهبنة الاجتماعية
5. باخوميوس
6. انتقال الرهبانية والديرية الشرقية إلى غرب أوربا
7. القديس بندكت ونظامه الديري
8. حركة الإصلاح الكلونية(دير كلوني)
9. نظام السسترشيان الديري
10. منظمات الإخوان الرهبان أو الرهبان الفقراء
أثر الحركة الديرية في المجتمع الأوربي في العصور الوسطى
[1] أباظة، المرجع السابق، ص ص.17-18[1]
الفكر السياسي وتطور القانون والتشريع في أوربا خلال العصور الوسطى
1. القانون الطبيعي والقانون الوضعي
2. نظرية تردي الإنسان وسقوطه
3. معالجة مفكري العصور الوسطى لموضوع الرق والملكية الفردية والدولة
4. نظرية حق الملوك الإلهي أو المقدس
5. القانون الروماني
6. القانون الروماني ونهضة أوربا التشريعية في النصف الثاني من العصور الوسطى
7. القانون الكنسي
العلوم في أوربا خلال العصور الوسطى
1. المرحلة الأولى في تاريخ العلوم في فجر العصور الوسطى
2. المرحلة الثانية وصول علوم العرب إلى غرب أوربا
3. ازدهار العلوم في غرب أوربا
الأدب في أوربا خلال العصور الوسطى
1. تطور الآداب في فجر العصور الوسطى
2. اللغة اللاتينية
3. تدهور الخط في الوثائق الحكومية وكتابة المخطوطات
4. الأدب اللاتيني
5. النثر الأدبي
6. الشعر اللاتيني
7. النهضة الكارولنجية
8. القرن العاشر الميلادي
9. القرن الحادي عشر
10. نهضة القرن الثاني عشر
11. الآداب الشعبية والمحلية
مصادر ومراجع التاريخ الأوربي الوسيط
1. أحمد سعيد عمران، حضارة أوربا في العصور الوسطى
2. سعيد عبد الفتاح عاشور، أوربا في العصور الوسطى
3. موريه كروزيه، تاريخ الحضارات العام
4. نور الدين حاطوم، تاريخ العصر الوسيط
5. ويل إيرال ديورنت، قصة الحضارة
6. السيد الباز العريني، الحضارة والنظم الأوربية في العصور الوسطى
7. السيد الباز العريني، تاريخ أوربا في العصور الوسطى
8. إبراهيم احمد العدوي، المجتمع الأوربي في العصور الوسطى
9. بيار غريمال وآخرون، تاريخ أوربا العام
10. فرديناند سيمتل، الحضارة الأوربية في القرن الوسيط وعصر النهضة
11. نور الدين حاطوم، الموسوعة التاريخية الحديثة: تاريخ العصر الوسيط في أوربا
12. وليام لانجر، تاريخ موسوعة تاريخ العالم، ج3، ترجمة: محمد مصطفى زيادة
13. أحمد رضا بك، وثائق من الحروب الصليبية
14. بطرس البستاني، دائرة المعارف
15. جوزيف نسيم يوسف، العرب والروم واللاتين في الحرب الصليبية الأولى
16. سعيد عبد الفتاح عاشور، الحركة الصليبية ج1
17. محمود سعيد عمران، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية
18. نعيم فرح، تاريخ أوربا في العصور الوسطى
19. جوزيف نسيم يوسف، دراسات في تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب
carolingienne», in A. Fliche et V. Martin dir., Histoire de l’église, t. VI, Paris, 1937
- R. BOUTRUCHE, Seigneurie et féodalité, t. I, Paris, 1959
- G. DUBY, L’économie rurale et la vie des campagnes dans l’Occident médiéval, t. I, Paris, 1962, rééd. Flammarion, 1977
- H. FICHTENAU, L’Empire carolingien, trad. franç., Flammarion, 1981
- R. FOLZ, Le Couronnement impérial de Charlemagne, Paris, 1964, rééd. Gallimard, 1989
- F. GANSHOF, Qu’est-ce que la féodalité?, 5e éd., Tallandier, 1987
- L. HALPHEN, Charlemagne et l’Empire carolingien, Paris, 1949, rééd. 1974
المصادر والمراجع باللغات الأجنبية
L. LAISTNER & H. H. KING, Thought and Letters in Western Europa, Londres, 1948, rééd. 1966
- R. LATOUCHE, Les Origines de l’économie occidentale, Paris, 1956
- F. LOT, C. PFISTER & F. L. GANSHOF, «Les Destinées de l’Empire en Occident», in G. Glotz dir., Histoire générale, t. I, sér. Moyen age, 2e éd., Paris, 1941
- H. MITTEIS, Lehnrecht und Staatsgewalt, Weimar, 1933
- H. PIRENNE, Mahomet et Charlemagne, Bruxelle, 1937
Art
- Art du haut Moyen age dans la région alpine, Actes du IIIe Congrès international pour l’étude du haut Moyen آge, Olten-Lausanne, 1954
- E. BEUTLER, Bildwerke zwischen Antike und Mittelalter, Düsseldorf, 1964
- W. BRAUNFELS & H. SCHNITZLER, Karl der Grosse t. III, Karolingische Kunst, Düsseldorf, 1965
- Charlemagne, œuvre, rayonnement et survivances, Catalogue de l’exposition d’Aix-la-Chapelle, 1965
- K. J. CONANT, Carolingian and Romanesque Architecture 800-1200, Baltimore-ةdimbourg, 1959
- P. DESCHAMPS & M. THIBOUT, La Peinture murale en France. Le haut Moyen age et l’époque romane, Paris, 1951
- J. DUFT, Studien zum St. Galler Klosterplan, Saint-Gall, 1956
- A. GRABAR & C. NORDENFALK, La Peinture du haut Moyen age, Genève, 1957
- C. HEITZ, Architecture et liturgie à l’époque carolingienne, Paris, 1963; La France pré-romane: archéologie et architecture religieuse du haut Moyen آge, Paris, 1987
- Les Manuscrits à peinture en France du VIIe au XIIe siècle, Catalogue de l’exposition à la Bibl. nat., Paris, 1954
- P. DE PALOL & M. HIRMER, L’Art en Espagne du royaume wisigoth à la fin de l’époque romane, Paris, 1967
- R. REY, L’Art roman et ses origines, archéologie pré-romane et romane, Toulouse, 1945
- R. TALBOT-RICE, English Art 871-1100, Oxford, 1952
corporations
- G. ACLOQUE, Les Corporations, l’industrie et le commerce à Chartres du XIe siècle à la Révolution, Paris, 1917
- J. BILLIOUD, «De la confrérie à la corporation: les classes industrielles en Provence aux XIVe, XVe et XVIe siècles», in Mém. Inst. hist. de Provence, 6, 1929
- M. BOUVIER-AJAM, Recherches sur la genèse et la date d’apparition des corporations médiévales en France, L.G.D.J., 1978
- E. COORNAERT, «Les Ghildes médiévales (Ve-XVIe s.)», in Rev. hist., 199, 1948; Les Corporations en France avant 1789, 2e éd., Paris, 1968
- G. ESPINAS, «Groupe économique, groupe religieux: les tisserands de Valenciennes au XIVe siècle», in Ann. Hist. écon. et soc., II, 1930; Les Origines de l’association, 2 vol., Paris, 1941-1942; «Comment étudier les statuts d’une association professionnelle médiévale», in Ann. Hist. soc., VI, 1944; «Métiers, associations et confréries de métier: l’exemple des naypiers de Toulouse», ibid., VIII, 1945
- F. FAVRESSE, «Comment on choisissait les jurés de métier à Bruxelles au Moyen آge», in Rev. belge Philol. et Hist., 35, 1957
- A. GOURON, La Réglementation des métiers en Languedoc au Moyen آge, Paris, 1958
- H. HAUSER, Ouvriers du temps passé (XVe-XVIe s.), Paris, 1899, rééd. Slatkine, 1982
- S. KRAMER, The English Craft-Guilds, New York, 1927
- G. LE BRAS, «Les Confréries chrétiennes (1940-1941)», in études de sociologie religieuse, t. II, 1956
- E. MARTIN SAINT-LةON, Histoire des corporations de métiers de leurs origines jusqu’à leur suppression en 1791, Alcan, 1922, rééd. Slatkine-Megariotis, 1980
- E. MASCHKE, «Continuité sociale et histoire urbaine médiévale», in Ann. E.S.C., 1960
- A. SAPORI, Le Marchand italien au Moyenآage, Paris, 1952
- J.-P. SOSSON, «Quelques aspects sociaux de l’artisanat bruxellois du métal», in Cah. bruxellois, 6, 1961; «L’Artisanat bruxellois du métal: hiérarchie sociale, salaires et puissance économique (1360-1500)», ibid., 7, 1962
المحاضرة الثانية
الأوضاع السياسة والعسكرية للإمبراطورية الرومانية إلى أواخر القرن الرابع ميلادي
تمهيد: تحولت روما من النظام الملكي الذي بدأت به تاريخها إلى النظام الجمهوري الذي شمل القرون الخمسة الأخيرة قبل الميلاد. وتم لروما خلال هذه المرحلة دعم نظامها السياسي في الداخل وفرض نفوذها في الخارج حتى صارت مع اقتراب القرن الأخير قبل الميلاد قوة سياسية وعسكرية هائلة ودولة عظيمة في العالم القديم[1]. وكان يمثل روما اثنان من القناصل يمثلان السلطات العليا في الجيوش الرومانية، وكان يتجدد انتخابهما كل عام، وكان هناك مجلس السيناتو sénatأو مجلس الشيوخ الذي كان يمثل السلطة التشريعية في روما.
وخلال هذا العصر الجمهوري تمت أغلب الفتوحات الرومانية الهامة واتسعت مساحة الإمبراطورية الرومانية إلى أقصاها أواخر القرن الأخير قبل الميلاد في عهد الإمبراطور أوغسطس، وفي القرن الأول الميلادي أضيفت إليها ولاية بريطانيا، وهكذا صارت حدود الإمبراطورية الرومانية تمتد من المحيط الأطلسي غرباً والراين والدانوب شمالاً والفرات شرقاً وصحراء العرب وصحراء إفريقيا جنوباً. وكان الحد الشمالي عند نهر الراين والدانوب يفصل بين العالم الروماني وعالم البرابرة[2] وهو المصطلح الذي أطلقه الرومان واليونان على تلك
الشعوب التي لا تتقن اللغة اليونانية واللاتينية وهذا المصطلح يحمل في طياته معاني الاحتقار الذي يعني المتوحش[3]. وامتد الحد الجنوبي إلى جبال الأطلس في إفريقيا وشلال النيل والصحراء الإفريقية وامتد الحد الشرقي من صحراء الشام وفلسطين إلى بلاد القوقاز كما مثل المحيط الأطلسي حداً غربياً للعالم الروماني.
وقد أدى التنافس بين قادة الجيش في القرن الأخير من عهد الجمهورية إلى إهمال التقاليد التي كان معمولاً بها وصار الانتصار في الحرب مبرراً كافياً للوصول إلى قمة السلطة، وكان أول من فعل ذلك هو أكتافيوس الذي انتصر على خصمه أنطونيوس سنة 31ق.م وهكذا صار هناك ما يعرف بالإمبراطورية الرومانية التي تعتبر تاريخها في القرون الأولى للميلاد المدخل الطبيعي لتاريخ العصور الأوربية الوسطى.
2- عناصر الوحدة في الإمبراطورية الرومانية إلى غاية القرن الثالث الميلادي
يذكر الدكتور م.م. الشيخ أن عناصر وحدة الإمبراطورية الرومانية كانت تتمثل في الجوانب التالية:
أ. نشأة حركة التجارة وتبادل السلع بين الأقاليم و يرجع هذا الازدهار في التجارة إلى شبكة طرق المواصلات المزدهرة، وكثرة الأنهار الصالحة للملاحة وكذلك البحر المتوسط الذي يشكل مجالاً هاما للحركة التجارية في أوربا والمشرق وشمال إفريقيا.
ب. وحدة اللغة: وذلك بسيادة اللغة اللاتينية في غرب أوربا وانتشار اللغة اليونانية في الشرق، وهذا ما أدى إلى وجود تجانس بين مختلف الأقاليم من الناحية الثقافية.
ت. تمتع المواطن الروماني بحقوق المواطنة الرومانية خصوصاً بعد صدور مرسوم كراكلا سنة 212 وهذا ما زاد في التجانس والترابط بين المواطن والسلطة العليا.
ث. كانت الإمبراطورية الرومانية تحرص على جلب ولاء الشعب في مختلف الأقاليم
ج. وبالإضافة إلى كل هذه عناصر الوحدة التي ذكرنا فإنه لم تظهر خلل هذه الفترة 138-192م ضغط البرابرة على الحدود ولم يكن عبء الضرائب ثقيلاً على المواطنين كما كان الرخاء المادي عاماً بين الناس مما أدى إلى ارتفاع مستوى حياة الطبقة الوسطى.
ح. كان التسامح يسود الحياة الاجتماعية ولم يظهر الاضطهاد الديني بعد وكانت السلطة الرسمية تسمح باستعمال اللغات المحلية.
تمثال للإمبراطور الروماني كراكلاّ
[1] نقصد بالعالم القديم الصين والفرس وبلاد الرافدين ومصر.[1]
[2] محمد محمد مرسي الشيخ، تاريخ أوربا في العصور الوسطى، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية،1995، ص ص.9-10
حاطوم نور الدين، تاريخ أوربا في العصور الوسطى، مطبعة دمشق1987، ص.17[3]
تمثال للإمبراطور الروماني كراكلاّ
3-عناصر الضعف في الإمبراطورية الرومانية:
ثغرات داخلية: ظهرت بعض الثغرات الداخلية في الإمبراطورية الرومانية وذلك منذ أواخر القرن الثاني الميلادي ويمكن تلخيص ناصر الضعف هذه في المحاور التالية:
- عدم تغلغل تأثير الحضارة الرومانية بصورة منسجمة بين مختلف رعايا الإمبراطورية فكان كل فريق من السكان يحافظ على تراثه ولغته وعاداته وكانت قبائل الرعاة في المناطق الشمالية والغربية تعيش مستقلة عن تأثير الغزاة الرومان.
- ساهمت الحروب الأهلية خصوصاً في بلاد اليونان وإيطاليا في إنقاص كثافة السكان في الغرب وزيادة أحواله سوءاً فضلاً عما ترتب على الأوبئة وسوء الحياة الاقتصادية من إنقاص عدد السكان في هذه المنطقة من أوربا.
- اشتدت في هذا الوقت وطأة الجرمان على الحدود الشمالية والغربية في شرق غالة والأقاليم الواقعة جنوب نهر الدانوب واشتدت الضرائب على الرعايا الرومان الذين لجأ كثير منهم إلى الأمراء الجرمان.
- وفي هذا الوقت كانت بعض الولايات ذات التراث القديم مثل هلنسيتيا تخلع سلطة الغزاة الرومان وتترقب الفرص للانفصال عن الإمبراطورية الرومانية وساع على ذلك نمو الآداب ومحاولات بعث الحضارات الراكدة.
وعلى الرغم من أن ماركوس اوريوس 161-180م يعد من أنبل الأباطرة بحكم أخلافه وانتمائه إلى مدرسة الرواقيين الفلسفية وبخكم نشاطه وأدبه وبحماسه لحماية الإمبراطورية بالرغم من كل ذلك فإن عهده يمثل نهاية عهد الاستبداد المستنير وبداية تداعي الرخاء الروماني واضمحلال العظمة الرومانية وكذلك كثرة سفك الدماء وبداية تغلغل البرابرة في الأراضي الرومانية وخصوصا على الحدود الشمالية الشرقية لإيطاليا حتى أن هذا الإمبراطور مات في معسكره الحربي على نهر الدانوب وهو يقاتل في دفع البرابرة عن حدود الإمبراطورية.
- زادت الأمراض والأوبئة بين الموطنين خصوصا في بلاد اليونان وإيطاليا منذ عام 166م عقب عودة أفيديوس كاسيوس العسكرية من الشرق وكان فتك هذه الأوبئة بالإيطاليين شديد ولم يعد في إيطاليا ذاتها وروما خصوصاً سوى قليل من السلالات القوية العريقة. وخلال القرن الثالث الميلادي لم يعد المنصب الإمبراطوري قاصراً على الرومان وحدهم بل كان كثيرا ما يتولى منصب الإمبراطور سوري أو عربي أو إفريقي*
ثانياً. الأخطار الخارجية: زاد ضغط البرابرة خلال القرن الثالث الميلادي على خطوط الدفاع للإمبراطورية الرومانية وبلغ هذا الضغط قمته عند اقتراب منتصف القرن الثالث إذ قام القوط بنهب بلاد اليونان كما أخضعوا لسلطتهم شبه جزيرة القرم وخربوا بعض المدن المزدهرة على شواطئ البحر الأسود في آسيا الصغرى كما تكونت تحالفات من القبائل الجرمانية كانت تهدف إلى انتزاع الأقاليم الرومانية في أوربا فقد زحف الفرنجة من ألمانيا إلى جوف إسبانيا ونهبوا مدينه تاراجونا بينما أغار السكسون على سواحل بريطانيا وغالة ، وهي فرنسا الحالية تقريباً، ونهبوهما كما عاثت قبائل الأماني فسادا في غالة فأحرقوا وخربوا بعض جهات وادي نهر الرون ووادي نهر البو.
- ظهر خطر الفرس الساسانييين في إيران عام 227م في غرب آسيا فقد اجتاحوا بلاد الشام ووصوا إلى بحر إيجه في اليونان ونجح الملك الفارسي شابور في سجن الإمبراطور الروماني فليريان وهكذا أصيبت الإمبراطورية الرومانية بكارثة عظيمة وكان ذلك سنة 260م. كما وقعت مدينة إنطاكية العريقة التي كانت معقل السيادة الرومانية في الشرق في يد الفرس مرة ثم في يد سبتيميا زنوبيا أميرة تدمر مرة أخرى.ثم إن قيام دولة تدمر داخل كيان الإمبراطورية الرومانية يمثل في حد ذاته صورة الضعف والاضمحلال للإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، فقد امتد نفوذ تدمر من خليج العقبة بالأردن جنوبا إلى جبال طوروس شمالاً، وبسطت هيمنتها إلى سوريا والجزيرة بين دجلة والفرات شمالاً وبلاد العرب وهددت مصر وآسيا الصغرى وحافظت على استقلالها حتى أخضعها الإمبراطور أورليان 270-275م.
المحاضـرة الثالثـة
بدايات انقسام الإمبراطورية الرومانية 284-305م
تمثل الفترة بين 270-284م أي إلى غاية تولي الإمبراطور الروماني دقلديانوس سدة الحكم مرحلة جادة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية وكان الأباطرة خلالها قد حاولوا دفع الأخطار التي كانت تهددها في كل مرة كما طردوا البرابرة وراء الحدود الرومانية وأعادوا مؤقتا الوحدة إلى الإمبراطورية الرومانية وتوجت هذه المرحلة بتولي الإمبراطور دقلديانوس الحكم سنة 284م وهذا الحدث ستترتب عنه نتائج هامة بالنسبة لتاريخ الإمبراطورية في عصورها المتأخرة.
1. دقديانوس diaclécien حياته وإنجازاته الحضارية
ينحدر دقلديانوس من أسرة فقيرة في إقليم إليريا القديمة بالشمال الغربي لشبه جزيرة البلقان وقد انخرط في الجيش الروماني وشغل بعض الوظائف الصغيرة في غالة ثم ارتقى إلى حكم ماسيا في البلقان ثم إلى رتبة القنصل ثم إلى قيادة الحرس الإمبراطوري وهي وظيفة هامة ثم ما لبث أن عين قائداً على الجيوش الشرقية والغربية ومع أن دقلديانوس اشتهر بكونه رجل دولة وسياسة اكثر من كونه رجل حرب غير أن معاصريه أعجبوا به ورفعوه إلى مرتبه الأباطرة العظام حتى اعتبره بعضهم مؤسسا لإمبراطورية جديدة مثله في ذلك مثل اوغسطس.
وقد أدرك دقدلديانوس بفكره الثاقب أمراض الإمبراطورية فحاول أن يقضي على الطموح والمنافسة في كرسي العرس من طرف العسكريين فقرر أن يتولى بنفسه قيادة الجيش في الحملات الهامة وقصد بذلك أن يحرم القادة العسكريين من تحقيق انتصارات باهرة تريهم بالتطلع إلى منصب الإمبراطور. كما أدرك أن الإشراف على شؤون الدفاع عن الإمبراطورية مهمة ثقيلة لا يستطيعها رجل واحد ولهذا قام دقلديانوس بوضع نظام جديد في الحكم خالف به نظم الإمبراطورية منذ قيامها أيام أوغسطس فقد قسم الإمبراطورية إلى قسمين كبيرين بواسطة خط عمودي يمتد من الشمال إلى الجنوب عبر البحر الأدرياتيكي واختار زميلاً له ورفيق سلاح ليكون شيكا له في الحكم ولكن ذلك لم يكن كافيا للقضاء على الفتن وكبح جماح القادة الطامحين في العرش. كما أن اتساع الإمبراطورية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً أدى إلى صعوبة التحكم في الأمور وحماية الحدود وخصوصا مع كثرة الولايات وثقل الإدارة فاضطر دقلديانوس وزميله إلى الاعتراف بقائدين آخرين كإمبراطورين وشريكنين لهما في الحكم ولكن كلا منهما منح لقب قيصر دلالة على أنه أقل شأنا من دقلديانونس وشريكه ولم يكونا سوى مساعدين.
- رأى دقلديانوس أن روما لمن تعد صالحة للبقاء كعاصمة وحيدة للإمبراطورية فاتخذ عاصمة جديدة في الشرق هي نيمقوميديا على الشاطئ الآسيوي للبوسفور وذلك قبل بناء القسطنطينية وأقام بها وجعلها مركزاً لحكمه وكان ذلك بدافع إدراكه بأن ميزان القوى بدأ يميل لصالح الأقاليم الآسيوية والشرقية في الإمبراطورية وذلك بفضل ثرواتها وغناها وقوة الكثافة السكانية فيها وكذا تمركز المدن الهامة في أرجائها ولهذا نجد أن دقلديانوس استأثر لنفسه بحكم تراقيا ومصر وأقطار آسيا الغنية.
2- الإصلاحات الإدارية:
كان دقلديانوس كما ذكرنا رجلاً إدارياً فحاول تأمين مركز الإمبراطورية وهو العاصمة ومحاربة النزعة الانفصالية وإصلاح أحوال الشعب وأهم عمل قام به هو فصل السلطة المدنية عن السلطة العسكرية وأعاد تتيب الولايات وتنظيمها فقسم الإمبراطورية إلى أربعة أقاليم كبرى هي:
ولاية غالة: وتشمل بريطانيا وغالة وإسبانيا والمنطقة المعروفة اليوم باسم المغرب الأقصى.
ولاية إيطاليا: وتشمل المنطقة الواقعة بين نهر الدانوب والبحر الأرياتيكي بالإضافة إلى إيطاليا والأقاليم المعروفة الآن بالجزائر وتونس وطرابلس.
ولاية إليريا: وتشمل داشيا ومقدونيا وبلاد اليونان.
ولاية الشرق: وتشمل بقية أقاليم الإمبراطورية وهي تراقيا وآسيا الصغرى والشام ومصر.
ثم انقسمت هذه الولايات إلى وحدات إدارية اصغر وأصبح الحاكم في كل وحدة إدارية مسئولا أمام الحاكم الأعلى وفي النهاية يصبح عدد من الحكام العموميين مسئولين أمام دقلديانوس نفسه الذي كان له الحق في غزلهم أو تعيينهم[1]. وكان هذا الشكل الهرمي للجهاز الإداري في الإمبراطورية الرومانية الذي وضعه دقلديانوس يسهل سرعة الإجراءات وكان يضمن الدقة في العمل الإداري ويجعل السلطة تتركز في يد الإمبراطور في نهاية الأمر وفي ذلك ضمان لهيمنته على شؤون البلاد والقضاء على عوامل الفرقة والانقسام.
3- الإصلاحات الإدارية:
قام دقلديانوس بإنشاء قوة عسكرية متنقلة لحماية حدود المملكة أي ألا يمس وأطرافها من هجمات البرابرة وكان لهذه القوة أثر فعال في رد الاعتداءات وإضافة إلى هذه القوة المتحركة كان هناك جيش أخر يتكون من فرق مرابطة على حدود الدولة*. واهتم دقلديانوس أيضاً بأمن الطرق الرومانية وحراستها. ومما يذكر أيضاً بشأن إصلاحات دقلديانوس العسكرية أنه قام بإدخال أعداد هائلة من الجرمان والبرابرة في الجيش حتى يذكر أن معظم فرق الخيالة كانت من الجرمان وكلفت قوات جرمانية مرتزقة بالدفاع عن الحدود بإشراف قيادات رومانية ودخل الجرمان أيضاً في الحرس الإمبراطوري وتدرجوا في وظائفه حتى وصلوا مراتب القيادة خصوصاً وأن الإمبراطور لم يشترط للوصول إلى القيادة سوى الشجاعة والحنكة في القتال والإخلاص للإمبراطور.
ورغم أن دخول العنصر الجرماني في الجيش الروماني وتولي كثير من عناصره لمراكز القيادة سيؤدي مؤقتاً وفي مرحلة قوة الإمبراطورية إلى نوع من الأمن والاستقرار إلا أن هذا التواجد الجرماني في مراكز القيادة سيؤدي بعد ضعف الإمبراطورية إلى نتائج وخيمة على مستقبل الإمبراطورية.
الإصلاحات المالية: حاول دقلديانوس إصلاح النواحي المالية والاقتصادية وأول عمل بدأ به هو سك العملة الجديدة التي نالت ثقة التجار والأهلي الرومان كما اهتم بحماية الفقراء من جشع المستغلين وثبت أسعار السلع الأساسية وحدد الأجور والمرتبات منعا للاستغلال كما حاول التخفيف من عبء الضرائب وقام بعملية مسح للأراضي الزراعية وحصرها وتقدير الضرائب عليها بطريقة عادلة.
الجانب الروحي والديني في الإمبراطورية الرومانية
1- مكانة الفلسفة: كان هناك فراغ روحي كبير بين أصحاب الفكر وذوي العقول المستنيرة وذلك بعد فشل عبادة الإمبراطور والوثنية في إشباع نهمهم الروحي وهذا ما أدى إلى اتجاه الناس نحو الفلسفة وهكذا صار للفيلسوف في القرن الثاني الميلادي منزلة سامية بين الناس باعتباره ناصحا روحيا وشافيا للآلام النفسية، وصارت مهمته تشبه مهمة رجال الدين. وقد تمسكت الطبقات العليا المثقفة بالرواقية stoicism وذلك بما تنطوي عليه من الأخلاق والإيمان بكل الآلهة كما اعتقدت في وجوب اتخاذ التصوف الأفلاطوني وكذلك الأفلاطونية الحديثة والغنوصية.
2- الديانات الشرقية:اتجه العالم الروماني باهتمام متزايد نحو عبادات الشرق المتدفقة بالحيوية مثل عبادة إيزيس من مصر وعبادة إله السماء وإله الشمس من سوريا وعبادة متراس إله الشمس المحارب ومخلص الإنسان من فارس بل إن الإمبراطور ماركوس أورليوس سيد معبدا للإله الفارسي ميتراس وقرر الإمبراطور أورليان جعل عبادة الشمس ديناً رسمياً للدولة ولكن هذه العقائد لم يكتب لها البقاء طويلاً.
3- الديانة المسيحية: ووسط هذه الفوضى الدينية بدأت المسيحية تظهر وتتفوق، ففي عهد الإمبراطور أورليان كانت المسيحية قد انتشرت انتشاراً واسعاً في الشرق ورسخت جذورها في إيطاليا وتغلغلت في روما نفسها حتى صارت خطراً كبيراً على الديانة الرسمية للدلوة وهي عبادة الإمبراطور وعبادة الشمس وخصوصاً بعد اعتناق عدد من أفراد الجيش للمسيحية، وهذا ما أدى بالدولة إلى كراهية المسيحيين وإلى إقدام السلطات الحاكمة على اضطهادهم مثلما حدث على عهد كل من الإمبراطور دكيوس249-251م والإمبراطور فاليريان 253-260م حين تعرض المسيحيون لأشد أنواع الاضطهاد[2]. وفي نفس هذا الإطار كره دقلديانوس المسيحية التي ظهرت في أوربا كعقيدة جديدة ونظام وافد من الشرق خصوصا وأن هذه الديانة بدأت تدعو أتباعها إلى عبادة إله غير الإمبراطور ثم ازداد سخطه عليها حين بدأت تظهر تطرفا وبدأت تخير أتباعها بين الإخلاص للمسيح أو الإخلاص للإمبراطور وخصوصاً حين تعدى نطاق تأثيرها في المجتمع إلى التأثير في الجيش، وحين قضت على ولاء الجند للإمبراطور وصارت عبارة عن دولة داخل الدولة وشكلت جماعات سرية لا تقيم وزناً لنظام الدولة وتقاليدها.
ويذكر أن المسيحية كعقيدة تسربت إلى أفراد من البلاط الإمبراطوري وإلى بعض أفراد أسرة دقلديانوس نفسه وهذا ما جعل الإمبراطور يشرع في اضطهاد عنيف للمسيحية وأتباعها قبل سنوات قليلة من اعتزاله للحكم. ففي سنة 302م بدأت حركة اضطهاد كبيرة للمسيحيين جرى بمقتضاها طردهم من البلاط ومن صفوف الجيش ونفيهم إلى جهات نائية وحرمانهم من حقوق المواطنة ومنعهم من تولى الوظائف الإدارية وحرق كتبهم المقدسة وهدم كنائسهم وإصدار قرار يحرم عتق الأرقاء منهم وتبع ذلك حركة تعذيب عنيفة في سنة 304م جرى فيها إعدام كثير من المسيحيين وإذاقتهم ألواناً من العذاب الأمر الذي أدى بكثير منهم إلى التخلي عن عقيدتهم. وهكذا كانت السنوات الأخيرة من حكم دقلديانوس فترة محنة كبيرة
* هذا الإمبراطور هو سبتيموس سفروس الذي حكم بين 193-211م
[1] م.م. مرسي الشيخ، المرجع السابق، ص.44
* يذكر أن عدد هذه الفرق المرابطة بلغ في عهد دقلديانوس مائتين وخمسين 250 ألفاً من المشاة و إحدى عشرة 11 ألغاً من الخيالة أو الفرسان هذا إضافة إلى الحرس الجمهوري المكلف بحماية الإمبراطور نفسه.
[2] م.م. مرسي الشيخ، المرجع السابق، ص ص.22-28
للمسيحيين وقد حدث مثل ذلك في شمال إفريقيا أيضاً حيث عرف الأهالي محاكمات وعمليات تعذيب وحرق مؤلمة[1].
ولكن القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية هو الذي عانى القسط الأكبر من الاضطهاد الديني وذلك بحكم تركز المسيحيين في الشرق مهد المسيحية الأول. غير أن هذه الحركة العنيفة من الاضطهاد لم تلبث أن خفت حدتها عندما قرر دقلديانوس اعتزال السلطة سنة 305م بعد أن صار شيخاً ولازمه المرض المزمن، وبعد أن أكمل عشرين عاماً على رأس الإمبراطورية، وكذلك بوفاة جاليروس عدو المسيحية اللدود سنة 311م.
وإذا كان مسلك دقلديانوس تجاه المسيحية قد اتسم بقدر كبير من العنف والقسوة فإن ذلك قد أدى إلى انقلاب خطير في الحياة الدينية للإمبراطورية ووضعها على أعتاب مرحلة جديدة على عهد خليفته قسطنطين الذي جعل الإمبراطورية حصنا للمسيحية وملاذا لأتباعها والذي ترأس أول مجمع ديني مسكوني في تاريخ المسيحية وتبنى وجهة نظر رجال الكنيسة وجعل من المسيحية الوجه اللامع للحقبة الجديدة في بيزنطة.
يتبع باقي الموضوع